الطريق الآخر لحياة أفضل الطريق الآخر لحياة أفضل
recent

آخر الأخبار

recent
الدورات التدريبية
جاري التحميل ...

معالم التنمية البشرية في الألفية الثالثة – بقلم/ السيد صابر

معالم التنمية البشرية في الألفية الثالثة – بقلم/ السيد صابر


لايزال مصطلح التنمية البشرية حديثاً علي ثقافتنا العربية، وهناك هالة من الغموض تلف هذا المصطلح، علي الرغم من مرور أكثر من عقدين من الزمان علي بداية تدشينة في تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الأول عام 1990، ومثل هذا الغموض طبيعي بالنظر إلى حداثة المفهوم التي لا تسمح كثيراً ببلورة تعريفات دقيقة له، وبالنظر لندرة الأدبيات التي تتناوله بالتحليل لمحاولة إكسابه إمتلاءً نظرياً وفكرياً.

وقبل أن نتوصل إلى تعريف للتنمية البشرية، يجب أن نتعرف أولاً علي مصطلح "التنمية"، لمعرفة أبعاد وخصائص عملية التنمية ذاتها.

ولقد ورد في مقدمة الإعلان العالمي عن حق التنمية الذي أعتمد ونشر في عام 1986 أن التنمية هي :"عملية إقتصادية وإجتماعية وثقافية وسياسية شاملة تستهدف التحسين المستمر لرفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم على أساس مشاركتهم النشطة والحرة والهادفة في التنمية والتوزيع العادل للفائدة الناجمة عنها". 

ويتضح من هذا التعريف أن الغاية النهائية من عملية التنمية هي تحقيق "الرفاه" لأفراد المجتمع، والرفاه في عالم السياسة هو أيضاً غاية أي نظام سياسي، بل إن شرعية بقاء أي نظام سياسي تتوقف علي مدى نجاحة في تحقيق هذه الغاية.

وأما الوسيلة لتحقيق هذه الغاية فهي "التنمية"، ومصطلح التنمية كما في التعريف السابق له ثلاث أبعاد.

الأول هو البعد الشمولي، بمعنى أن للتنمية جوانب متعددة، فهناك تنمية إقتصادية وبشرية وثقافية وسياسية وزراعية وصناعية وغيرة، وكل هذه الجوانب مترابطة يؤثر كل منها علي الآخر ويتأثر به.

والبعد الثاني هو الصيرورة أو الاستمرارية، بمعني أن الأهداف التي تحققها عملية التنمية لا تمثل نهاية لها بل تمثل بداية مرحلة جديدة في عملية التنمية، وهكذا فإن الوصول لقمة الجبل ليست النهاية، إذ أننا نكتشف قمم أخرى علينا تسلقها.

والبعد الثالث والأخير هو العنصر البشري، والذي يمثل أفراد المجتمع، الذين يشاركون في عملية التنمية فتنجح، أو لا يشاركون فيها فتتعطل وتفشل. وعلي قدر فعالية مشاركتهم تكون النتيجة.

وهنا تبرز أهمية التركيز علي العنصر البشري في عملية التنمية بصفته العنصر الفاعل فيها، وبمعنى آخر فإن التنمية البشرية هي الأساس المحوري لعملية التنمية ذاتها. 

ونستنتج مما سبق تعريفاً عاماً للتنمية البشرية أنها التطوير الشامل والمستمر للخصائص الإنسانية بهدف توسيع نطاق الخيارات المتاحة لتحقيق الرفاه والسعادة للإنسان.

والمقصود بالخصائص الإنسانية كل خصائص الإنسان بأبعاده الأربعة، الجسد والعقل والنفس والروح. حيث إن لكل منهما خصائص يمكن تطويرها. فالإهتمام بالرياضة والتعليم والثقافة والفن والدين هو عملية تنمية بشرية، كما أن الإهتمام بالإقتصاد والسياسة لإخراج أفراد المجتمع من دائرة الإحتياجات الضرورية والأزمات إلى دائرة المتطلعات والأمنيات هو أيضاً عملية تنمية البشرية.

وجدير بالذكر هنا أن نشير إلى تقرير التنمية البشرية الذي يصدر سنوياً عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ عام 1990، وهي تقارير تتضمن تحاليل مدعّمة بالوقائع وتتناول القضايا والاتجاهات والسياسيات الإنمائية، يقوم عليها مجموعة من الباحثين. وتعتبرها الجمعية العامة للأمم المتحدة "وسيلة هامة لنشر مفهوم التنمية البشرية في جميع أنحاء العالم"، وقد ساهمت هذه التقارير بشكل كبير في ترسيخ ثقافة التنمية البشرية في العالم كثقافة إنمائية تتواكب مع التغيرات المتسارعة في التطور الحضاري. حيث أن التنمية البشرية تهدف علي النطاق الواسع إلي رفع كفاءة وفاعلية الشعوب بهدف تحسين جودة الحياة وتحقيق الرخاء العالمي.

والتنمية البشرية لا تركز علي الجانب المعرفي بقدر تركيزها علي الجانب التطبيقي، إذ أننا في "مجتمع المعرفة" الحديث والذي أفرزته العولمة، لا يكون التركيز علي فكرة حيازة المعرفة فقط، بل علي تطبيقها وإنتاجها وتوظيفها توظيفاً براجماتياً في السياق الملائم لها، حيث أن المعرفة تتضاعف بشكل كبير جداً لدرجة أن البعض تنبأ بأن المعرفة سوف تتضاعف كل 73 يوم بحلول عام 2020، وأن الأفراد سوف يستخدمون (1%) من المعرفة الحالية بحلول عام 2050. مما يعني أننا انتقلنا من عصر النظريات إلي عصر المهارات.

