التوافق النفسي هو مصطلح شائع في علم النفس وهو مصطلح مركب وغامض إلى حد كبير ذلك لأنه يرتبط بالتصور الفلسفي النظري للطبيعة الانسانية، والذي يختلف باختلاف وجهات النظر لدى علماء النفس.
وبالرغم من أن غالبية علماء النفس ينظرون للتوافق النفسي علي أنه الخلو من الإضطرابات والصراعات النفسية والقدرة علي الإنسجام مع النفس والآخرين إلا أنه مع هذا الاجماع نجد أن لكل مدرسة ونظرية وجهة نظرها في تحديد مفهوم التوافق النفسي وعملياته وعوامله. وفيما يلي سنلقي الضوء علي الاتجاهات والمدارس المختلفة المفسرة لعملية التوافق النفسي.
مبدئياً فان المصطلح Adaptation يعني (تكيف) و Adjustment يعني (توافق) وهناك أختلافاً كبيراً بين هذه التعريفات راجعة إلى طبيعة عملية التوافق المعقدة وإلى الإطار النظري والفلسفي الذي ينطلق منه الباحثون، وهناك ثلاثة اتجاهات عند تعريف عملية التوافق وهي :
الاتجاة الأول: يعتبر أصحاب هذا الإتجاه أن التوافق النفسي هو الميل إلى إحداث التوازن النفسي بين الفرد ونفسه من جهة وبين الفرد وبيئته من جهة أخرى، ووفقاً لهذا التعريف فان الفرد المتوافق نفسياً هو الذي يحقق حاجاته ومتطلباته المادية والنفسية ضمن الثقافة التي يعيش فيها، وهو على قدر من المرونة والتشكل ضمن البيئة التي يعيش فيها. والبعض يرى أن هناك أموراً تلازم عملية التوافق الجيد مثل السعادة النفسية، لذا يعرف التوافق بأنه تحقيق السعادة مع النفس والرضا عنها وإشباع الدوافع والحاجات الأولية الفطرية والعضوية والفسيولوجية والثانوية والمكتسبة.
الإتجاه الثاني: ووفقاً لهذا الإتجاه فإن عملية التوافق تكمن في مسايرة المجتمع بما فيه من معايير وأعراف وتقاليد وعدم الخروج عليها أو الاصطدام معها، لذلك فإن الباحثون السلوكيون الذين هم من أنصار هذا الاتجاه يرون أن العمليات التوافقية مكتسبة وأن الأفراد متى ابتعدوا عن المجتمع واصبحوا أقل اهتماماً بالتلميحات الاجتماعية فإن سلوكياتهم تأخذ شكلاً شاذاً غير متوافق .
الإتجاه الثالث: أما أصحاب هذا الإتجاه يرون أن عملية التوافق عملية ذاتية الصبغة وان الشخص المتوافق هو الذي يخلو من الصراعات الداخلية الشعورية واللاشعورية ويتحلى بقدر من المرونة ويستجيب للمؤثرات الجديدة بأستجابات ملائمة وانه مشبع لحاجاته الداخلية الأولية والثانوية المكتسبة وأنه متوافق مع مطالب النمو عبر مراحل العمر المختلفة وهذا ينعكس بالطبع على بيئته التي يعيش فيها، لذا فإن الباحثون التحليليون الذين يميلون لهذا الإتجاه يرون أن الشخص المتوافق هو الشخص صاحب الأنا الفعال الذي يسيطر على كل من الهو والأنا الأعلى ويستطيع أن يوازن بين متطلبات الهو وتحذيرات الأنا الأعلى وبالتالي يستطيع الفرد أن يقوم بعملياته العقلية النفسية والاجتماعية على خير وجه .
النظريات النفسية المفسرة للتوافق النفسي: وفيما يلي عرض للنظريات النفسية المفسرة للتوافق النفسي.
أولاً / النظرية السلوكية :
إن رواد النظرية السلوكية يشيرون إلى أن التوافق النفسي هو عملية مكتسبة عن طريق التعلم والخبرات التي يمر بها الفرد وإن السلوك التوافقي يشتمل على خبرات تشير إلى كيفية الاستجابة لتحديات الحياة التي سوف تقابل التعزيز أو التدعيم .
ثانياً / نظريات التحليل النفسي :
ان عملية التوافق الشخصي كما يراها ( فرويد Freud ) غالبا ً ما تكون لا شعورية أي أن الفرد لا يعي الأسباب الحقيقية لكثير من سلوكياته ، فالشخص المتوافق هو من يستطيع إشباع المتطلبات الضرورية للهو بوسائل مقبولة اجتماعيا ً كما يرى بأن العصاب والذهان ما هما إلا عبارة عن شكل من أشكال سوء التوافق ويقرر أن السمات الأساسية للشخصية المتوافقة والمتمتعة بالصحة النفسية تتمثل في ثلاث سمات هي :
1. قوة الأنا .
2. القدرة على العمل .
3. القدر على الحب .
ثالثاً / النظريات الإنسانية :
ينظر رواد الاتجاه الإنساني إلى أن الإنسان ككائن فاعل يستطيع حل مشكلاته وتحقيق التوازن وأنه ليس عبدا ً للحتميات البايولوجية كالجنس والعدوان كما يرى فرويد أو للمثيرات الخارجية كما يرى السلوكيون الراديكاليون من أمثال (واطسن وسكنر 1993) وأن التوافق يعني كمال الفعالية وتحقيق الذات ، في حين أن سوء التوافق ينتج عن شعور الفرد بعدم القدرة وتكوين مفهوم سالبا ً عن ذاته .
ومما سبق عرضه نجد أن التوافق النفسي يعني التغلب على الإحباطات وتحقيق الأهداف وإشباع الدوافع والحاجات بطريقة يقبلها الآخرون وتقبلها العرف والقيم الاجتماعية من جانب، وتحقيق الانسجام والتوافق بين الدوافع والحاجات وانعدام الصراع النفسي من جانب آخر، فإذا تحقق ذلك أصبح الفرد متوافقا ً توافقا ً حسنا ً.
في حين إن سوء التوافق يعني عجز الفرد عن تحقيق دوافعه وإشباع حاجاته نظرا ً لضغوط اجتماعية أو عجز عن التنسيق بين هذه الدوافع أو تم إشباعها بشكل يتنافى مع القيم الاجتماعية ولا يرضى من حوله وفي هذه الحالة فإن الفرد يتعرض لاضطرابات نفسية.
بقلم أ/ سيد صابر
أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية