الشخصية
يقول الخبير في قياس الشخصية "روجر هولدزورث": أن "الشخصية هي الإجابة المتوقعة عن السؤال ( كيف يتصرف الإنسان؟)". ويعني هذا أن طريقة تصرف أي إنسان تعود إلي نوعية شخصيته.
ويعرّف علم النفس الشخصية بأنها مزيج مكون من العوامل الجينية، والتربية والبيئة، ونمط الحياة، وتجارب الطفولة، والجماعة والمجتمع، والقيم والمعتقدات، والإختلافات والخصائص، والدوافع، والكفاءة والقدرات، والذكاء والمزاج، والأزمات، والنمو، والإدراك والوعي، والمشاعر والعاطفة.
ولكننا يمكن أن نوجز فنعرّفها بأنها مجموعة من التفضيلات المحفورة داخل عقل الإنسان. ولكن هذا الإيجاز يقتضي أن نلقي بعض الضوء علي عقل الإنسان.
فالإنسان هو النوع الوحيد من الكائنات الذي يملك القدرة علي التفكير والإنخراط في أفكار مدروسة، فيفكر في الماضي والمستقبل ويضع الخطط ويتخيل بذهنه أشياء لم يراها قط، ويتأمل فيما يدور حوله وفيما يدور في عقول الآخرين.
وينقسم نشاط عقل الإنسان إلي جزأين جزء واعي وجزء لاواعي، والتفكير العقلي الواعي يحتاج إلى بعض الوقت ويستنفد الطاقة، أما العقل اللاواعي فهو أسرع بكثير جدا من العقل الواعي لذلك فإنه يتولى مهمة قيادة الجسد وينظم عمل أعضائه، ولو اُسندت هذه المهمة إلي العقل الواعي فإن الإنسان سيموت لأنه سيفشل في تنظيم عمل القلب مع باقي أعضاء الجسم لأن ذلك فوق قدراته.
ولكن يمكن للإنسان أن يتعلم مهارة معينة بعقله الواعي ثم ينقلها إلى العقل الباطن ليتولى إدارة هذه المهارة. ومثال علي ذلك تعلم قيادة السيارة، فإن الإنسان يُجهد في بادئ الأمر ولكن بعد ذلك تصبح القيادة في غاية السهولة ذلك لأنها انتقلت إلي العقل اللاواعي.
وهكذا عاش الإنسان البدائي وسط المخاطر والوحوش لأنه طور بعض الأساليب العقلية المختصرة مثل " إذا شاهدت مخلوقاً مرعباً، اهرب بسرعة!" والتي ساعدته علي حماية نفسه من وحوش الغابات.
وهذه الأساليب المختصرة تشبة أنماط التحكم المبرمجة آلياً في المخ، أي مجموعة قواعد يتبعها المخ فورياً إذا لم تخبره أنت بشئ آخر. وربما أمتلك الناس في الأزمان الغابرة بعض القوانين البسيطة مثل " إذا رأيت الطعام، أضعه في فمي وأمضغه بسرعة" أو " إذا أغضبني الناس، فسوف أضربهم علي رؤوسهم"!.
ولقد قمنا بتطوير القليل من تلك الأساليب منذ ذلك الحين، ولا نزال نعمل علي تطوير أساليب مختصرة جديدة لنتفاعل بها مع العالم الحديث ولنتجنب الاستنفاد العالي للطاقة أثناء التفكير العقلي.
والطريقة التي يتم من خلالها وضع تلك الأساليب المختصرة داخل العقل هي التي تحدد الشخصية. " إذا وقع الحدث (س)، فإنني سأقوم بالعمل (ص) ". ولكل إنسان طريقته الخاصه في وضع تلك الأساليب والبرمجيات في عقله، أو بمعنى أدق فإن كل إنسان مختلف عن غيره في الطريقة التي يتم بها وضع تلك القوانين البرمجية في داخل عقله. وعلي هذا الأساس تختلف أنواع الشخصيات.
فعلي سبيل المثال: ربما تكون القاعدة الخاصة بك هي، " إذا رأيت شخصاً غريباً، أذهب إليه وأقول أهلاً وسهلاً "، وربما تأمل من وراء هذه القاعدة أن تكون شخصاً إجتماعياً، أو ربما تكون قاعدتك هي، " إذا رأيت شخصاً غريباً، سأنظر إلى أسفل وأبتعد"، وتأمل من هذه القاعدة أن تكون أكثر تحفظاً.
وربما يتبادر إلى ذهنك الآن هذا السؤال: هل ولدنا بشخصيتنا الحالية أم أنها تطورت وفقاً لنمونا ؟.
والإجابه هي أن كلا الأمرين صحيح بقدر ما. فلقد ولدنا ببعض السمات أو الخصائص التي تحدد شخصيتنا الحالية، ويقول العلماء ان ما يقرب من نصف صفاتنا الشخصية ربما تكون موروثة – أي منقولة عن طريق الجينات. وكما أن بعض الحالات مثل أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم تكون موروثة جزئياً، فإن الشخصية ربما تكون كذلك أيضاً.
وسواء كنت إنساناً إجتماعياً أو متحفظاً أو كنت إنساناً مفرطاً في التنظيم أو شديد الإهمال فإن هذه الصفات تنتقل في سلاسل الحمض النووى التي تنتقل إليك من والديك.
وهذه الخصائص تسمى خصائص الهارد واير، ولكن يفضل النظر إليها علي أنها خصائص إيجابية غالباً لأنها تميزك عن غيرك فكما أن الفاكهة مختلفة في شكلها وطعمها وروائحها، فهكذا نحن البشر. فأي نوع من الفاكهة أنت ؟.
ثم بعد ذلك يأتي دور التنشأة، وهي الخصائص المكتسبة من البيئة، وهذه الخصائص قد تعزز بعض الخصائص الجينية وقد تعدّل فيها، فإذا كانت شخصيتك غير إجتماعية جينياً وأجبرك والدك علي الخروج واللعب فترات طويلة مع أصدقائك فإن ذلك يجعلك شخصية إجتماعية وهكذا. وتسمى هذه الخصائص بخصائص السوفت واير لأنها تمثل البرمجة المكتسبة من البيئة.
يبقي عامل مهم يجب أن نشير إليه إذا ما تحدثنا عن تغيير الشخصية في ألا وهو " الإرادة "، فبالإرادة يمكنك أن تتغلب علي الجانب الجيني الوراثي وكذلك الجانب البيئي لتحيا حياتك بالشخصية التي تريد أن تحيا بها.
بقلم أ/ سيد صابر
أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية