معركتي
بقلم/تامر سام
ولم تمضي ثواني حتى تحركا فى اتجاه القطار ، وكان الجرو الصغير يحاول أن يتبعهما، بينما كان الشاب بإستمرار يحاول أن يصرفه بعيدا، و فى النهاية استسلم الجرو و لم يعد يتبعهما و حاول أن يقترب مني، ولكني نظرا لعدم حبي الكلاب فقد عمدت إلى الاسراع بالإبتعاد عنه، و من ثم استأنفت طريقى فى إتجاه القطار ، وكانا الشبان ما يزالا يسيران أمامي و بالقرب مني ، كانا يضحكان بصوت مرتفع، و قد التقطت أذاني حديثهما، كانا يتحدثان عن ذلك الجرو فقالت المرأة ياله من جرو مسكين ، يبدو أن أمه قد تركته و ماتت وهو الأن تائه جائع ووحيد، بينما كان الشاب يرد عليها بين الفينة و الفينة، و يقول نعم وحيد مثلي، ثم ينطلق فى الضحك بينما كان يحاول أن يجذبها إليه بيده، بينما هي كانت تحاول إبعاد تلك اليد، خاصة عندما تلفتت حولها و لمحتني، ولكن ذلك الشاب كان مستمرا في المحاولة و الضحك، وكأنه لم يعبأ قط لوجود من بقربهما، ولوهلة شعرت بكره بالغ ناحيته، و بشىء من الازدراء أمام تلك التصرفات الهمجية والتي تتجاوز كل حدود الحياء، وشعرت فى قرارة نفسي بأنه لا يحترم تلك الفتاة، فلو كان يحترمها ويقدرها ما عرضها لذلك.
وما زاد أكثر من غضبي تلك السعادة الجامحة، والتي تبدو وكأنها مفتعلة ومصطنعة و كأنها غطاء كثيف يكشف خلفه ذنب عظيم، و اشتد غضبي عندما وجدت إن الطعام الذي كان بحوزتهم يحتوي على وجبات من إحدي شركات الوجبات السريعة الأمريكية الداعمة للكيان الصهيوني، وعند تلك النقطة بالذات دوى شيئا ما فى رأسي و كأن أحدهم قد أدخل به قضيب مشتعل، و اشتعل غضبي، عندما تذكرت كل المشاهد الأليمة التي شاهدتها على شاشة التلفاز بالأمس و بالأيام الماضية، و كم المعاناة التي يعانيها ذلك الشعب الفلسطيني من دمار و بؤس وشقاء.
تذكرت مشهد الأولاد الصغار الذين كانوا يلعبون مع بعضهم البعض، في الميدان بين بقايا من المنازل التي أصابها الدمار و الخراب، يحاولون بلعبهم ذلك، أن يتناسون الجوع الذي يحرق أحشائهم، و العطش الشديد الذي بالكاد كانوا يحاولون تعويضه بمزج مياه عذبة مع اخري مالحة و غير صالحة، بينما يقتسمون جميعا فتات الخبز الصلب، تذكرت العيون التي تفيض بالدموع الغزيرة و الساخنة، و المشاعر الحزينة، و إغتيال البراءة، عند كل قصف همجي و بربري لكل الضحايا، تذكرت مشهد تلك الأجسام الفتية الصغيرة و الضعيفة والتي كانت مضجرة بالدماء، و بالجراح التي تنزق بينما يعلو بكاؤهم و صراخهم الطفولي الذي يقطع نياط القلوب من الألم، تذكرت كذلك مشهد الأباء وهم يرثون أبناؤهم، بمزيج من الحزن و بقوة الإيمان، كانوا فعلا ورغم كل تلك المصائب العظيمة يمتلكون من الايمان بالله تعالي و بعدالة قضيتهم ما يجعلهم أشد قوة حتى من الجبال الرواسي، تذكرت عيون النساء وهي تفيض أنهارا من الدمع وهي توضع أطفالها الصغار، والأخرى التي تحتضن رضيعها الذي فى كفنه وهي تقبله بكل ما يمكن أن يحمل قلب المرء من مرارة و آسى، تذكرت ذلك الرجل الذي كان يحاول أن يجمع بقايا أسرته التي تحولت إلى اشلاءا متفرقة فى إحدى الأكياس، ومشاهد القصف لسيارات الاسعاف، و الأطباء الذين يهرولون هنا وهناك، ويعملون طول الوقت، و لساعات طويلة متصلة و كأنها لا تنتهي ابدا، والذين يسقطون أما من الإجهاد الشديد مُغمي عليهم، أو من اليأس وهم يحاولون إنقاذ جراح يتدفق منها الدم ولا سبيل لإنقاذه، وتذكرت عندما وجد أطباء ذويهم بين المصابين و القتلى، ومنهم من استطاع بعد هنية أن يتمالك نفسه و يضمد جراح قلبه المكلوم فى سبيل إداء واجبه لباقي الجرحي والمصابين، تذكرت كم الدمار الذي حاق بالمدارس و المستشفيات و ألسنة اللهب التي كانت تتراقص رقصات مجنونة و هي تحصد أرواح الأبرياء، والحروق العجيبة التي كانت تأتي إلي المستشفيات، و التي لا يعرف عنها الأطباء كثيرا من المعلومات و المواد التي تمكنهم من كيفية شفاؤها، فقد استخدمت جميع أنواع القذائف حتى المحرم منها، فحرقوا كثيرا من الأطفال و شوهوا أخرين و حولوا البعض إلى شواء أو أشلاء متناثرة، مشاهد بشعة لأيام لم يتسنى لي النوم خلالها و كانت تراودني فيها الكوابيس البشعة، والحزن الذي يغزو قلبي بإستمرار، و بضيق نفسي، أمام تلك الويلات، وكان يزداد غضبي و كذلك خوفي على أبنائي الصغار و أهلي من أن يلاقوا في المستقبل نفس المصير البشع.و تذكرت مقولة "تذكر إنسانيتك و أنس الباقي" لبرتراند راسل.
وكنا قد وصلنا أخيرا إلى محطة القطار و كان على وشك دخول المحطة و لم يوقظني من تلك الذكريات الأليمة إلا صوت صافرة القطار و هو يلج المحطة ، و لم ألبث أن دلفت إلى عربة القطار، ولا أدري لماذا عندما جلست وجدت نفس الشابين يجلسان أمامي متلصقين، كانت الفتاة ترتدتي الحجاب و لكن بوجه تغطيه المساحيق و ترتدي بنطال ضيق من الجينز و لباس يظهر أعظم مما يخفي، كان الشاب مفتول العضلات و كانت ملامحه تنطق بنوع من الغباوة التي لا تجدها إلا فى بعض الحيوانات كوحيد القرن و الخنزير البري، وكانا مازالا يتبادلان أطراف الحديث، ويطلقون الضحكات مرارا و تكرارا و يحاول بإستمرار الالتصاق بها و وضع يده على كتفها بينما كان يحادثها، كل ذلك كان مبعث إشمئزاز و ضيق ، ليس فقط مني بل حتي من أخرين كانوا يرتادون نفس العربة.
