الطريق الآخر لحياة أفضل الطريق الآخر لحياة أفضل
recent

آخر الأخبار

recent
الدورات التدريبية
جاري التحميل ...

مشكلة الانسان الكبرى والفلسفة المعاصرة - بقلم أ/ سيد صابر




لا شك أن الأسئلة الكبيرة هي التي تكشف عن اللغز الكبير ولكن إذا حدث العكس وأصبح اللغز الكبير هو الذي يسأل الأسئلة الكبيرة فما يجب أن ننتظره في هذه الحالة هو الكنز الكبير بالتأكيد، وها هو الإنسان ( اللغز الكبير ) يسأل: ما الذي يعوقنا عن التحرك في الحياة والإنطلاق بكامل إمكاناتنا اللامحدودة التي وهبها الله لنا ؟
ما الذي يجعلنا لا نتذكر سوى القليل برغم مائة وخمسون مليار خلية تعمل في أدمغتنا وتستطيع الخلية الواحدة استيعاب معلومات بحجم مكتبة الكونجرس الأمريكية ؟
 ما الذي يجعلنا نقف حائرين بلداء أمام كثير من المشكلات لا نجد لها حلاً برغم أن عقولنا تستطيع ان تقدم لنا عدد مهول من أنماط الذكاء يصل إلي الرقم 1 وأمامه عشرة كيلومترات ونصف من الأصفار ! ؟
ما الذي يعوقنا ؟، ما الذي يكبلنا ؟، ما الذي يحول بيننا وبين تحقيق أحلامنا ؟ وفي عقولنا تبلغ عدد الوصلات بين الخلايا العصبية إلي الرقم 10 أُس 800 أي 10*800 مره بمعنى 10 وأمامها 800 صفر.
هذه ليست قدرة مفاعل نووي بل قدرة تفوق قدرة الكون كله، فقد قدّر العلماء أن عدد ذرّات الكون يُقدر ب 10 أُس 100 ! وهذا يعني أن عدد الوصلات في عقولنا أكثر بسبعمائة مرة من عدد ذرات الكون، ويعني هذا أيضا أن عقلك الذي تقرأ به الآن إذا شبهناه بمصنع فإنه يستطيع أن ينتج سبعمائة كون مثل الكون الذي نعيش فيه !. فهل تستوعب ذلك ؟
هل تصدق هذه الأرقام؟ وهل أنت مؤمن بهذه القدرة ( قدرتك ) ؟، هل تقدّر وهل تفهم ماهية هذه الأعطية التي أعطاها الله لك ؟. في الحقيقة، أنت غير مؤمن بهذه القدرة العظيمة التي وهبها الله لك، نعم أنت غير مؤمن ولا تصدق هذه الأرقام، وحتى إن قلت بأعلى صوتك انك مصدّق فأنت كاذب ولكنك لا تدري ذلك.

وقد تكون صادق فقط في حدود دائرة شعورك وهذا ما يمنحك الشعور بالإيمان وباليقين بأنك مصدّق ومؤمن وواعي بهذه الحقائق وهذه القدرة،  لكن فيما وراء دائرة شعورك فإني أؤكد لك انك غير مؤمن وغير مصدق وغير واعي وغير متفهم لهذه الحقائق وهذه الأرقام التي أصبحت في عصر العلم حقائق علمية ثابتة، وهذا لا ينطبق علي إيمانك بقدرتك الفائقة فقط بل ينطبق أيضا علي إيمانك بأشياء كثيرة وحتى إيمانك بالله !

ولا تمثّل دائرة شعورك إلا عشرة بالمائة فقط من عقلك كله وحتى إن افترضنا انك ملئت هذه المساحة بالكامل بالإيمان واليقين بصحة هذه الحقائق وبعظمة هبة الله لك، فإن كل هذا يبقي في حدود العشرة بالمائة فقط، هذا علي افتراض انك تستخدم هذة المساحة بالكامل من قدرات عقلك، ودعني أذكرك بأن أذكى إنسان في التاريخ وهو ( اينشتاين ) استخدم فقط 11 % فقط من قدرات عقله، هذا يعني أنني كنت كريم معك في افتراضي السابق أليس كذلك ؟ J
أعرف انك بدأت تستمتع بهذه المعلومات المدهشة عن عقلك وتريد المزيد منها، لكنني لست كاتب صحفي في مجال الثقافة بل فيلسوف أبحث عن الإشكاليات الكبرى في هذا العالم، ليس بهدف حلها، بل بهدف إثارتها وإبرازها والمشاركة في حلها لأن مثل هذه الإشكاليات تحتاج إلي جهود أجيال متتالية من الفلاسفة والمفكرين، هذا ما تعلمته في دراستي للفلسفة وأنا اقدّر دوري وأعرف مسئوليتي وأفعل ما علي فعله، وفي هذا المقال لا أريد ان أبهرك ببعض الحقائق العلمية بل ما أرمي إليه هنا هو أن أضعك في مقابل مشكلتك الكبرى، وإن كان فضولك لمعرفة المزيد عن نفسك قد أنساك تلك الأسئلة الكبيرة في أول المقال فدعني أذكّرك.

ما الذي يعوقك ؟، ما الذي يحول بينك وبين تحقيق أحلامك ؟، ما الذي يمنعك عن الوصول إلي رغباتك ؟ وعقلك يعمل بسرعة تفوق سرعة الضوء، وقد احتار العلم فيك وفي قدراتك ؟، إنها حقاً مشكلة الإنسان الكبرى، أن يمتلك الإنسان كل هذه القدرة الفائقة، وبرغم ذلك يعيش الإنسان في معاناة بسبب عجزه عن بلوغه رغباته.

تُرى ما السر وراء ذلك ؟، بالتأكيد هناك أسرار وراء ذلك وهناك عوالم مجهولة لم تكتشف بعد ودروب لم تفتح وأراضي جديدة لم تطأها قدم إنسان، لكن ما الطريق إلي اكتشاف هذه العوالم وإكتناه تلك الأسرار ؟
من السذاجة أن تظن أن الرحلة سهلة وان لدي حلول سأقدمها لك لان المشكلة ليست بسيطة إلي هذا الحد، بل هي معقدة وليست سهلة علي الإطلاقـ، وتحتاج إلي رحلة طويلة وعميقة، رحلة لا تنتهي طالما لم تنتهي سلالة الإنسان، بدئها الأجداد وها نحن نكمل باحثين عن الاستكشافات الجديدة والمبهرة.

وما افعله هنا فقط هو أني أُشير إلي بعض ما أظنه أنا حلول لمشكلتنا الكبيرة، وفي الديانة البوذية يُقال أن الإصبع الذي يشير إلي القمر ليس هو القمر، وما افعله هنا ليس هو القمر أو الحلول بل هو الإصبع، كما أن الإصبع ليس الشيء الوحيد الذي يمكن أن يشير إلي القمر بل يمكن لعصى أن تشير بدلاً منه ويمكن للكلمة وحدها ( كلمة قمر ) أن تشير إلي القمر بدون الحاجة إلي عصى وبدون الحاجة إلي إصبع.

فأن نظن أننا علي الدرب الصواب شيء، وأن نعتقد بأن هذا الدرب هو الدرب الوحيد شيء آخر، وأتمنى أن يكون هذا المعنى أيضا مداواة معرفية للمرضى من المثقفين الذين انبهروا بالنموذج الغربي إلي حد الهوس والتسليم التام بكل معرفة غربية وكأن النموذج الغربي هو النموذج الوحيد الصحيح، الأمر الذي جعلهم يقتلون الإبداع فيهم، وفي الوقت نفسه كلّي أمل بان الإبداع العربي سيقدم نفسه من جديد علي الساحة بالشكل الذي يليق به في المستقبل القريب إن شاء الله

أما عن القمر الذي سأشير إليه، وعن الإشارات التي ليست هي الحلول بل مجرد إشارات إلي الحلول، فهناك عوالم عديدة سأشير هنا إلي أهمها فقط

