الطريق الآخر لحياة أفضل الطريق الآخر لحياة أفضل
recent

آخر الأخبار

recent
الدورات التدريبية
جاري التحميل ...

المأســــــــــــــــــاة بقلم أ/ سيد صابر أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية

المأســــــــــــــــــاة




#المأساة  بقلم/ #سيد_صابر 

عندما تقترب من هدفك الكبير وفجأة يقع المحظور ولا تصل
عندما تصل الي ذروة الأمان والثقة والنجاح وفجأة تسقط
عندما تُدمَّر مدينتك بالكامل أمام عينيك وتصبح بلا بيت وبلا وطن
عندما ترى أحلامك تُسحق تحت اقدام أعدائك
عندما تُهزم هزائم متتالية
وتُظلم وتُجرح
وتُقهَر
.
عندما تحتاج بل وتشتد بك الحاجة
عندما تفقد كل قدرتك علي العطاء
وتفقد كل معنى للحياة
عندما يشتد عطشك
وترى البئر أمام عينيك وهو يُدمَّر
عندما تفقد كل شئ
ولا يبقى لديك
سوى الألم.

قد يستبعد الناس حدوث مثل هذا الأمر ربما لانهم اعتادوا ان يجدوا لكل شئ سبب موضوعي محدد
إلا ان هذا الأمر قد حدث مع #فارس_النور بدون أسباب، وبدون مقدمات، وبدون إدراك منه.

فبينما كان يبذل قصارى جهده، ويفعل أفضل ما بوسعه ليتقدم في طريقه، وفجأة حلت به كوارث عديدة كما لو ان العالم بأسره يحاربه، وهو لا يعرف لذلك سبب او علة، وظل يبحث عن السبب وراء كل هذة الكوارث التي حلت به، يحاول ان يعرف كيف حدثت هذه المأساة، لكن عقله عجز عن تفسير الأمر.

ولم يجد أمامه إلا أن يتوجّه الي الله، الي القوة العليا في هذا الكون، وبصوتٍ غاضب تملؤه الحسرة والحزن صرخ ..
لماذا تفعل كل هذا بي ؟
لماذا كل هذة القسوة ؟
لماذا تظلمني ؟
لماذا تدمّرني ؟
وما هي خطيئتي التي تعاقبني عليها ؟
ما هو ذنبي ؟
ولماذا انا بالذات دون سواى ؟

واهتز إيمانه وانتابته حالة من التشكك وعدم الإيمان، وقرر أن ينتزع الإيمان الذي يفهمه من قلبه لأن الله لم ينقذه وقرر أن يعيش بدونه. ولا شك أنه قرار صعب وخطير، ولكنه شجاع، والشجعان يباركهم الله، لأنهم حدهم الذين يتعلمون من التجربة. أما الجبناء الذين يستسلمون دائما للمصير المحتوم، ولا يقبلون التحدي، فهؤلاء ستقضي عليهم الكارثة، ولن يتقدموا أبداً بعدها، ولن يستطيعوا بناء مدينتهم مرة ثانية.
ان الله عندما يريد ان يعلّم أحداً بالتأكيد سيختار الشجعان، وليسوا الجبناء. انه إله قوي يقدّر الأقوياء.

وهكذا فأننا نجد إجابة على سؤال فارس النور ( لماذا أنا بالذات دون سواى ؟ )
لأنه شجاع.

وبعد فترة .. بعد أن نزع إيمانه من قلبه شعر وكأنه ناسياً شيئاً ما، شيئاً مهماً، أهم من المعارك التي خسرها وأهم من حياته التي دُمّرت، شيئاً لا يستطيع العيش بدونه، ويعرف أنه إذا قرر ان يتجاهل هذا الشعور فسيكون حياً ميتاً، سيكون نهراً بلا جريان ماء، سيكون بركة راكدة، جسداً بلا روح، او ستكون روحه خاويه.
فيبحث مرة أخرى، لكن هذة المرة ليس عن أسباب الكوارث التي حلّت به، بل عن هذا الشئ الذي فقدة ولم يعد يذكره، ولم يعرف أهميته إلا بعد فقدانه، يبحث ولدية احساس داخلي لا يعرف مصدره بأنه إذا وجد هذا الشئ سيجد معه كل شئ، ولكن عن ماذا يبحث وهو لم يعد يذكره؟!
لـيـس مـن الـسـهـل الـعـثـور عـلـي مـا فـقـدنـاه ولـم نـعـد نـذكـره.

