في إحدى ندوات التنمية الفكرية التي كان يشارك فيها عدد من الفلاسفة والمفكرين في أمريكا، تم توزيع خمسة أوراق صغيرة على كل واحد من الحاضرين وطُلب منهم أن يلخّص كل واحد فيهم حياته السابقة بالكامل في خمسة فصول وأن يكتب كل فصل منهم على ورقة من الورقات الخمسة الصغيرة التي تم إعطائها له.
One of developing mental meetings which shared by alot of phelosophes and belivers in USA. Which five papers has been given to the audiances and had ordered from every one to summarize his previous life in five chapters in one condition that to write in every paper one chapter from the five papers which have been given to them .
وفعل كل منهم ما طُلب منه وكانت من أبرز هذه المشاركات مشاركة اتسمت بالحكمة لسيدة من بين الحضور عبرت عن حياتها السابقة بشكل مختصر جداً ورائع مما جعل "وين داير" يستأذنها ليمررها إلينا، وكتبت هذه السيدة ملخصة لفصول حياتها ما يلي:
" الفصل الأول: مشيت في الشارع، وكان هناك حفرة، فوقعت، وأستغرق الأمر دهراً لكي أخرج من تلك الحفرة.
الفصل الثاني: مشيت في الشارع، وكان هناك حفرة، فوقعت، وكذلك استغرق الأمر دهراً للخروج من تلك الحفرة.
الفصل الثالث: مشيت في الشارع، وكان لايزال هناك حفرة، فوقعت، بكيت، واستغرق الأمر دهراً لكي أخرج من تلك الحفرة.
الفصل الرابع: مشيت في الشارع، ولاتزال هناك الحفرة، فوقعت، وبكيت وكذلك استغرق الأمر دهراً للخروج من تلك الحفرة.
الفصل الخامس: مشيت في شارع آخر. "
هذه السيدة تعني بقصتها الرمزية البسيطة تلك والتي لخصت فيها حياتها بالكامل أنها كانت تسير في طريق به الكثير من الأزمات (الحفرة) وكلما تجاوزت تلك الأزمات وقعت من جديد فيها لأنها ببساطة كانت تمشي علي نفس الطريق المليء بالأزمات، كانت تفكر وتتفاعل مع الحياة بنفس الطريقة التي تسببت في أزماتها، وهذا جعلها تدور في دائرة مفرغة فكلما خرجت من أزماتها وقعت فيها من جديد إلى أن اكتشفت طريق آخر مختلف عن ذلك الطريق القديم المليء بالحفر والأزمات.
الطريق الآخر هو وعي آخر وتفكير آخر، أو مستوى آخر من التفكير غير المستوى الذي اعتدنا عليه
ولا شك أننا في أمس الحاجة إلى تغيير الطريق الذي نسير فيه ذلك الطريق الممتلئ بالحفر والأزمات التي سببت لنا الكثير من الخسائر والمتاعب التي جعلتنا متأخرين جداً حتى أصبحت المسافة بيننا وبين من سبقونا في سباق التقدم كبيرة جداً، لا شك أننا في أمس الحاجة إلى طريق آخر جديد، مختلف، من اختيارنا، وليس مرسوماً لنا أو مفروضاً علينا، والطريق الآخر هو الحل، إذا كنّا فعلاً صادقين في تطلعنا للتقدم والرقي والنهضة المنشودة.
تفكير آخر ووعي آخر:
والطريق الآخر هو وعي آخر وتفكير آخر، أو مستوى آخر من التفكير غير المستوى الذي اعتدنا عليه، والذي أنتج العديد من المشكلات التي تؤرقنا. يقول أينشتاين: " لا يمكن حل المشكلة بنفس مستوى التفكير الذي خرجت منه"، ويعجبني أيضاً تعريفه للجنون عندما قال: "الجنون هو أن تفعل نفس الشيء مع توقع نتائج مختلفة".
اننا يجب أن نغير طريقتنا في التفكير أولاً لكي نتوصل إلى حلول جديدة لمشاكلنا، ولا شك في أن هناك مستويات كثيرة من التفكير، وانا أؤمن بأنها متدرجة إلى مالا نهاية، وعلينا أن نؤمن بها حتى نكون منفتحين ذهنياً على تلك المستويات الأخرى. أما ان نظل نتعامل مع المعطيات في حياتنا بمستوى واحد فقط من التفكير فذلك لا يعني إلا أمر واحد، هو أننا مسجونون فكرياً.
إن الطريق هو الأهم، لأنه هو الذي يجعل الرحلة بعيدة أو قريبة، صحيحة أو خاطئة، وإذا ضللنا الطريق قد نخسر كل شيء.