في البداية حاولت تحويل نظري عنهم و الاستمتاع إلى اي شىء يبعدني عن ذلك الواقع المُبتذل، و حاولت كذلك قراءة الكتاب الذي كان بين يدي، لكن استمرار دوي الضحكات فى أذني، وكل تلك الأحاديث المُبتذلة بينهما، الذي كان طوال الوقت ما يوقفني عن متابعة القراءة فلم استطع متابعة ما كنت أطالع إليه و صارت الكلمات و كأنها تتوه أمام عيني، وفقدت تماما أي قدرة لي على التركيز.
كل ذلك كان يؤلمني بشدة، كان يضغط على قلبي و يهيج أعصابي، لكني حاولت الإحتمال و تجاهل كل شىء من حولي، ولكن موقف كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، وبعدهما لم أعد أحتمل، وذلك عندما بدأ يحتسيان أحدى المشروبات الغازية التي تدعم الكيان الهمجي صراحة، يأكلان بقايا الطعام، و يأكلان رقائق البطاطس، فى تلذذ واضح، وعندما قالت الفتاة فجاءة ، يقولون أن ذلك المشروب و ذلك المطعم هو ضمن المقاطعة، لأنهم يقتلون الشعب الفلسطيني، فرد عليها الشاب ضاحكا، وهل وجبتنا تلك هي ما سوف تنقذهم؟ ثم تابع كلامه ثم أنهم هم من بدأوا تلك الحرب. وهل سنضيع تلك الخصومات و الحسوم على الوجبات من أجل لا شىء. و انطلق يتحدث عن بيع الفلسطنيين أراضيهم للإسرائيليين منذ عشرات السنين، و أنهم خونة بالفطرة، و أن ليس لهم أي حق فى أرض بعد خيانتهم لوطنهم، و إننا دفعنا الكثير من الدماء و الأموال من أجلهم و يكفي كل ما دفعناه و فقدناه و تقويض لإقتصادنا من أجل لا شىء، وعند إنتصارنا كان يجب لهم أن يحرروا أنفسهم.و إننا لسنا مدينين لهم أو لأي أحد بأي شىء، كان ينطلق بتلك الكلمات بقوة و ثقة عجيبة، بينما كانت الفتاة تنظر إليه بإعجاب كأنها تنظر إلى خطيب مفوه.
وعند ذلك الحد لم استطع أن اتمالك نفسي، فأطلقت للساني العنان، وبصوت جهير أنطلقت كلمتي مندفعة بقوة حماسية، كأنها طلقات بندقية آلية، و شرعت أحادثهما كأنني أقف على منبرا أخطب بحماسة، حديث طويل لا أنتظر ردا عليه، وكان هذا نصه:
"أعذراني لقطع حديثكما الشيق- قولت تلك الجملة برنة ساخرة ولكنهم يبدو أنهما لم يفطنا إلى ما تحويه من سخرية- وتابعت مسرعا بمجرد أن حملقا في، يترأي لي أنك ايها السيد لم تطلع بما يكفي على المعلومات التاريخية لقضية إحتلال تلك الأراضي، وكيف تمكن ذلك الكيان الصهيوني من زرع نفسه، يأتي الأمر من البداية عندما إقترح تيودور هرتزل إقامة دولة لليهود، وذلك بعد تعرض اليهود على مدار التاريخ سواء القديم و الحديث للتنكيل بهم، بداية من فرعون و بوختنصر أو نبوخذ نصر البابلي الذي أمعن في إذلالهم و سبي حتى أشرافهم و جعلهم من العبيد، و ذلك عقب نقدهم لإتفاقية عقدوها معه ، حتي العصر الحديث عندما تعرضوا للتنكيل على يد بعض القياصرة الروس، وصولا إلى قضية دريفوس التي اتهم فيها ضابط فرنسي من أصل يهودي – النقيب ألفريد دريفوس بالخيانة و بيع أسرار دولته و إرسال ملفات سرية إلى ألمانيا، في نهاية القرن التاسع عشر و ما نجم عنه من صراع اجتماعي و سياسي وقد هزت تلك القضية المجتمع الفرنسي طيلة اثنتي عشر عاما، وقسمته إلى قسمين، مؤدين و معارضين، بسبب ذلك أصبحت قضية دريفوس رمزاً للظلم في فرنسا وباسم مصلحة الوطن و كره الفرنسيين لليهود، ظلت هذه القضية هي أكبر الأمثلة التي توضح الأخطاء القضائية (الصعب إصلاحها) والدور الكبير الذي لعبته الصحف و الرأي العام، في النهاية برأته محكمة النقض، لكن هرتزل استطاع أن يتخذها ذريعة و استغلالها، و فرد لها العديد من المقالات حول أرض الميعاد و الوطن المنتظر، و قيام دولة إسرائيل، و أخذ فى الترويج لتلك الفكرة، وأنه طالما بقي اليهود في الشتات فيسظلون تحت نير التنكيل، و فعليا تلك الفكرة لم تجد لها صدى، إلا عقب قيام الحرب العالمية الثانية، و التي لعب فيها الصهاينة أكثر ألعابهم الشيطانية، حذق ومهارة ممزوجة بقذارة لانهائية متبعين المبدأ الميكيافيللي المنادي بالغاية تبرر الوسيلة، فلعبوا اللعبة المزدوجة الجهنمية، عندما أتفق بعض قادة الحركة الصهيونة في هنغاريا بالتعاون مع النازيين و التضحية بأكثر من أربعة ألاف يهودي غير صهاينة وإرسالهم إلى غرف الغاز، وكل ذلك مقابل أن ينقذ أقاربه و الشباب الصهيونى المتعصب للقضية الصهيونية و قادة الصهاينة، وكان