المسئولية الاجتماعية بين التصدق والالتزام "أوعى حد من رجال الأعمال يزعلوا مني، بالمناسبة إوعو تتصوروا أن الأجر فقط في الصلاة والصوم والحج والعمرة، تأمين حياة إنسان بسيط له أجر، اعتبر المبلغ دا صدقة جارية". هذه بعض كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي نهاية الأسبوع الماضي، خلال تدشينه لمدينة العلمين الجديدة، عندما كان يتحدث عن ضرورة مبادرة رجال الأعمال بسرعة التأمين على العمالة الموسمية والحرة خلال 15 يوما، خاصة أنهم يتعرضون لكثير من الحوادث خلال العمل. حديث الرئيس لم يتوقف عند حد مطالبة رجال الاعمال بالتأمين على العمالة لديها باعتبارها "نوع من الصدقة لوجه الله"، بل تطرق أيضا إلى إسهام مؤسسات الأعمال في مشروعات مجتمعية أخرى، موجها الدعوة إلى تفاعل رجال الأعمال بصورة إيجابية. وتفتح هذه المطالبات بابا واسعًا للحديث عن المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال في مصر، ومدى الالتزام بها، وهل تمثل المسئولية الاجتماعية التزاما مجتمعيا على رجال الأعمال، وجزءا من ثقافة متأصلة وراسخة في مجتمع الأعمال، أم أن الأمر أكثر ارتباطا بالمبادرات الفردية والرغبة في "عمل الخير" والتي تختلف من رجل اعمال إلى آخر، ومن فترة إلى أخرى. والواقع أن مفهوم "المسئولية الاجتماعية"بات أكثر رسوخا في العالم كله، ويمثل أحد أهم أوجه الشراكة المجتمعية لرجال الأعمال، فإذا كان سعى رجال الأعمال إلى تحقيق أرباح مالية هدفا مشروعا فإن ذلك يفرض فى المقابل التزامات أخلاقية تترتب عليها مسئوليات اجتماعية لا يجوز تجاهلها أو التفريط فيها. وقد عرف البنك الدولى المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال بأنها التزام أصحاب الأنشطة التجارية بالمشاركة فى التنمية المستدامة، من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم والمجتمع المحلي، لتحسين الظروف المعيشية لهذا المجتمع، بأسلوب يخدم الاقتصاد والتنمية فى آن واحد. ورغم أن مصطلح "المسئولية الاجتماعية" يبدو جديدا نسبيا في قاموس حياة المال والأعمال، لكن المعنى والممارسة أقدم كثيرا من المصطلح، حتى في مصر التي تعاني حاليا من تراجع الدور المجتمعي لرجال الأعمال، كانت شاهدة على العديد من التجارب التنموية والاجتماعية التي قادها رموز الرأسمالية الوطنية، فذلك هو الاقتصادى الكبير طلعت حرب، والذي لعب دورا مهما فى هذا المجال أسهم فى استقرار وتنمية المجتمع، كما كانت كثير من المؤسسات المصرية نتاج أعمال تطوعية خيرية، ولعل أبرز مثال على ذلك جامعة القاهرة التي نشأت كمؤسسة أهلية بتبرع من الأميرة فاطمة اسماعيل في مطلع القرن الماضي. وتتعاظم أهمية "المسئولية الاجتماعية" لرجال الأعمال فى ظل الظروف التى تمر بها مصر الآن، والسعى الجدى للخروج من الأزمة الاقتصادية والانطلاق نحو المستقبل، وبصورة تتجاوز فكرة العمل الخيري، فهناك عدد كبير من رجال الأعمال يقومون ببعض أعمال البر والإحسان للفقراء والمعوزين، لكن المسئولية الاجتماعية أكبر وأشمل من ذلك، وتتضمن كل ما من شأنه تنمية المجتمع المحلى والإسهام فى تحسين الأحوال المعيشية، وحتى يستفيد المجتمع بشكل منظم من هذا الدور، لابد من إطار يجمع كل المشاركين وخطط عمل محددة على ضوء احتياجات المجتمع توفر للمصريين كل ما يحتاجونه بعزة وكرامة. وهناك محددات عالمية للعمل المجتمعي اولها أن تبدأ المؤسسات التي تعمل في مجال المسئولية الاجتماعية من داخلها من حيث الطبيعة النوعية للموظفين وان تراعى العوامل البيئية والصحية وأن توفر التأمين الصحي للعاملين وأسرهم وكذلك مراعاة عدم الاستعانة بالاطفال في العمل. وترتبط تلك المسئولية الخيرية بما يقدمه رجال الأعمال في المجالات المختلفة من خدمات وأساليب للرعاية للفقراء والمحتاجين والمعوقين وعمل مشروعات خيرية تؤدي إلى تحسين أوضاع المجتمعات التي يمارس رجال الأعمال مهامهم وأنشطتهم فيها، بل إن ذلك يساهم في تحقيق السلام الاجتماعي والأمن القومي وتقوية أواصر العلاقات الاجتماعية بين الفئات الاجتماعية المختلفة. وللأسف يعاني مفهوم "المسئولية الاجتماعية" في المجتمع المصري يعاني خللا واضحا عند تقديم التبرعات، حيث تشهد تركيزا على التبرع لانشطة وفئات محددة مثل رعاية الايتام والصحة، لكن هناك شبه تجاهل او اهتمام محدود بانشطة أخرى عديدة لا تقل أهمية مثل رعاية المسنين والتعليم والبعثات التعليمية ومساعدة الآخرين. الأمر إذن يجب أن يخرج من خانة "الصدقة" إلى أفق الالتزام المجتمعي للشركات والأشخاص، كما أن الأمر قد يتطلب ثقافة واعية بأهمية تلك المشاركة الاجتماعية، ودورها في خدمة المجتمع والشركات على حد سواء، كما قد يتطلب نجاح هذه المسئولية مبادرات أكثر تنظيما من جانب مؤسسات الأعمال المختلفة، التي يمكنها أن تلعب دور المنظم والمنسق، حتى تحقق "المسئولية الاجتماعية" أهدافها وتسهم في تحسين صورة رجال الأعمال في المجتمع المصري، وهي مسألة جد مهمة وعظيمة. |