الإنسان قبل البنيان، والساجد قبل المساجد، والسالك قبل المسالك، هكذا يُقال دائماً في فقه الأولويات وفي تراثنا العربي والإسلامي. بمعني أن التنمية البشرية هي الأساس الذي ترتكز عليه التنمية الشاملة والمستدامة. وهذه الحقيقية كانت ولازالت المبدأ الرئيسي في أي مشروع نهضة في العالم.
ويقول الدكتورمهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق والملقب بأبو النهضة "أفضل ثروة في أي دولة هي شعبها". والعنصر البشري عموما وخصوصاً الشباب يمثل قوة حاسمة في تحديد شكل التنمية الوطنية المستدامه. فهو كنز الأمة وثروتها ورأس مالها وأهم أصولها.
والعنصر البشري في أي مجتمع هو المرآة الصادقة التي تعكس مدي الجهود التي تُبذل في هذا المجتمع ومدي تقدمه. وكذلك فإن مستوى الوعي عند الشباب والمكانة التي يشغلها في كافة المجالات، هي المعيار الحقيقي الذي يقيس الجهود التي تُبذل في المجتمع نحو النهضة.
وبالنظر إلي واقع حال الشباب في بلادنا يمكننا أن نري حجم الإهمال والتجاهل بشأن تنمية وتمكين الشباب طوال العصور السابقة. وإذا كان الإعتراف بالمرض هو أول طريق العلاج منه، فإن الإعتراف بالفشل في إدارة الأزمات الإقتصادية وفي إدارة وتنمية الموارد البشرية هو أول طريق المبادرة نحو النهضة المنشودة.
لأن التحدي ليـس فقط في حماية السـكان المعرضين للانـزلاق من جديد في دوامة الضيـق والحرمان، بل في إيجـاد بيئة مؤازرة لهم لمواصلة التقدم فـي التنمية البشـرية في العقود المقبلة(1)
وبإدراكنا لمدى التأخر في مسيرة التنمية في عصر العولمة والتنافسية والتغيرات المتسارعة، فإننا سندرك أن الطرق التقليدية لن تجدي نفعاً في تحقيق ما نتطلع إليه من تنمية، وأننا إذا لم نبتكر خطط إبداعية غير الخطط التقليدية سنكون مثل الفارس الذي يحارب بالسيف في زمن المدافع الرشاشة.
فالإبداع هو الطريق المختصر الخالي من الحُفر والأزمات نحو تحقيق التنمية الشاملة التي نتطلع إليها والتي تمكننا من إثبات جدارتنا بحضارتنا العريقة وبإرثنا الإنساني العتيق.
ولما كان الإبداع هو الخروج عن المألوف والأتيان بجديد، فإننا علينا أن نكسر أسوار المفاهيم القديمة للتربية والتعليم والتدريب والتشغيل، بمعني توسيع الوعي وتوسيع هذه المفاهيم، كأن يكسر مفهوم التعليم مثلاً أسوار المدرسة التقليدية والمناهج التقليدية والمدرسين التقليديين وحتي الهدف التقليدي من عملية التعليم ذاتها، الأمر الذي يعني خلق موجة وعي جديدة في المجتمع تتعاون فيها كافة المؤسسات الإجتماعية لا بطريقة التعاون التقليدي 1+1=2 بل بطريقة التعاون الإبداعي 1+1=10 وربما 1000 ، هذا هو التعاون الإبداعي الذي يكون فيه الكل أكبر من مجموع أجزاءه والذي سيمكننا من تحقيق النقلة النوعية المنشودة.
شكراً علي القراءة
السيد صابر
أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية
sayedosaber@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مقتطفة من تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2014 / ص4