المثقف والمجتمع
بقلم / سيد صابر
استاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية
لا يمكن لأي مجتمع ان يتقدم بدون المثقفين. تلك حقيقة مطلقة يؤكدها تاريخ المجتمعات التي نهضت والتي تخلفت وتأخرت أيضا. وقبل ان نلقي الضوء علي دور المثقف في تقدم الأمة أو تأخرها، يجب أن نعرف أولا من هو المثقف؟ وما هي الثقافة؟ وما هي علاقة المثقف بالمجتمع؟
ولنبدأ بالثقافة أولاً: يمكننا أن نلخّص تعريف الثقافة بأنها أسلوب حياة، بمعني أنها الطريقة التي يتعايش بها أفراد المجتمع. ولا شك أن هذا يشمل سلوكياتهم ومعتقداتهم وأسلوب التربية والتفكير وكل تفاعلاتهم مع الحياة. وباختصار يمكننا أن نشبّه ثقافة المجتمع بالدماء الذي يسري في الجسد، وهذا الجسد هو المجتمع. ولا شك في أن الدماء إذا فسدت يفسد معها الجسد ويصاب بالعلل والامراض. هذا عن الثقافة وعلاقتها بالمجتمع.
أما المثقف فقد اختلف الفلاسفة وعلماء الاجتماع في تعريفه، بمعني أن كلٍ منهم قام بتعريفه من زاوية مختلفة. ولكنهم اتفقوا على أن المثقف هو الذي يُنتج المعرفة، أو ينشر المعرفة، وأنه يتسم بحساسيته المفرطة لمشكلات المجتمع الذي يعيش فيه. وهذا طبعاً يختلف عن الصورة النمطية للمثقف الراسخة في اذهان الكثيرين من أفراد مجتمعنا، والتي رسختها الدراما، وهي أن المثقف هو الذي يرتدي عوينات ويحفظ مجموعة من عناوين الكتب، وهي صورة سلبية للمثقف وغير صحيحة اطلاقاً، لأن المثقف كما أوضحنا يجب أن يكون منتجاً أو ناشراً للمعارف التنويرية التي تبارك حياة الناس، ويجب أن يشعر بمشكلات المجتمع ويتنبأ بها قبل أن تحدث.
وأما عن علاقة المثقف بالمجتمع فإننا يمكن أن نشبهها بعلاقة الطبيب بالمريض، فالمثقف هو الطبيب الذي يعرف مشكلات مريضه ويعمل على علاجها، وأما المجتمع فهو المريض الذي يعاني من مشكلات نتجت اساساً عن تلويث في ثقافته، وهنا يأتي دور المثقف ليستأصل هذا التلوث الموجود بالثقافة المنتشرة في الجسد الاجتماعي.
وهنا يجب ان ننتبه لنقطة مثيرة ومهمة جداً وهي أن الجسد سيتألم. بمعني أن المجتمع سيعاني من المثقف الذي يعمل على استئصال جزء قديم ملوث من ثقافته. فربما يرفض المجتمع المثقف الذي يعالجه، وربما ينفيه ويطرده خارج المجتمع. وهذا ما يحدث للأسف الشديد للمثقفين الحقيقيين في مجتمعنا والذين رفضوا أن يكونوا إمعة ورفضوا أمراض المجتمع وحاولوا علاجها.
ان المثقف ليس مضاداً للمجتمع بل هو طبيب المجتمع، فقد يلجأ الطبيب أحيانا إلى بتر أحد أطراف مريضه، ولكن لا يعني هذا انه يؤذيه بل هو في الحقيقة يعمل على إنقاذ حياته. ونحن في أمس الحاجة للمثقفين الحقيقيين وليس المثقفين المزيفين الذين يوافقون على كل شيء في المجتمع. ولكننا للأسف نرى في مجتمعنا أن المثقفين المزيفين هم الذين يحصلون على المكافآت والامتيازات وأما المثقفين الحقيقيين فهم مغمورين ومنفيين خارج المجتمع.
تم نشر المقال بجريدة الوطن الاكبر في تاريخ 12/11/2017
تم نشر المقال بجريدة الوطن الاكبر في تاريخ 12/11/2017