لذلك علينا أن نتحرر من ذلك السجن الفكري وأن نفتح أذهاننا على تلك المستويات الأخرى من التفكير، حتى وان تعارضت مع قيمنا ومعتقداتنا الدينية وأعرافنا الاجتماعية، وحتى ان بدت لنا خبلاً وجنوناً، فمن الطبيعي ان يحدث تعارض بين مستويات التفكير المختلفة، خصوصاً تلك المستويات العليا التي تحررنا من سجوننا الفكرية.
إيمان آخر، ومصير آخر:
اما من يخشون ان يفقدوا إيمانهم إذا هم تعرضوا لمستويات أخرى من التفكير مناقضة لآرائهم ومعتقداتهم، فإننا نقول لهؤلاء أن الإيمان الحقيقي لا يتأثر بمثل هذا الانتقال من مستوى فكري إلي مستوى آخر، بل يزداد الإيمان رسوخاً ووضوحاً كلما ارتقينا في التفكير، وأما ما عدى ذلك من إيمان فإنه يكون إيماناً هشاً ضعيفاً زائفاً غير حقيقياً، ومن الأفضل لنا أن نفقده لكي نملئ ما يتركه من فراغ بداخل أنفسنا بالإيمان الحقيقي الذي لا يتزعزع.
ان طريقة تفكيرنا تتحكم بمصيرنا وإذا استطعنا التحكم في طريقة تفكيرنا سنستطيع التحكم بالمصير، صحيح أن المصير بيد الله وأنه لا يخرج عن مشيئته الإلهية، لكن لا يعني هذا أن نتواكل علي الله حتى في اختيارنا الطريق الذي نسير فيه، لأن الله خلق لنا كم هائل جدا من الخيارات والطرق لنسير فيها وترك الاختيار لنا، ولا يصح ان نترك الاختيار لله في الوقت الذي ترك الله فيه الاختيار لنا. علينا أن نختار طريقنا وطريقة حياتنا وأن نفعل ما خلقنا الله لفعله.
إن الطريق هو الأهم، لأنه هو الذي يجعل الرحلة بعيدة أو قريبة، صحيحة أو خاطئة، وإذا ضللنا الطريق قد نخسر كل شيء. يقول الله عز وجل في قرآنه الكريم: ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (*) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ). والآية تؤكد أن علينا أن نختار طريقنا ومسعانا في الحياة حتى لا نضل سعينا، وهذا يعني أيضاً أننا نرتكب خطيئة كبيرة في حق أنفسنا عندما لا نختار طريقنا وطريقة تفكيرنا وطريقة حياتنا.
ولقد ارتكبنا بالفعل هذه الخطيئة ولا نزال نرتكبها في مجتمعنا مراراً وتكراراً، وتركنا حقنا الكامل في الاختيار حتى أصبحنا عرضة للاستغلال من كل طامع، ولن نكون مبالغين إذا قلنا اننا تم اختطافنا ذهنياً وتم وضعنا في حظائر كالقطيع لنكون غذاءً للطامعين، نعم كالقطيع، نعم كالغذاء، لأن الطامعين رسموا لنا الطريق الذي أرادوا أن نسير فيه لكي نخدم أحلامهم ولكي يتغذوا علينا ويمتصوا حياتنا بالكامل، وكل ذلك بسبب تخلينا عن أهم ما نملك وهو حقنا في اختيارنا مصيرنا.
مؤامرة وسجون فكرية:
هل هناك مؤامرة؟ نعم هناك مؤامرة، الكل يتحدث عن مؤامرة لكن لم يسبق ان احداً حدثنا عن سجوناً فكرية وعاطفية تم حبسنا فيها وعن نمط حياة تم فرضه علينا من قبل الطامعين المتآمرين، يتحدثون عن المؤامرة ولكن في كل مرة يفسرونها تفسيراً مختلفاً، وربما يحدثنا عنها المتآمرين أنفسهم لكي نظل تحت سيطرتهم خائفين مشتتين.
نعم، هناك أشرار من بين البشر لديهم مستويات أعلى من الوعي، يفكرون بأعلى مستويات التفكير، صنعوا لنا سجونا فكرية، وحبسونا في مستوى أدنى من التفكير، لاستغلالنا أبشع استغلال.
اننا مسجونون فكرياً، وإذا كنّا نريد التحرر من تلك السجون الفكرية فعلينا أن نفكّر وأن نختار، وأول ما يجب أن نفكر فيه هو طريق آخر ومستوى آخر من التفكير.
( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (*) .. قرآن كريم