تعاونه ذلك مع القائد النازي المعروف ادولف أيخمان، و لم يكتف بذلك بل ساعد فى منع أي حركة مقاومة لليهود ضد الجنود النازيين، فمنع عنهم السلاح، وكان يذودهم بقوائم اليهود و حتي يسهل القبض عليهم، كان يمنحهم شعار نجمة داود و هو رمز دينى ليسهل للنازيين التعرف عليهم، و تلك اللعبة كلها موجودة فى مسرحية كتبت بواسطة الكاتب البريطاني جيم ألن تحت مسمي مسرحية الهلاك – و تظهر فيها عقد محاكمة لذلك الصهيونى، وكانت كل تلك الحقائق مدعمة بالبراهين و الأدلة على حد قول الكاتب نفسه، والذي بالطبع تعرض للتنكيل وبأنه معادي للسامية، وعلى الرغم من اغلب من كان يمثل فى المسرخية من اليهود، الا انه تم التحرش بالمسرحية وإغلاقها أكثر من مرة، وتعرض حتى لوقف النشر لكن فى النهاية المطاف انتصرت العدالة و استطاع ان ينشر المسرحية كاملة غير محذوف منها اي مقطع و مثلت كذلك رغم كم الضغوط التي تعرض لها هو و طاقم العمل، وبالطبع عندما أنتهت الحرب العالمية، و انهزمت النازية، صارع الصهاينة إلى اتهام اوروبا و الغرب بعدم الوقوف جانبهم،و ذهبوا متباكين على مئات الالاف من القتلي الذين كانوا هم سببا اساسيا فى المساعدة فى قتلهم بدم بارد، نظير تحقيق مأربهم، و كان لضغوطهم سواء ايام الحرب او بعده من الثمار ما جعلهم يستقروا على إحتلال الاراضي الفلسطينبة لتكون وطنهم، بعد عن وقع الاخيتار النهائي عليها عند مفاضلتها مع الارجنتين و اثيوبا، فقد كانت هناط الذريعة اللي يمكن التعويل عليها، و الادعاء بأحقيتهم في تلك البقعة الطاهرة، وقد كان بمساعدة البريطانيين، و الذين دعموهم فى ذلك ، من خلال وعد من لا يملك لمن لا يستحق وعد بلفور، نظير الدعم الامريكي للبريطانيين الذي حصلوا عليه فى الحرب العالمية، ولكن ذلك لا ينفي الجريمة الكبرى التي ارتكبها البريطانيون فى حق كل الشعوب العربية، انصحك بالبحث عن تلك المسرحية و قرأتها.
وكذلك كان ذلك يمثل أسلوب لأنتقام الإستعمار سواء البريطاني أو الفرنسي من الدول العربية، و الحفاظ على يد قذرة لهم في المنطقة – على غرار اسلوب مسمار جحا – و ذلك كان سيؤدي في النهاية لوسيلة لقمع جماح العرب و الحيلولة دون تقدمهم، فمن خلال وجود ذلك الكيان المعادي ستسمر مصالح الغرب، وإيقاف أي تقدم أو نهضة بمكن ان يقوم بها العرب، وللأسف الشديد انطلت تلك الحيلة القذرة على الملايين من سكان المعمورة، واستطاعوا حتي عن طريق الاستعانة ببعض العرب من شراء اراضي فلسطينة، وكان الفلسطين يظن انها ستكون ذلك العربى ذو القلنسوة على رأسه، فيفجأ انه كان مجرد واجهة للأسرائيلي، هم لم يبعوا أرضهم، والا لما كانوا لليوم قائمين عليها، يقاومون و يتعرضون للقتب و التهجير و مع ذلك مستمرين فى قول كلمة لا لذلك المتغطرس الدموي الصهيونى، لو كانوا خوانة لكان ايسر عليهم أن يبعوا وطنهم مقابل حفنة من الدولارت و لصاروا اغنياء و اشتروا لهم اوطان أخري بالأامال التي كانوا سيحصلون عليها مقابل تخليهم عن أرضهم، ولكنهم أختاروا الخيار الصعب و لم يفرطوا فى أرضهم.
وهنا توقفت قليلا حتي التقط انفاسي، بينما كنت أنظر الي الشابين، كانت ترتسم على محيا الفتاة ابتسامة هى مزيج من الدهشة و البلاهة، وكأن لسان حالها يقول مالنا و كل ذلك، بينما كانت نظرات الفتي غاضبة، وكأنه شعر داخله بالإحراج لدخولى فى المناقشة و طرح تلك الأفكار و المعلومات، ويبدو أنه كان يشعر بأنني ربما قد كسرت قليلا من كبراياؤه أمام فتاته، فقال لي متحديا، أنه ليس متأكدا من تلك المعلومات التي ذكرتها له، فربما كان كلامي محض معلومات مغلوطة وليس لها اساسا من الصحة، وعند ذلك تهلل وجه الفتاة، ونظرت بيني وبين فارسها المغواؤ الذي فى نظري لما يكن اكثر من فارس بسيف خشبي على ظهر حمار، فقلت له ببساطة انه يمكن ببساطة أن يتاكد من صحة تلك المعاومات، الشبكة العالمية الانترنت متوافر بها شتي المعلومات، والمكتبات العملاقى كذلك و من يود أن يعرف الحقيقة فعليه بالبحث و التأكد، وإنكارك لعدم وجود شىء لان عيونك لا تراه فليس دليلا علي عدم وجوده، فهل تري الميكروبات و الفيروسات و الجراثيم بعيونك المجردة ، ومع ذلك لا ينفي وجودها عدم رؤيتك لها.وكذلك الجهل بمعلومة ما لا ينفي حقيقة وجودها.