العالم الأول
العالم الأول هو عالم اللغة ذلك النشاط الإنساني المعقد الذي غيّر تاريخ الحضارة الإنسانية والذي يتضمن أو يحوي بداخله عالم آخر مفاهيمي يتكون من مفاهيم ومعاني بسيطة ومركبة، ويتضمن بدورة عالم آخر هو عالم الاعتقادات الذي يتكون من شبكة معقدة من العلاقات المفاهيمية وهو عالم قُدسي تسكن بداخله قداسة الإنسان ومحصّن بهالة قدسية قوية.
وكل هذه العوالم اللغوية والمفهومية بها الكثير من الأسرار التي تتعلق بمشكلتنا التي نحن بصددها وستحتاج أن نخوض فيها في مقالات أخرى إن شاء الله نستكشف أغوارها، وليس من الغريب أن نجد مباحث فلسفية عديدة تبحث فقط في اللغات فهناك الفيلولوجيا الذي يبحث في النصوص القديمة وهناك الهرمنيوطيقا الذي يبحث في الرموز وصورها وهناك السيمياء الذي يبحث الإشارات والدلالات بأنواعها ومباحث فلسفية أخرى تتشابك مع تلك التي ذكرناها وعلي الفيلسوف أن يتتبع كل ذلك ليخرج برؤية جديدة وحلول جديدة.

العالم الثاني
أما العالم الثاني الذي أود الإشارة إليه هنا هو عالم الفكر، ذلك العالم البديع الذي يتضمن عوالم أحلامنا وأمنياتنا ورغباتنا وذكرياتنا والذي يحمل ماضينا ومستقبلنا وجميع أسرارنا والذي لا نعرف عنه سوى القليل، لأننا مازلنا لا نعرف من أين تأتي أفكارنا والي أين تذهب، تماماً مثل شمعه نضيئها ثم نطفئها ولا نعلم من أين أتت النار والي أين ذهبت !.
وهذا العالم يحيط بنا من جميع الجوانب ولا نشعر به كما يحيط بنا الضغط الجوي الذي اعتدنا عليه لدرجة أننا لا نشعر بأن هناك ضغط واقع علينا ولا نشعر به إلا إذا تغير الضغط الجوي من حولنا. في هذا العالم أيضا توجد الكثير والكثير من الأسرار والدروب التي لم تكتشف بعد والتي تتعلق بالمشكلة التي نحن بصددها مشكلة الإنسان الكبرى.

العالم الثالث
والعالم الثالث الذي أود الإشارة إلية هو عالم (الأنا) ذلك العالم الذي يحجب عنا عالم الروح ببركاته ومعجزاته، والذي يُزيّف حياتنا ويجعلنا نعيش في أنوات مُزيفه غرباء عن ذاتنا الحقيقية وعن كينونتنا الحقه، ويجعلنا صورة في حين أننا لسنا صور. وهل يمكن أن تكون الصورة مثل الأصل؟، هل صورة الأسد مثل الأسد ؟ !.
طبعا لا ومن المحزن أن نكون الصورة وليس الأصل، لكن هذا للأسف ما هو حادث معنا جميعاً، وهنا موقف ظريف نتذكره حدث مع الفيلسوف الألماني شوبنهاور حيث كان جالسا وحيداً في حديقة وجاءه شرطي وسأله "من أنت ؟" فنظر إليه شوبنهاور من أسفل الي أعلى ثم قال له "ليتك تساعدني في العثور علي إجابة لهذا السؤل"، وهو حقا السؤال الأصعب في رحلتنا هذه.


تلك كانت مجرد إشارات فقط  إلي أهم القضايا الفلسفية المعاصرة التي تخص حياة الإنسان، وهي قضية الإيمان بقدراته، وقضية البرمجة اللغوية، وقضية الأنا وملحقاتها، وقضية الفكر وتأثيرة علي حياة الانسان، والتي سأتناولها إن شاء الله كلٍ علي حده في مقالات قادمة، أسميتها عوالم بهدف إحياء روح الاستكشاف في الوسط الثقافي العربي، آملاً أن يعود المفكر العربي - ساحر الصحراء - إلي مجده شاهراً سيف المعرفة فاتحاً دروب الخير لكل البشر.
بقلم
أ/ سيد صابر
أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية

عن الكاتب

Unknown

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مجلتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المجلة السريع ليصلك جديد المجلة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على زر الميكروفون المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الطريق الآخر لحياة أفضل