اسباب تنامي الفساد محليا ودوليا وسبل مكافحته
الدكتور عادل عامر
يشهد الواقع المعاصر وعلي مختلف الاصعدة الوطنية والاقليمية والدولية تناميا سرطانيا لظاهرة الفساد , اتسع به مجاله وشاعت صوره حتي اصبح سلوكا متسما بطابع كلي الوجود , شمولي النطاق , محيطا بالنظم السياسية كافة ديمقراطية او ديكتاتورية , وبالنظم الاقتصادية علي تنوعها رأسمالية او موجهة او مخططة , متغلغلا في جميع مستويات التنمية . وقد نتجت عن اتساع دائرة الفساد وعالميته عواقب وخيمة ,
اعاقت البلدان الفقيرة بشكل او باخر خطط التنمية عن تحقيق غاياتها , وعرقلت جهود الاستثمار فيها وشوهت سياسة السوق المفتوحة , واساءت الي الاصلاحات المعززة للديمقراطية , وكادت في احيان كثيرة ان تقوض الشرعية السياسية وهي عواقب تضاعف معاناة المواطنين في هذه الدول وتؤدي الي زعزعة الاستقرار والامن في شتي مناحيه . ولا تقتصر عواقب الفساد علي الدول الفقيرة , بل تمتد بصورة اقل حدة الي البلدان الغنية , فتخفض من معدلات تحسين مستويات المعيشة , وتساعد علي تعاظم التفاوت في الدخول بفعل الاثراء غير المشروع الناتج عن صور السلوك الفاسد , وتؤدي الي زيادة النفوذ السياسي لمرتكبيه , والي اقصاء الشرفاء عن المواقع والمناصب القيادية وتقليص فرص قيام حكومات وطنية نزيهة فعالة .
وعلي المستوي الدولي , يؤدي الفساد الي تشوية التجارة الدولية والتدفقات الاستثمارية , ويسهل ارتكاب الجرائم المنظمة العابرة للحدود الاقليمية , واخصها الرشوة الدولية , والاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية , وغسل الاموال الناتجة عن صور بالغة الخطورة من الانشطة الاجرامية , وكلها اثار تهدد استقرار المجتمعات وامنها وتقوض القيم الديمقراطية والاخلاقية ,
وتعرض التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي علي مستوي العالم للإخطار قد يعجز عن مواجهتها اذا ترسخت قوي الفساد , وتجاوزت حدود السيطرة . وقد ترتب علي ما سلف جميعه ان تحول الفساد من هاجس وطني او اقليمي الي قضية سياسية عالمية ادرك العالم خطورتها وازداد قلقة وتضاعفت مخاوفة ازاء تداعياتها وعواقبها , واستقرت في يقينه الحاجة الماسة الي سياسات فعالة للتصدي لها من خلال تعاون اقليمي ودولي جاد لا يقتصر علي الحكومات , بل يمتد الي المنظمات الدولية والاقليمية , والي المجتمع المدني بمنظماته غير الحكومية ويستهدف الممارسات الفاسدة كافة آيا كانت مواقعها , ومهما كانت اوضاع ومناصب مقارفيها , فليس هناك فاصل بين فساد كبار المسئولين او صغارهم , غير ان ذيوع الفساد بين الكبار من شأنه ان يقلل فرص التعامل مع فساد الصغار بين الكبار من شأنه ان يقلل فرص التعامل مع فساد الصغار بفعالية وجدية , كما يأخذ ذلك في الاعتبار ان من عوامل ذيوع الفساد وانتشاره اتساع نطاق التكامل الاقتصادي العالمي وتعميمه وبزوغ نظام مالي دولي متشابك تقنيا , وقيام تحالفات عالمية معقدة بين الشركات , وتسامح الكثير من البلدان مع انشطة الفساد الي حد السماح في البلدان الصناعية بخصم الرشاوي المدفوعة من الشركات متعددة الجنسيات الي المسئولين في الدول النامية من الضرائب باعتبارها نفقات مشروعة لتصريف اعمالها .
اولا:- الجهود الدولية لمكافحة الفساد علي المستويين الاقليمي والدولي .
تأتي ابرز هدة المكافحة من خلال اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد التي اعتمادها في الدورة السابعة اللجنة المخصصة للتفاوض بشأنها في 1 اكتوبر 2003 وجرت مراسم توقيعها في شهر ديسمبر من العام نفسة معلنة بذلك ارادة دولية صلبة وصادقة لمناهضة شاملة للفساد والتزاما بتعديل التشريعات الوطنية وفاء بالالتزامات الدولية التي تفرضها هدة الاتفاقية بتجريم انشطة الفساد كافة وملاحقة مرتكبيها وتوقيع الجزاءات الرادعة عليهما , فضلا عن اتخاذ تدابير المنع والوقاية التي عنيت الاتفاقية ببيانها , والالتزام بالأحكام المتعلقة بالية المتابعة , علي نحو ما قررته الدول اطراف الاتفاقية . والتي اعتمدت من مجلس وزاراء الداخلية العرب في تونس في ديمسبر 2004 وتم اعتمادها من مجلسي وزاراء الداخلية والعدل العرب .