ولكن يبدو أنه لم يياس بعد من محاولة جعل الامور تبدو مضحكة، فقال بلهجة ساخرة، و لكن لماذا توجه لنا ذلك الكلام وما شانك بنا و تلك المحاضرات، هل انت فيلوسوفا، واعقبها بضحكة مجلجلة، وضحكت معه الفتاة ايضا وكانها تشجعه أو تجامله، ونظر لي بتحدي، وهنا استطردت قائلا، شأني شأن كل انسان له مبدأ يدافع عن قضية ما، شأني أن اوضح لكما، أن اتهامكما لاحد بالباطل و دونما اي دليل، وليس هناك ليدافع عن نفسه، تتاخذ من مأساة شعب بحاله و تضحياتهم مادة للسخرية، و عندما حاولت أن اوضح لكما خطأ ما تذكرونه، و ليس هذا فحسب بل خطأ ما تفعلانه ، فيى البداية عندما وجدتكما تطعمان ذلك الجرو المسكين، قلت ان هناك ما زال هناك قلوب طيبة و رحيمة بالحيوان المكسين، و لكن للعجب أن حتي الطفل الفلسطين البرىء الذي لم يرتكب أي ذنب فهو عرضة للقتل و القصف و لا تأخذكم به رحمة او شفقة، بل تعتبرون أن اي كفاح لنيل الحرية هو ذنب كبير، وعقوبة يجب أن تقع على الابرياء، اقول نعم هناك ثمن للتضحية، ولكن الاستخفاف و التقليل من بل واتهام الشرفاء بتهم لا تتفق مع الواقع، وهنا قال مقاطعا و لكنهم هم الذين بدوأ في السابع من تشرين الأول بالهجوم، وبذلك اعدو من الأرهابين و فقدو تعاطف الجميع، فقلت له مدافعا اذن على نفس المقياس،إبادة الهنود الحمر ضحية الرجل الابيض الاوربي و مقاوتهم له كانت ارهاب، ومقاومة الجزائرين للفرنسين الذين قتلوا مليون شهيد كان ارهابا من جانب الجزائرين، ثورتنا على الانجليز و من قبلهم الفرنسيين كانت كذلك إرهابا، يا سيدي ان الارهاب الحقيقي هو أن تزيف الحقائق،و اكثر دول العالم اتهاما للاخرين بالأرهاب، هي فى واقع الامر أكبر دولة ارهابية، فى الحرب العالمية الثانية قتلت مئات الالاف من المدنيين اليابانيين بالقنابل الذرية، وبعد ذلك إحتفلوا بالنصر المغموس بالدماء و على جثث و أشلاء الابرياء المحترقين، ومجازرهم فى العراق و افغانستان و الصومال و فيتنام، هو اكبر براهان على انهم وهو يتشدقون بالفنون و الجمال و الديمقراطية، بأنهم اكثر الدول ارهابا و تطرفا و انهم فى ذلك لا يفرقون ابدا عن بربرية المغول و التتار الذين كانوا يفنوا كل شىء جميل و يقذوا على كل قيمة في سبيل تحقيق غايتهم الشريرة بالتحكم و السيطرة. و أخيرا بالنسبة للطعام و الشراب الذي تتناولانه الان بينما اتحدث معكم، فهذا اضعف الايمان، ربما تقول ان المقاطعة لن تؤثر على الشركات العملاقة، وهل ما اشتريه هو مكا سوف يؤثر، إذن دعني أخبرك ببعض الحقائق، أولها أنها بالفعل تؤثر و لو ان كل انسان قال لا للظلم و رفض شراء منتجات وسلع تلك الدول، سيتأثر بالتالي اقتصادها و مع الوقت سينكمش ذلك الاقتصاد و بالتالي سيقل الدعم لذلك الكيان المغتصب، واكبر دليل على تأثير تلك المقاطعة أن تلك الشركات خفضت من أسعار منتجاتها لأكثر من النصف، وذلك ليس حبا فينا، ولكن حتى تقلل خسائرها، وطالما لا أحد يشتري منتجاتها، فسوف تدلل عليها، و تحاول ما وسعها لإعادة جذب الناس لشراء تلك المنتجات – التي في رأي الشخصي رديئة و غير صحية و يمكن ايجاد بديل لها- و ثانيا ان تخلينا عن تلك المنتجات يؤدي فى النهاية لتوفير العملة من أجل منتجات أهم كالدواء مثلا و كذلك يساهم فى جعل المنتج المحلي يتقي و يشجع كل العاملين على استيراد المنتج الاجنبي إلى توجيه جل اهتمامهم و تركيزهم على دعم صناعة المنتج المحلي، فيرتقي الاقتصاد و يعلو، و اخيرا و بعيدا عن كل ذلك كمبدأ عام طالما أنني لن استطيع أن امنع الظلم عن هؤلاء الابرياء بالقوة العسكرية ، اذن فالقوة الاقتصادية و يكفي أن لا شارك حتي باي نقود فى قتل اخي، ولا أكل طعام مغموس بدماء الابرياء.
وعند ذلك الحد اقتربت من محطتي ، فاخذت حقيبتي و انطلقت لمغادرة القطار مسرعا، وبينما كنت مغادرا استمرت ضحكات الشابين و يبدو انهما لم يفهما اي كلمة من كلماتي ولم يقيما لها وزنا فاطرقت برأسي اسفا ، وقلت فى نفس للاسف لا امل ، ولكن عندما اقتربت من بوابة الخروج حيث الطريق الطويل الذي امتد امامي و قد اشرقت الشمس و اسكبت نورها على الاشجار و الازهار التي اشرئبت محاولة منها لمعانقة تلك الاشعة الذهبية، و حيث كل شىء بدا جميل مشرقا، اذ بيد تربت على كتفي، و شخصا مع عائلته يحدثني مبتسما، فقال لي انه استمع تماما لكل كلمة قلتلها للشابين ، وكم كنت رائعا فى اسلوبى و التدليل عليه و انه لا يملك هو و افراد عائلته الا أن يشكرونى على كلماتي التي عبرت عن كل ما يجيش فى انفسهم من هموم، و صافحني بحرارة ودعاني لزيارتهم قريبا، و طلب مني ان اشرح لأبنائه قضية الوطن و تاريخها،و الايجاب على تساؤلتهم، التي لم يتسني لهما الايجاب عنها، و سلمني كارته الشخصي الذي يحتوي معلومات عنه، و بعد حديثا قصيرا ودعني هو وأهله، فنظرت حولى و كان كل شىء قد اصبح مشرق بشكل جميل و شعرت بعد الانقباض و الغضب الذي غمر قلبي بشىء من الراحة تسلل إلى نفسي ، وهنا قولت ما زال هناك أمل، وسيبقي كذلك وسأتي اليوم الذي يتحرر فيه الكل من الظلم و الاستعمار و ينتهي الكابوس الصهيوني و يسود العدل و السلام كل أرجاء المعمورة. أسير في ذلك اليوم بذات الطريق، الذي إعتدت السير به، وكان الوقت صباحا باكرا و قد كثرت الشبورة و تلبدت السحب بنتف كبيرة من الثلج ، كنت بالكاد أستطيع ان أري علي ضوء مصابيح الأعمدة التي ما زلت تضىء، بنور باهت لكنه فى النهاية أفضل من لا شىء، الطريق أمامي و لكن الضباب الكثيف جعله غير واضح علي بعد بضعة أمتار مني، وبينما كنت أسير أبصرت كتل سوداء تبدو كالأشبح أمامي، فى البداية تملكني نوع من الرهبة، استمرت معي للحظات حتي استطعت عند الاقتراب من تلك الظلال أن اتبينها، كانت لرجل و أمرأة يافعين، وكان بالقرب منهما جرو صغير، كانا يطعمانه ببقايا من طعام كانا يملكانه، كان ياكل بنهم شديد، ثم ينظر اليهما و يهز ذيله القصير، و ينظر إليهما نظرة إمتنان، وكان باستمرار يقترب خصوصا من المرأة و يلثم سروالها، بينما كانت تضحك هي فى سرور، كان يبدو على الشاب بعذ الضيق و كان يلح عليها، بان تسرع حتي يلحقا بالقطار.