لذلك فإن التنمية البشرية تعتمد علي ثقافة التدريب التي تجمع مابين المعرفة والمهارة والقدرة علي تغيير السلوك، وذلك من خلال ما يسمى بالممارسات أو التدريبات، وهي تطبيقات عملية يتم وضعها في برنامج تدريبي يستهدف شريحة معينة من البشر بعد دراسة إحتياجات هذه الشريحة التدريبية. وعلي سبيل الميثال يمكننا دراسة الإحتياجات التدريبية للمدرسين مثلاً لمعرفة ما هي الأشياء التي من شأنها أن تجعل منهم مدرسين أكفاء وأكثر فعالية، وبعد ذلك يتم تصميم برنامج تدريبي لإشباع هذه الإحتياجات التدريبية.

وهنا يبرز البعد الشمولي في التنمية البشرية، إذ أنها لا تنحصر في مجال محدد وإنما تشمل جميع المجالات، فيمكن تدريب الأطباء والمدرسين ومندوبي المبيعات والعاملين في الفنادق والخ .. في كل قطاعات الدولة.

كما أن مدرب التنمية البشرية يجب أن يدرب في مجال تخصصه، فالطبيب يدرب في مجال الطب والمحاسب يدرب في مجال المحاسبة ومدير الأعمال يدرب في مجال إدارة الأعمال، وهناك البائع المتمرس الذي يدرب في فن البيع والإعلامي الذي يدرب في مجال الإعلام. ولكن هذا ليس شرطاً.

إذ اننا في عصر المعرفة والتعليم المفتوح يمكن لأي شخص أن يغير مساره المهني وأن يدرس المجال الذي يحبه ويدرّب فيه.

ويمكن القول أن هناك مجالين أساسيين للتنمية البشرية، الأول يركز علي التنمية الإنسانية والإجتماعية المرتبطة بحياة الفرد، والمجال الثاني إنتاجي، يركز علي تنمية وإدارة الموارد البشرية من خلال التدريب وتوزيع الأفراد علي حسب المواهب والمهارات علي الوظائف الملائمة لهم، وتحليل سياسات الأفراد داخل الشركات بهدف تنميتها.

ومن أشهر المجالات في التنمية الإنسانية هو مجال التنمية الذاتية أو مساعدة الذات، والذي يرتكز علي أسس علم النفس الإيجابي الذي يعتبر أن الرفاه أو السعادة تتضمن أربعة مبادئ قابلة للتعلم وللقياس هي، الإنفعالات الإيجابية positive emotion ، بمعنى حسن الظن والتفاؤل والتفكير الإيجابي المستمر ، والصفات أو الخصائص الإيجابية positive character ، وتعني الإندماج والانضباط الذاتي، والعلاقات الإيجابية positive relationships ، بمعنى الحياة الإجتماعية، والمؤسسات الإيجابية positive institutions ، وتعني تحديد أهداف ورؤية ورسالة الإنسان في الحياة بحيث تكون حياته هادفة وذات معني.

ويمكن صياغة هذه المبادئ في صورة معادلة، كالتالي:
السعادة أو التنعم = إنفعالات إيجابية + إندماج + معنى + علاقات إيجابية.

كما أن التنمية الإنسانية تجمع بين كل ما أنتجته العلوم المختلفة من معرفة وتوظفها في شكل برامج تدريبية لخدمة الإنسان وتحقيق سعادته، فجمعت بين العلوم المختلفة، علم الطبيعة (الفيزيقا) وما وراء الطبيعة (الميتافيزيقا) وعلم النفس (سيكولوجي) وما وراء علم النفس (باراسيكولوجي)، وهذه المرونة جعلت أمر جديد يحدث.

حيث ان كثيرا ما أجتمعت العلوم المتقاربة مثل المنطق والرياضيات والسيكولوجي والفيسيولوجي، ولكن الجديد في هذه المرة هو إجتماع أشتات العلوم المتباعدة، والتي لم يتصور أحد من قبل أنها ستندمج يوما ما.

ان هذا حقاً لأمر جدير بالإهتمام، ولكني مضطر الآن للمرور عليه مرور الكرام، حيث إن لأول مرة في التاريخ يندمج علم اللغة المعني بالكلمات والمعاني المجردة والأمور الثقافية مع علم البيولوجيا المعني بالكيمياء الحيوية والوظائف العضوية والخلايا العصبية، في علم واحد من علوم التنمية الإنسانية هو علم "البرمجة اللغوية العصبية" الذي يهدف إلى إعادة تشكل التفكير والسلوك الإنساني.

وكثيرة هي البرامج والكتب التي أٌلفت في مجالات التنمية الإنسانية وإدارة الموارد البشرية، ولكن لا يتسع المجال هنا للحديث عنها، لذا نكتفي بهذا القدر آملين أن نكون قد وفقنا في توضيح معالم التنمية البشرية وإزالة الغموض عنها.

شكراً علي القراءة
بقلم
السيد صابر
أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية

عن الكاتب

Unknown

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مجلتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المجلة السريع ليصلك جديد المجلة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على زر الميكروفون المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الطريق الآخر لحياة أفضل