( أ ) اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية
افردت اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المادة ( 8 ) منها لتجريم الفساد , ويبين من نص هدة المادة ان الالتزام الذ فرضته علي الدول الاطراف في مجال هذا الالتزام , قد انصب اساسا علي صور السلوك المختلفة للرشوة في نطاق الموظفين العموميين والقائمين بالخدمة العمومية , بالتعريف الوارد في القوانين الداخلية للدول الاطراف , وقد شملت تلك الصور الوعد بالرشوة او عرضها او منحها لأي من هؤلاء , سواء لصالحة او لصالح شخص اخر او هيئة اخري , مقابل قيامه بفعل في نطاق ممارسته مهامه الرسمية او الامتناع عنه, وكذلك طلب الرشوة , والاشتراك في اتيان اية صورة من صور السلوك الاجرامي المشار اليها . والجدير بالإشارة اهتمام الاتفاقية في البند ( 2) من المادة المذكورة , بدعوة الدول الاطراف الي تجريم صور السلوك انفة البيان اذا ارتكابها موظف عمومي اجنبي او موظف مدني دولي , وهو ما يعد خطوة مهمة في مجال تجريم الرشوة الدولية ويلاحظ في هذا النطاق ان نص البند ( 2) من المادة ذاتها تضمن في نهايته دعوة الدول الاطراف الي النظر في تجريم اشكال الفساد الأخرى .
ولقد عبرت الاتفاقية في المادة ( 9) الخاصة بتدابير مكافحة الفساد عن المصلحة التي تتغيا الاتفاقية حمايتها بتجريم الفساد وبالتدابير الأخرى لمكافحته , والمتمثلة في تعزيز نزاهة الموظفين العموميين بمن فيهم القائمين بالخدمة العمومية, عن طريق منع فسادهم وكشف هذا الفساد عند وقوعه والمعاقبة علية , ويمتد نطاق حماية هدة المصلحة الي الهيئات الاعتبارية , التي حرصت الاتفاقية من المادة (10) علي الزام الدول الاطراف باعتماد مايلزم من تدابير لإرساء مسئولية هذه الهيئات , التي يجوز ان تكون مسئولية جنائية , عن المشاركة في جرائم الفساد , في النطاق سالف البيان .
( ب ) اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد
تكفل الفصل الثالث من اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد بصياغته التي انتهت اليها اللجنة للتفاوض في دورتها السابعة التي انتهت في 1 من اكتوبر 2003 بتناول التجريم والجزاءات , وما يتصل بهما اعتبارا من المادة ( 15 ) وما بعدها . ويبين من مراجعة احكام هدة المواد في شأن التجريم ان الاتفاقية اعتبرت من جرائم الفساد ما يلي:
- جرائم الرشوة بصورها التي اشتملت عليها اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والتي سلف بيانها ( المادتان 15و16 )
- المتاجرة بالنفوذ : ويعني وعد الموظف العمومي او اي شخص اخر بمزية غير مستحقة , او عرضها علية , او منحه اياها مقابل التحريض علي استغلاله نفوذه الفعلي او المفترض بهدف الحصول من ادارة او سلطة عمومية تابعة للدولة الطرف علي مزية غير مستحقة لصالح المحرض او لصالح اي شخص اخر او قيام الموظف او شخص اخر بطلب او قبول تلك المزية ( المادة 18 )
- قيام الموظف العمومي عمدا لصالحة او لصالح شخص او كيان اخر باختلاس او بتبديد اي ممتلكات او اموال او اوراق مالية عمومية او خصوصية او اي اشياء اخري ذات قيمة , عهد بها الية بحكم موقعه . او تسريبها بشكل اخر . ( المادة 17 )
- اساءة استغلال الموظف العمومي وظائفة او مهام منصبة باداء او عدم اداء فعل ما انتهاكا للقوانين . بغرض الحصول علي مزية غير مستحقة لصالحة , او لصالح شخص او كيان اخر . ( المادة 19 ) وهو ما يمكن ان يعتبر من قبيل التربح .