ولم تمضي ثواني حتى تحركا فى اتجاه القطار ، وكان الجرو الصغير يحاول ان يتبعهما، بينما كان الشاب باإستمرار يحاول أن يصرفه بعيدا، و فى النهاية استسلم الجرو و لم يعد يتبعهما و حاول أن يقترب مني، ولكني نظرا لعدم حبي الكلاب فقد عمدت إلى الاسراع بالإبتعاد عنه، و من سما استانفت طريقى فى اتجاه القطار ، وكانا الشبان ما يزالا يسيران أمامي و بالقرب مني ، كانا يضحكان بصوت مرتفع، و قد التقطت أذني حديثهما، كانا يتحدثان عن ذلك الجرو فقالت المرأة ياله من جرو مسكين ، يبدو ان امه قد تركته و ماتت وهو الأن تائه جائع ووحيد، بينما كان الشاب يرد عليها بين الفينة و الفينة، و يقول نعم وحيد مثلي، ثم ينطلق فى الضحك بينما كان يحاول، أن يجذبها إليه بيده، بينما هي كانت تحاول إبعاد تلك اليد، خاصة عندما تلفتت حولها و لمحتني، ولكن ذلك الشاب كان يدام على المحاولة و الضحك بشكل مستمر، وكأنه لم يعبأ قط لوجودي من القرب، ولوهلة شعرت بكره بالغ ناحيته، و بشىء من الاذراء أمام تلك التصرفات الهمجية والتي تتجاوز كل حدود الحياء، وشعرت فى قرارة نفسي بأنه لا يحترم تلك الفتاة، فلو كان يحترمها ويقدرها ما عرضها لذلك.
وما زاد أكثر من غضبي تلك السعادة الجامحة، والتي تبدو وكأنها مفتعلة ومصطنعة و كأنها غطاء كثيف يكشف خلفه ذنب عظيم، و اشتد غضبي عندما وجدت ان الطعام الذي كان بحوزهتم يحتوي على وجبات من أحدي الشركات الوجبات السريعة الامريكية الداعمة للكيان الصهيوني، وعند تلك النقطة بالذات دوي شيئا ما فى رأسي و كأن أحدهم قد ادخل به قضيب مشتعل، و اشتعل غضبي، عندما تذكرت كل المشاهد الأليمة التي شاهدتها على شاشة التلفاز بالأمس و بالأيام الماضية، و كم المعاناة التي بعانيها ذلك الشعب الفلسطيني من دمار و بؤس وشقاء.
تذكرت مشهد الأولاد الصغار الذين كانوا يلعبون مع بعضهم البعض،في الميدان بين بقايا من المنازل التي اصابها الدمار و الخراب، يحاولون بلعبهم ذلك، ان يتناسون الجوع الذي يحرق احشائهم، و العطش الشديد الذي بالكاد كانوا يحاولون تعويضه بمزج مياه عذببة مع اخري مالحة و غير صالحة، بينما يتقسمون جميعا فتات الخبز الصلب، تذكرت العيون التي تفيض بالدموع الغزيرة و الساخنة، و المشاعر الحزينة، و إغتيال البراءة، عند كل قصف همجي و بربري لكل الضحايا، تذكرت مشهد تلك الاجسام الفتية الصغيرة و الضعيفة والتي كانت مضجرة بالدماء، و بالجراح التي تنزق بينما يعلة بكاؤهم و صراخهم الطفولي الذي يقطع نياط القلوب من الألم، تذكرت كذلك مشهد الاباء وهم يرثون أبناؤهم، بمزيج من الحزن و بقوة الايمان، كانوا فعلا ورغم كل تلك المصائب العظيمة يمتلكون من الايمان بالله تعالي و بعدالة قضيتهم ما يجعلهم اشد قوة حتى من الجبال الرواسي، وتذكرت عيون النساء وهي تفيض انهارا من الدمع وهي توضع اطفالها الصغار، والاهري التي تحتضن رضيعها الذي احتضانته فى كفنه وهي تقبله بكل ما يمكن أن يحمل قلب المرء من مرارة و أسي، تذكرت ذلك الرجل الذي كان يحاول ان يجمع بقايا اسرته التي تحولت إلى اشلاءا متفرقة فى احدي الاكياس، ومشاهد القصف لسيارات الاسعاف، و الاطباء الذين يهرولون هنا وهناك، ويعملون طول الوقت،و لساعات طويلة متصلة و كأنها لا تنتهي ابدا، والذين يسقطون أما من الإجهاد الشديد مغمي عليهم، أو من اليأس وهم يحاولون انقاذ جراح يتدفق منها الدم ولا سبيل لأنقاذه، وتذكرت عندما وجد اطباء ذويهم بين المصابيبن و القتلي، ومنهم من استطاع بعد هنية، أن يتمالك نفسه و يضمد جراح قلبه المكلوم فى سبيل إداء واجبه لباقي الجرحي والمصابين، تذكرت كم الدمار الذي حاق بالمدارس و المستشفيات و ألسنة اللهب التي كانت تتراقص رقصات مجنونة و هي تحصد أرواح ألأبرياء، والحروق العجيبة التي كانت تأتي إلي المستشفيات، و التي لا يعرف عنها الاطباء كثيرا من المعلومات و المواد التي تمكنهم من كيفية شفاؤها، فقد أستخدمت جميع أنواع القذائف حتة المحرم منها، فحرقوا كثيرا من الأطفال و شوهوا اخرين و حوالوا البعض اليى شواء او اشلاء متناثرة، مشاهد بشعة لايام لم يتسن لي النوم خلالها و كانت تراودني فيها الكوابيس البشعة، والحزن الذي يغزو قلبي بإستمرار، و بضيق نفسي، أمام تلك الويلات، وكان يزداد غضبي و كذلك خوفي على ابنائي الصغار و أهلي من أن يلاقوا في المستقبل نفس المصير البشع.و تذكرت مقولة "تذكر إنسانيتك و أنس الباقي" لبرتراند راسل.
