الطريق الآخر لحياة أفضل الطريق الآخر لحياة أفضل
recent

آخر الأخبار

recent
الدورات التدريبية
جاري التحميل ...

ســـيـــنــــاء لــلـــبــيــع! – بقلم السـيد صـابر



حقاً أنها أشياء لا تباع ولا تقدّر بثمن، فلا ثمن للوطن لأنه ببساطة هو الثمن لكل شيء. أرواحنا ودمائنا وكل ما نملك. وكم دفعنا من أرواح من أجل هذا الوطن وهذه الأرض الطيبة المباركة، سيناء، أرض الفيروز. وكم من الدماء رُويت بها هذه الطرقات. إنها حقاً أشياء لا تباع، ولكن، لماذا لا نفكر في البيع ؟! 



هناك قصة ستجعلنا نفكر في البيع. تحكي عن رجل أراد أن يبيع منزله وينتقل إلي منزل أفضل، فقد كان يحلم بمنزل واسع ذو تصميم جميل وبه حديقة وحمام سباحه جميل، فذهب هذا الرجل إلى خبير تسويق وطلب منه أن يعلن عن بيع منزله، وفي اليوم التالي ذهب خبير التسويق لمعاينة المنزل وقام بكتابة إعلان البيع. ولأن مهنة التسويق تقتضي التركيزعلي المميزات، فقد قام الخبير بكتابة كل مميزات المنزل في الإعلان، ثم عرضه علي صاحب المنزل الذي كان يستمع إليه مندهشاً، حيث كان في الإعلان وصفاً مفصلاً أشاد فيه الخبير بالموقع الجميل والمساحة الكبيرة ومميزات التصميم الهندسي والحديقة الجميلة وحمام السباحة.. وإلخ، وما أن انتهى الخبير من عرض الإعلان إلا وصاح الرجل مسروراً "ياله من منزل رائع، لقد ظللت طوال عمري أحلم بإقتناء مثل هذا المنزل ولم أكن أعلم أنني أعيش فيه إلي أن سمعتك تصفه" ثم ابتسم وقال للخبير من فضلك إلغ عرض البيع.

فلماذا لا نفكر بعقلية البائع هذه في سيناء لنرى ما الذي سنكتشفه مما نملكه ولا نعرف قيمته ؟، هذا هو السؤال الذي يجب أن يُطرح في هذه الفترة التي ينظُر فيها الجميع إلي سيناء بإهتمام. وهذه هي فرصتنا التي طالما انتظرناها نحن أبناء سيناء طوال عقود مضت عانينا فيها من التهميش وعدم الإهتمام. فها هي الدولة الآن تخصص لتنمية سيناء مبالغ لم يكن يتوقعها أحد، وتضعها فوق قمة هرم الأولويات وفي بؤرة التركيز، فماذا نحن فاعلون؟، هل سنظل نشكوا متلذذين بدور الضحية المريح، أم انه آن الأوان لكي نمسك بزمام المبادرة، ونستغل الفرص ولا نضيعها ونثبت للجميع أن أبناء سيناء لديهم الكثير ليقدموه، وأن خطواتنا واسعة بما يكفي لتخطي أكبر العقبات.

إن إستكشافنا لما لدينا من إمكانات وصفات خاصة ومهارات وثقافة وبيئة وعادات وتقاليد وغيرها من الأشياء التي تتميز بها سيناء سيعزز من فاعليتنا في هذه المرحلة المهمة من تاريخها. وبينما نحن نفكر بعقلية البائع سنكتشف ما لدينا من كنوز، وفي نفس الوقت سنكتشف ما لدينا من نقاط ضعف. فلا تقلقوا لأن القوي هو من يعرف نقاط ضعفه، ولأن وعينا بعيوبنا سيحسّن من كفاءتنا. وإذا كان إكتشافنا لما لدينا سيضعنا علي أول طريق المبادرة والإمتياز، فإن أول المبادرة هو إصلاح عيوبنا. 

إن الأمر يشبه الجرد الذي يقوم به صاحب المحل كل فتره مستكشفاً أشياء لا قيمة لها مثل صناديق فارغه وغيره، وهذه الأشياء إذا تراكمت ستتسبب في ضيق المكان وستربك العاملين به. ولا شك أننا لدينا عيوب يجب أن نتحلى بالشجاعة لمواجهتها، وأول هذه العيوب هو الموروث الثقافي اللفظي مثل صفة فلان أنه "عرايشي" أو "مصري" والذي يفرّق بشكل لاواعي بين أبناء الوطن الواحد. تعجب أحد أصدقائي الذين زاروا سيناء من هذا الأمر ولم يكن يعرف أنه مجرد موروث لفظي قديم. ولا شك أنه موروث بلا قيمة ويجب أن نتخلص منه أثناء عملية الجرد هذه. ولنحتفظ فقط بما له قيمة حتى لا نجعل الأعشاب الضارة تغطي علي الكنوز الدفينة في ثقافتنا. 

ولا شك أننا بحاجة لتسويق صورة ذهنية جديده عن سيناء تجذب السيّاح والمستثمرين ليس من مصر فقط بل من كل العالم، ويجب علينا أن نتعاون بشكل إبداعي من أجل إبتكار هذه الصورة الذهنية وتسويقها، وأول خطوه لإبتكار هذه الصورة الذهنية هي أن نفكر بعقلية البائع الذي يعرف قيمة ما لديه جيداً حتي يتحدث عن بضاعته إنطلاقاً من هذه القيمة. 

وكمثال آخر علي هذه الفكرة، هناك شخص فقد قدميه في حادث وأخذ تعويضاً عنها مليون دولار. هل تريد أن تكون مكانه؟، بالتأكيد لا، مابالك إذا فكرت في بيع جسدك كله تُرى كم سيساوي؟. والآن هل توافقني الرأي في أن فكرة البيع هذه ترفع من تقديرك لنفسك وتجعلك أكثر حفاظاً علي صحتك؟، هذه هي عقلية البائع الذي أتحدث عنها ليس فقط لأنها تجعلنا نعرف قيمة ما لدينا بل لأنها تجعلنا نكتشفه أيضاً.

ومن هذا المنطلق أناشد الجميع إبتداءاً من السيد المحافظ وحتى جميع أبناء سيناء أن يعيدوا تقييمها من خلال فكرة البيع هذه، وياحبذا لو تبنى السيد المحافظ هذه الفكرة ليحفز الجميع عليها. قد يعتبرها النمطيون فكرة غريبة أو مجنونه، ولكن المبادرون والقادة الحقيقيون هم من يعرفون تأثير فكرة كهذه علي مشروع التنمية. 

بيعوا سيناء، لأن التنمية الحقيقية هي التي تبدأ بمثل هذه الأفكار التي توجه الوعي نحو التركيز علي الإمكانات والصفات قبل الهموم والمتطلبات، لأن إهمالنا لإمكاناتنا يعتبر سرقة لأنفسنا ولوطننا، ولأن اللصوص الحقيقيين هم من يسرقون أنفسهم بإهدارهم إمكاناتهم. ولا يمكن لتنمية حقيقية أن تحدث بدون تنمية للوعي الإنساني لأن الإنسان هو الذي يصنع البنيان.
[نُشر المقال في جريدة سيناء المستقبل العدد 284 مارس 2015 ص11]

عن الكاتب

Unknown

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مجلتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المجلة السريع ليصلك جديد المجلة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على زر الميكروفون المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الطريق الآخر لحياة أفضل