- اثراء الموظف العمومي العمدي غير المشروع , والمتمثل في زيادة ممتلكاتة زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة , قياسا الي دخلة المشروع ( المادة 20 )
- الرشوة في مجال القطاع الخاص , والتي ترتكب عمدا من المديرين للكيانات التابعة لهذا القطاع والعاملين فية مقابل الاخلال بواجباتهم . اثناء مزاولة انشطة اقتصادية او مالية او تجارية ( المادة 21)
- اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص , من المديرين والعاملين الذين يعهد بهذة الممتلكات اليهم بحكم مواقعهم المادة ( 22)
- غسل العائدات الاجرامية ( المادة 23) والجدير بالاشارة ان تجريم افعال غسل الاموال ليس غاية في حد ذاتة , وانما هو وسيلة لمكافحة جرائم الفساد الاصلية التي تنتج هذة الاموال الغير مشروعة , كما ان هذة الافعال تجرم باعتبارها جرائم مستقلة عن الجرائم الاصلية , بحيث يمكن ملاحقة الجناة فيها , حتي ان لم تصدر احكام ادانة سابقة في الجرائم الاصلية مصدر الاموال التي تجري عليها افعال الغسل . والجدير بالاشارة ان الاحكام المشار اليها في اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد قد حرصت في المادة 26 منها كألشان بالنسبة لاتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية علي تقرير مسئولية الشخصيات الاعتبارية , علي النحو السالف البيان .
( ج) الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد
من بعد اعتمادها رسميا تبين لنا ان هذة الاتفاقية سكتت عن تعريف محدد للفساد فقد تكلفت المادة الرابعة منه ببيان الافعال التي يجب ان تجرمها الدول الاطراف في تشريعاتها الوطنية كجرائم فساد , وفي بيان صنوف هذة الافعال اوردت الاتفاقية في المادة (4) مايلي :-
- كافة افعال المتاجرة بالوظائف والنفوذ في مجال الموظفين العموميين وفي نطاق الشركات المساهمة , والجمعيات التعاونية والنقابات , والمؤسسات والجمعيات المعتبرة قانونا ذات نفع عام وكذلك بالنسبة الي الموظف العمومي الاجنبي او الموظف المدني الدولي ويعتبر امتداد التجريم اليهما انفاذا للاتفاقية الامم المتحدة للجريمة المنظمة , واتساقا مع الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد .
- افعال اختلاس الممتلكات والاستيلاء عليها بغير حق . في نطاق الموظفين العموميين , وشركات المساهمة .
- افعال الاثراء غير المشروع , حيث لا يستطيع الموظف العمومي تبرير الزيادة الكبيرة في موجوداته قياسا الي دخله المشروع
- الرشوة في القطاع الخاص
- اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص
- افعال غسل العائدات الاجرامية بصورها المختلفة من تحويل الممتلكات او نقلها , او اخفاء او تمويه الطبيعة الحقيقة للممتلكات او مصدرها او مكانها او كيفية التصرف فيها او حركتها او ملكيتها او الحقوق المتعلقة بها , وكذلك اكتساب الممتلكات او حيازتها او استخدامها او ادارتها او حفظها او تبديلها او استثمارها .
- افعال اعاقة سير العدالة. قد اخذت الاتفاقية العربية كالشأن بالنسبة لاتفاقيتي الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية , ومكافحة الفساد بتقرير مسئولية الاشخاص الاعتبارية , مرددا ذات احامها ( المادة 5 ) والذي نخلص الية ان المنهج الذي اتبعته اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد في تحديد صور السلوك الجديرة بالتأثيم واعتبارها بهذه المثابة جرائم فساد تسري عليها احكام التجريم والجزاءات وغيرها من الاحكام المتعلقة بالقواعد والاجراءات المتعلقة بها . والمنصوص عليها في ذلك المشروع , هو النهج الذي نراه اولي بالاتباع , وهو المفهوم الذي تعتنقه هدة الدراسة في شأن مقومات اجهزة القضاء القادرة علي تطبيق التشريعات الجنائية موضوعية واجرائية في هذا النطاق , علي النحو الذي تتحقق به غايات هدة التشريعات في مكافحة هدة الظاهرة الخطيرة .
والامل معقود ان تثمر المجهودات التي تبذل علي مختلف الاصعدة وطنية كانت او اقليمية او دولية او بحثية , وفي سائر مناحي المكافحة عن الحد الي اقصي درجة ممكنة من ظاهرة الفساد , تجنبا لاخطاره وتلافيا لتنامية السرطاني , وذلك قبل ان تترسخ قواه , ويزداد اتساع مجاله , ويتجاوز حدود السيطرة .
المصادر:-
- اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد والتي اعتمددت في دورتها الخامسة والخمسين بتاريخ 15 نوفمبر 2000 ودخلت حيز التنفيذ في 29 سبتمبر 2003
- وثائق الامانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب تونس 11 من ديسمبر 2003
الدكتور عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
والاقتصادية والاجتماعية
ومستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي
للدراسات السياسية والإستراتيجية بفرنسا
ومستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية
والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
ومستشار تحكيم دولي وخبير في جرائم امن المعلومات
ونائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمجلس المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
-محمول:- 01224121902 –
-01002884967--- 01118984318