وكنا قد وصلنا اخيرا إلى محطة القطار و كان على وشك دخول المحطة و لم يوقظني من تلك الذكريات الأليمة الإ صوت صافرة القطار و هو يلج المحطة ، و لم ألبث أن دلفت إلى عربتة القطار، ولا أدري لماذا عندما جلست وجدت نفس الشابين يجلسان أمامي متلصقين، كانت الفتاة ترتدتي الحجاب و لكن بوجه تغطيه المساحيق و ترتدي سروال ضيق من الجينز و لباس يظهر أعظم مما يخفي، كان الشاب مفتول العضلات و كان ملامحه تنطق بنوع من الغباوة التي لا تجدها ألا فى بعض الحيوانات كوحيد القرن و الخنزير البري، وكانا مازالا يتبادلان اطراف الحديث، ويطلقون الضحكات مرارا و تكرارا و يحاول بإستمرار الالتصاق بها ووضع يده على كتفها بينما كان يحادثها، كل ذلك كان مبعث إشمئزاز و ضيق ،ليس فقط مني بل حتي من أخرين كانوا يرتادون نفس العربة.
في البداية حاولت تحويل نظري عنهم و الاستمتاع إلى اي شىء يبعدني عن ذلك الواقع المبتذل، و حاولت كذلك قراءة الكتاب الذي كان بين يدي، لكن أستمرار دوي الضحكات فى أذني، وكل تلك ألاحاديث المبتذلة بينهما، كان طوال الوقت ما يوقفني عن متابعة القراءة فلم استطع متابعة ما كنت اتطلع أليه و صارت الكلمات و كأنها تهتو أمام عيني، وفقدت تماما اي قدرة لي على التركيز.
كل ذلك كان يؤلمني بشدة، كان يضغط على قلبي و يهيج أعصابي، لكني حاولت الإحتمال و تجاهل كل شىء من حولي، ولكن موقف كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعيير، وبعدهما لم أعد أحتمل، وذلك عندما بدأ يحتسيان احدي المشروبات الغازية التي تدعم الكيان الهمجي صراحة ، يأكلان بقايا الطعام، و يأكلان رقائق البطاطس ، فى تلذذ واضح، وعندما قالت الفتاة فجاءة ، يقولون ان ذلك المشروب و ذلك المطعم هو ضمن المقاطعة، لأنهم يقتلون الشعب الفلسطيني، فرد عليها الشاب ضاحكا، وهل وجبتنا تلك هي ما سوف تنقذهم؟ ثم تابع كلامه ثم أنهم هم من بدؤا تلك الحرب. وهل سنضيع تلك الخصومات و الحسوم على الوجبات من اجل لا شىء. وانطلق يتحدث عن بيع الفلسطنين لارضيهم للاسرائلين منذ عشرات السنين، وانهم خونة بالفطرة، وان ليس لهم أي حق فى ارض بعد خيانتهم لوطنهم، وأننا دفعنا الكثير من الدماء و الاموال من اجلهم و يطفي كل ما دفعناها و فقدناه و تقويض لإقتصادنا من أجل لا شىء، وعند إنتصارنا كان يجب لهم أن يحرروا انفسهم.و أننا لسنا مدينين لهم أو لاي أحد بأي شىء، كان ينطلق بتلك الكلمات بقوة و صقة عجيبة، بينما كانت الفتاة تنظر إليه بإعجاب كأنها تنظر إلى خطيب مفوه.
وعند ذلك الحد لم استطع أن اتمالك نفسي، فأطلقت للساني العنان، وبصوت جهيرى أنطلقت كلمتي مندفعة بقوة حماسية، كأنها طلقات بندقية ألية، و شرعت أحادثهما كأنني أقف على منبرا أخطب بحماسة، حديث طويل لا أنتظر ردا عليه، وكان هذا نصه:
"أعذراني لقطع حديثكما الشيق- قولت تلك الجملة برنة ساخرة ولكنهم يبدو أنهما لم يفطنا إلي ما تحويه من سخرية- وتابعت مسرعا بمجرد أن حملقا في، يترأي لي أنك اسها السيد لم تطلع بما يكفي على المعلومات التاريخية لقضية إحتلال تلك الأراضي، وكيف تمكن ذلك الكيان الصهيوني من زرع نفسه، يأتي الأمر من البداية عندما إقترح تيودور هرتزل إقامة دولة لليهود، وذلك بعد تعرض اليهود على مدار التاريخ سواء القديم و الحديث للتنكيل بهم، سواء على بداية من فرعون و بوختنصر أو نابوخذ نصر البابلي الذي أمعن في إذلالهم و سبي حتى أشرافهم و جعلهم من العبيد، و ذلك عقب نقدهم لإتفاقية عقدوها معه ،و حتي العصر الحديث عندما تعرضوا للتنكيل على يد بعض القياصرة الروس، وصولا إلى قضية دريفوس التي اتهم فيها ضابط فرنسي من أصل يهودي – النقيب ألفريد دريفوس بالخيانة و بيع أسرار دولته و إرسال ملفات سرية إلى ألمانيا،في نهاية القرن التاسع عشر و ما نجم عنه من صراع اجتماعي و سياسي وقد هزت تلك القضية المجتمع الفرنسي طيلة اثنتي عشر عاما، وقسمته إلى قسمين، مؤدين و معارضين، بسبب ذلك أصبحت قضية دريفوس رمزاً للظلم في فرنسا فرنسا وباسم مصلحة الوطن وكره الفرنسيين لليهود تجنت عليه ظلت هذه القضية هي أكبر الأمثلة التي توضح الأخطاء القضائية (الصعب إصلاحها) والدور الكبير الذي لعبته الصحف و الرأي العام ،في النهاية برأته محكمة النقض ، و لكن هرتزل استطاع أن يتخذها ذريعة و يستغلها،وفرد لها العديد من المقالات حول أرض الميعاد و الوطن المنتظر، و قيام دولة إسرائيل، و أخذ فى الترويج لتلك الفكرة، وأنه طالما بقي اليهود في الشتات فيسظلون تحت نير اللتنكيل ،ولكن فعليا تلك الفكرة لم تجد لها صدى، إلا عقب قيام الحرب العالمية الثانية، و التي لعب فيها الصهاينة أكثر ألعابهم الشيطانية، حذق ومهارة