وتزداد الفجوة اتساعاً وعمقاً. تزداد شدة الحاجة ولوعتها. الحاجة الي الإيمان الذي فقده وقت الكارثة ولم يعد يذكره، والحاجة الي أمل جديد كدافع للحياة بعد الآمال التي دُمّرت، والحاجة الي الحب الذي يجعل من تجربة الحياة شيئا جديراً بالعيش.

ومع الحاجة تتغير نظرة الانسان للاشياء. فما كان بلا قيمة يصبح له قيمة، وما كان بلا معنى يصبح له معنى، وهكذا حدث تغير كبير في وعيه، ومعه حدث تغير كبير في حياته. فلقد دفعه شدة الحاجة الي فعل أشياء لم يكن سيفعلها بدون الحاجة، وأصبح لديه أشياء جديدة هي وليدة الحاجة، لأنه بدون الحاجة لن يكون وجود لهذة الأشياء في حياته. وشيئا فشيئا أصبحت هذة الأشياء انجازاته العظيمة، وعندئذ تعلّم أن يحافظ علي كل ما يولد من الحاجة. وتعلّم ان كل ما يولد من الحاجة هي دائماً اشياء عظيمة.

وليس ذلك فحسب فالدمار والألم والمعاناة والحاجة والفقر والذل والقهر والخيانة والحقد والحسد وكره الاعداء وكل فخ وكل حفرة وكل كارثة وكل مأساة وكل ما قبّحه الانسان علي هذا الكوكب دائماً يعلمنا شيئا ما.

وعلّمته الحاجة الي الإيمان كيف يكون ( الإيمان الحقيقي ) ذلك الإيمان الذي يحوّل السم الي دواء، والذي إذا داوم علي تطويره وتنميته في قلبه يستطيع بفضله وحده ان يحرك السحب وان يوجه الريح وان يحرك الجبال، أما الإيمان الذي كان في قلبه فلقد اكتشف انه كان ايماناً هشاً زائفاً غير حقيقياً.

وهكذا فإن المأساة كانت سبباً في ان يتعلم الفارس الإيمان الحقيقي، وان يصبح لديه إنجازات عظيمة هي وليدة الحاجة التي نشأت نتيجةً لفقدانه كل شيء.
ولقد أصبح الفارس أكثر حكمة وعرف ان الله دمّر له مدينته لأنه يريد ان يعلّمه كيف كيف يكون البناء، وأنه اذا أراد ان يهدم مدن أعداءه فإن هذة القدرة علي الهدم تقتضي قدرة علي البناء.
ان الله لا يمنح هذة القدرة إلا لهؤلاء الفرسان الأقوياء الشجعان.

تعلّم الفارس أن الله خلقه ليكون الفارس وليس السيف، وذلك بفضل المأساة.
وتعلّم ايضاً أن كل انسان له مهمة مكلف بها علي هذة الأرض لذا فإنه عندما يترك الانسان مهمته ويذهب لينجز مهمة أخرى فإن الله يعيدة الي طريق مهمته بطرق شتى من ضمنها المأساة.

وتعلّم أن الله يختار الشجعان ليعلّمهم ويعدّهم، ليس ليكونوا أنبياء فزمن الأنبياء ولّى ولكن ليكونوا أصحاب رسالة مقدسة، وفرسان نور علي هذا الكوكب.

شكرا علي القراءة
تحياتي
سيد صابر

عن الكاتب

Unknown

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مجلتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المجلة السريع ليصلك جديد المجلة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على زر الميكروفون المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الطريق الآخر لحياة أفضل