ممزوجة بقذارة لانهائية متبعين المبدأ الميكيافيللي المنادي بالغاية تبرر الوسيلة، فلعبوا اللعبة المزدوجة الجهنمية، عندما أتفق بعض قادة الحركة الصهيونية في هنغاريا بالتعاون مع النازيين و التضحية بأكثر من أربعة ألاف يهودي غير صهاينة و إرسالهم إلى غرف الغاز، وكل ذلك مقابل أن ينقذ أقاربه و الشباب الصهيونى المتعصب للقضية الصهيونية و قادة الصهاينة، وكان تعاونه ذلك مع القائد النازي المعروف ادولف أيخمان، و لم يكتف بذلك بل ساعد فى منع أي حركة مقاومة لليهود ضد الجنود النازيين، فمنع عنهم السلاح، وكان يزودهم بقوائم اليهود و حتي يسهل القبض عليهم، كان يمنحهم شعار نجمة داود و هو رمز دينى ليسهل للنازيين التعرف عليهم، و تلك اللعبة كلها موجودة فى مسرحية كتبت بواسطة الكاتب البريطاني جيم ألن تحت مسمي مسرحية الهلاك – و تظهر فيها عقد محاكمة لذلك الصهيونى، وكانت كل تلك الحقائق مدعمة بالبراهين و الأدلة على حد قول الكاتب نفسه، والذي بالطبع تعرض للتنكيل وبأنه معادي للسامية، وعلى الرغم من أن اغلب من كان يمثل فى المسرحية هم من اليهود، الا انه تم التحرش بالمسرحية وإغلاقها أكثر من مرة، وتعرض لوقف النشر لكن فى نهاية المطاف انتصرت العدالة و استطاع ان ينشر المسرحية كاملة غير محذوف منها أي مقطع رغم كل الضغوط التي تعرض لها هو و طاقم العمل، وبالطبع عندما أنتهت الحرب العالمية الثانية، و انهزمت النازية، سارع الصهاينة إلى اتهام اوروبا و الغرب بعدم الوقوف جانبهم، و ذهبوا متباكين على مئات الآلاف من القتلي الذين كانوا هم سببا أساسيا فى المساعدة على قتلهم بدم بارد، نظير تحقيق مأربهم، كان لضغوطهم سواء أيام الحرب أو بعده من الثمار ما جعلهم يستقروا على إحتلال الأراضي الفلسطينية لتكون وطنهم، بعد أن وقع الاختيار النهائي عليها عند مفاضلتها مع الأرجنتين و أثيوبيا، فقد كانت هناك الذريعة التي يمكن التعويل عليها، و الادعاء بأحقيتهم في تلك البقعة الطاهرة، وقد كان بمساعدة البريطانيين، و الذين دعموهم فى ذلك، من خلال وعد من لا يملك لمن لا يستحق وعد بلفور، نظير الدعم الامريكي للبريطانيين الذي حصلوا عليه فى الحرب العالمية، ولكن ذلك لا ينفي الجريمة الكبرى التي ارتكبها البريطانيون فى حق كل الشعوب العربية، أنصحك بالبحث عن تلك المسرحية و قراءتها.
وكذلك كان ذلك يمثل أسلوب لأنتقام الإستعمار سواء البريطاني أو الفرنسي من الدول العربية، و الحفاظ على يد قذرة لهم في المنطقة – على غرار اسلوب مسمار جحا – و ذلك كان سيؤدي في النهاية لوسيلة لقمع جماح العرب و الحيلولة دون تقدمهم، فمن خلال وجود ذلك الكيان المعادي ستسمر مصالح الغرب، وإيقاف أي تقدم أو نهضة يمكن ان يقوم بها العرب، وللأسف الشديد انطلت تلك الحيلة القذرة على الملايين من سكان المعمورة، واستطاعوا حتي عن طريق الاستعانة ببعض العرب من شراء أراضي فلسطينية، وكان الفلسطيني يظن انها ستكون لذلك العربى ذو القلنسوة على رأسه، فيفاجأ انه كان مجرد واجهة للإسرائيلي، هم لم يبيعوا أراضيهم، و إلا لما كانوا لليوم قائمين عليها، يقاومون و يتعرضون للقتل و التهجير و مع ذلك مستمرين فى قول كلمة (لا ) لذلك المتغطرس الدموي الصهيونى، لو كانوا خونه لكان أيسر عليهم أن يبيعوا وطنهم مقابل حفنة من الدولارت و لصاروا أغنياء و اشتروا لهم أوطان أخرى بالأموال التي كانوا سيحصلون عليها مقابل تخليهم عن أرضهم، ولكنهم أختاروا الخيار الصعب و لم يفرطوا فى أرضهم.
وهنا توقفت قليلا حتي التقط انفاسي، بينما كنت أنظر إلى الشابين، كانت ترتسم على مُحيا الفتاة ابتسامة هى مزيج من الدهشة و البلاهة، وكأن لسان حالها يقول مالنا و كل ذلك، بينما كانت نظرات الفتي غاضبة، وكأنه شعر داخله بالإحراج لدخولى فى المناقشة و طرح تلك الأفكار و المعلومات، ويبدو أنه كان يشعر بأنني ربما قد كسرت قليلا من كبرياؤه أمام فتاته، فقال لي متحديا، أنه ليس متأكدا من تلك المعلومات التي ذكرتها له، فربما كان كلامي محض معلومات مغلوطة و ليس لها أساسا من الصحة، وعند ذلك تهلل وجه الفتاة، ونظرت بيني وبين فارسها المغوار الذي فى نظري لما يكن أكثر من فارس بسيف خشبي على ظهر حمار، فقلت له ببساطة انه يمكن ببساطة أن يتأكد من صحة تلك المعلومات، الشبكة العالمية الانترنت متوفر بها شتي المعلومات، والمكتبات العملاقه كذلك و من يود أن يعرف الحقيقة فعليه البحث و التأكد، وإنكارك لعدم وجود شىء لأن عيونك لا تراه فليس دليلا علي عدم وجوده، فهل ترى الميكروبات و الفيروسات و الجراثيم بعيونك المجردة، ومع ذلك لا ينفي وجودها عدم رؤيتك لها. وكذلك الجهل بمعلومة ما لا ينفي حقيقة وجودها.
ولكن يبدو أنه لم ييأس بعد من محاولة جعل الأمور تبدو مضحكة، فقال بلهجة ساخرة، و لكن لماذا توجه لنا ذلك الكلام وما شأنك بنا و تلك المحاضرات، هل أنت فيلسوفا، واعقبها بضحكة مجلجلة، وضحكت معه الفتاة أيضا وكأنها تشجعه أو تجامله، ونظر لي بتحدي، وهنا استطردت قائلا، شأني شأن كل إنسان له مبدأ يدافع عن قضية ما، شأني أن أوضح لكما، أن اتهامكما لأحد بالباطل و دونما اي دليل، وليس هناك ليدافع عن نفسه، تؤخذ من مأساة شعب و تضحياتهم مادة للسخرية، و عندما حاولت أن اوضح لكما خطأ ما تذكرونه، و ليس هذا فحسب بل خطأ ما تفعلانه ، ففي البداية عندما وجدتكما تطعمان ذلك الجرو المسكين، قلت أن هناك مازالت قلوب طيبة و رحيمة بالحيوان المكسين، و لكن للعجب أن الطفل الفلسطيني البرىء الذي لم يرتكب أي ذنب تعرض للقتل و القصف و لا تأخذكم به رحمة أو شفقة، بل تعتبرون أن أي كفاح لنيل الحرية هو ذنب كبير، وعقوبة يجب أن تقع على الأبرياء، أقول نعم هناك ثمن للتضحية، ولكن الاستخفاف و التقليل بل و اتهام الشرفاء بتهم لا تتفق مع الواقع، وهنا قال مقاطعا و لكنهم هم الذين بدأوا في السابع من تشرين الأول بالهجوم، وبذلك اعدو من الإرهابيين و فقدو تعاطف الجميع، فقلت له مدافعا إذن على نفس المقياس، إبادة الهنود الحمر ضحية الرجل الأبيض الأوربي و مقاومتهم له كانت إرهاب، ومقاومة الجزائريين للفرنسيين الذين قتلوا مليون شهيد كان ارهابا من جانب الجزائريين، ثورتنا على الإنجليز و من قبلهم الفرنسيين كانت كذلك إرهابا، يا سيدي إن الارهاب الحقيقي هو أن تزيف الحقائق، و أكثر دول العالم اتهاما للآخرين بالإرهاب، هي فى واقع الأمر أكبر دولة ارهابية، فى الحرب العالمية الثانية قتلت مئات الالاف من المدنيين اليابانيين بالقنابل الذرية، وبعد ذلك احتفلوا بالنصر المغموس بالدماء و على جثث و أشلاء الابرياء المحترقين، ومجازرهم فى العراق و افغانستان و الصومال و فيتنام، هو اكبر برهان على أنهم إرهابيين رغم أنهم يتشدقون بالفنون و الجمال و الديمقراطية، هم أكثر الدول ارهابا و تطرفا و هم فى ذلك لا يفرقون ابدا عن بربرية المغول و التتار الذين كانوا يفنوا كل شىء جميل و يدفنوا كل قيمة في سبيل تحقيق غايتهم الشريرة بالتحكم و السيطرة. و أخيرا بالنسبة للطعام و الشراب الذي تتناولانه الآن بينما أتحدث معكم، فهذا أضعف الإيمان، ربما تقول أن المقاطعة لن تؤثر على الشركات العملاقه، وهل ما اشتريه هو ما سوف يؤثر، إذن دعني أخبرك ببعض الحقائق، أولها أنها بالفعل تؤثر و لو أن كل إنسان قال لا للظلم و رفض شراء منتجات وسلع تلك الدول، سيتأثر بالتالي اقتصادها و مع الوقت سينكمش ذلك الاقتصاد و بالتالي سيقل الدعم لذلك الكيان المغتصب، وأكبر دليل على تأثير تلك المقاطعة أن تلك الشركات خفضت من أسعار منتجاتها لأكثر من النصف، وذلك ليس حبا فينا، ولكن حتى تقلل خسائرها، وطالما لا أحد يشتري منتجاتها، فسوف تدلل عليها، و تحاول ما وسعها لإعادة جذب الناس لشراء تلك المنتجات – التي في رأي الشخصي رديئة و غير صحية و يمكن ايجاد بديل لها- و ثانيا إن تخلينا عن تلك المنتجات يؤدي فى النهاية لتوفير العملة من أجل منتجات أهم كالدواء مثلا و كذلك يساهم فى جعل المنتج المحلي يرتقي و يشجع كل العاملين على استيراد المنتج الأجنبي إلى توجيه جل اهتمامهم و تركيزهم على دعم صناعة المنتج المحلي، فيرتقي الاقتصاد و يعلو، و أخيرا و بعيدا عن كل ذلك كمبدأ عام طالما أنني لن استطيع أن أمنع الظلم عن هؤلاء الأبرياء بالقوة العسكرية، اذن فالقوة الاقتصادية و يكفي أن لا أشارك بأي نقود فى قتل أخي، ولا أكل طعام مغموس بدماء الأبرياء.
وعند ذلك الحد اقتربت من محطتي ، فاخذت حقيبتي و انطلقت لمغادرة القطار مسرعا، وبينما كنت مغادرا استمرت ضحكات الشابين و يبدو أنهما لم يفهما أي كلمة من كلماتي ولم يقيما لها وزنا فاطرقت برأسي أسفا ، وقلت فى نفسي للاسف لا أمل ، ولكن عندما اقتربت من بوابة الخروج حيث الطريق الطويل الذي امتد أمامي و قد أشرقت الشمس و اسكبت نورها على الأشجار و الأزهار التي اشرئبت محاولة منها لمعانقة تلك الأشعة الذهبية، و حيث كل شىء بدى جميلا مشرقا، إذ بيد تربت على كتفي، و شخصا مع عائلته يحدثني مبتسما، فقال لي إنه استمع تماما لكل كلمة قلتها للشابين ، وكم كنت رائعا فى اسلوبى و التدليل عليه و أنه لا يملك هو و أفراد عائلته إلا أن يشكرونى على كلماتي التي عبرت عن كل ما يجيش فى أنفسهم من هموم، و صافحني بحرارة ودعاني لزيارتهم قريبا، و طلب مني أن اشرح لأبنائه قضية الوطن و تاريخها، و الايجاب على تساؤلتهم، التي لم يتسنى لهما الايجاب عنها، و سلمني بطاقته الشخصية التي تحتوي معلومات عنوانه، و بعد حديثا قصيرا ودعني هو وأهله، فنظرت حولى و كان كل شىء قد أصبح مشرق بشكل جميل و شعرت بعد الانقباض و الغضب الذي غمر قلبي بشىء من الراحة تسلل إلى نفسي ، وهنا قلت مازال هناك أمل، وسيبقي كذلك وسيأتي اليوم الذي يتحرر فيه الكل من الظلم و الاستعمار و ينتهي الكابوس الصهيوني و يسود العدل و السلام كل أرجاء المعمورة.
العزيزة منى
النص الذي ارسلته لك هو لكاتب مصري...اذا في أي تعديل من قبلكم يمكنك اخباري
تحياتي
عرض النص المقتبس
تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في مجموعة "Nasher Sahafi" في مجموعات Google.
لإلغاء الاشتراك في هذه المجموعة وإيقاف تلقي رسائل الإلكترونية منها، أرسل رسالة إلكترونية إلى NasherSahafi+unsubscribe@googlegroups.com.
لعرض هذه المناقشة على الويب، انتقل إلى https://groups.google.com/d/msgid/NasherSahafi/CAJ1YmRHO_968py168Mv23RTfuvTW2O2HxJ7ekZ%3DeJ0n3K%2Bm%2BMA%40mail.gmail.com.