دور منظمات المجتمع المدني في مكافحة الارهاب
الدكتور عادل عامر
إن وجود مؤسسات ومنظمات مجتمع مدني فاعلة تسهم في توسيع قاعدة المشاركة السياسية، وتعميق مستويات الديمقراطية وتعميق المشاركة المجتمعية على أسس قانونية ومشروعة، وهذا بحد ذاته دور مهم في عملية التنشئة التي تقوم بها هذه المؤسسات في بناء مجتمع واعي سياسياً وديمقراطياً، إذ يمارس فيه كل فرد حقوقه وحرياته دون الاعتداء على الآخرين والكيان السياسي للدولة.
تعرف مؤسسات المجتمع المدني بأنها عبارة عن تنظيمات غير حكومية (أهلية) تملأ المجال العام بين الأسرة، والدولة، والسوق، وتنشأ بالإرادة الحرة الطوعية لأصحابها من أجل قضية أو مصلحة أو للتعبير عن مشاعر معينة ملتزمة بقيم التراضي والتسامح والإرادة السلمية ومستقلة عن السلطة السياسية (الحكومة)، وتقاس هذه التنظيمات بمدى استقلاليتها عن السلطة السياسية، أما تعريف البنك الدولي لمؤسسات المجتمع المدني فيشير إلى مجموعة واسعة من النطاق من المنظمات غير الحكومية (NGO) والمنظمات غير الربحية التي لها وجود في الحياة العامة، وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية. ومن أهم السمات التي تمتاز بها هذه المنظمات القدرة على التكيف، إذ إنها تمتلك القدرة القانونية والتنظيمية بشكل يمكّنها من التكيف مع المتغيرات في البيئة التي تعمل بها، كذلك الاستقلال بالرأي والقرار عن السلطة السياسية،
وهي ليست تابعة لجهة حكومية ولا تكون خاضعة لغيرها من المنظمات والمؤسسات، ناهيك عن التجانس، حيث تعمل وفق منظومة متكاملة وبرامج مدروسة وبشكل توافقي، مما لا يؤدي إلى صراعات واختلافات داخل المؤسسة. ويطرح هذا الدور لمنظمات المجتمع المدني اهمية إدراك رجال الاعمال لمسئوليتهم الاجتماعية بأن يساهموا في تقديم العون المادي الكفيل بزيادة فعالية انشطة الجمعيات الاهلية والنوادي ومراكز الشباب واذا كنا نعانى من قيام بعض الدول بتمويل الارهاب وتقديم الدعم اللوجستي له بما ادى الى اختراق المجتمع المصري سواء في سيناء او في الوادي فإن رجال الاعمال في مصر عليهم مسئولية كبرى في دعم الجمعيات الاهلية خاصة ومنظمات المجتمع المدني عامة بما يساعدها على القيام بهذا الدور المطلوب منها في خلق بيئة مناهضة للإرهاب والتطرف، بيئة عصية على اختراقها من المنظمات الارهابية او تجنيد ابنائها للعمليات الارهابية،
وبدلا من التنديد بالتمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني فإن رجال الاعمال مسئولون عن توفير البديل لهذا التمويل الأجنبي بالمساهمة الفعالة في انشطة هذه الجمعيات والمنظمات لتمكينها من القيام بمسئولياتها التي اشرنا اليها، وغير خاف ان تحمل رجال الاعمال لمسئوليتهم الاجتماعية في تحصين المجتمع ضد الارهاب والتطرف هو افضل حماية لأموالهم ومصالحهم وهو ايضا يساعد على استقرار المجتمع بما يوفر افضل الفرص لنمو النشاط الاقتصادي ويساعد على التنمية البشرية التي توفر قاعدة اجتماعية مؤهلة للعمل في القطاع الخاص كعمالة مدربة وقادرة على المساهمة في مختلف المنشآت الصناعية والزراعية والتجارية.
وعليه فإن مؤسسات المجتمع المدني متنوعة ومتعددة في أواعها وأهدافها، ومنها على سبيل المثال ما يأتي:
- النقابات المهنية على مختلف أنواعها وقطاعاتها. - النقابات العمالية. - الحركات الاجتماعية. - الجمعيات الأهلية والخيرية. - الجمعيات التعاونية. - النوادي الرياضية. - النوادي الثقافية والاجتماعية. - نوادي هيئات التدريس في الجامعات. - نقابات المعلمين. -المراكز الشبابية والاتحادات الطلابية. -الغرف الصناعية والتجارية. - جماعات رجال الأعمال. - مراكز البحوث والدراسات.
- مراكز حقوق الإنسان، والمرأة، والطفولة والبيئة والمراكز التنموية، وإلى غير ذلك من مؤسسات ومنظمات.
ويمكن النظر إلى هذه المنظمات والمؤسسات بأنها تعبير عن رسالة اجتماعية سياسية من القيم والأفكار والممارسات التطوعية والخيرية وحب البشرية والتعاضد المتبادل الهادف لبناء الأسس والبنى التحتية لمجتمع مدني متحضر يقوم على مبادئ التطوعية والاستقلال الذاتي والمواطنة الفعالة والمشاركة القائمة على التوفيق بين المصالح الخاصة المتباينة من أجل الصالح العام وقبول الاختلاف والتنوع؛ ما يقود إلى تجويد وتحسين رأس المال الاجتماعي باتجاه إعادة هيكلة البنى والبيئة الاجتماعية لصالح التعددية والعلنية والاعتدال والتسامح والتعامل السلمي. وعليه فإن منظمات المجتمع المدني تلعب دوراً فاعلاً في عمليات التنشئة الاجتماعية والسياسية، وهي إحدى الوسائل الرئيسية في هذا المجال، ويمكن لنا إيجاز الأدوار التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني في مكافحة التطرف والغلو ومن خلال ما يلي:
أولاً: تحقيق النظام والانضباط في المجتمع، إذ إن هذه المنظمات ليست تطرفية أو موجهة، والأصل فيها الحياد والحيادية في العمل والإجراءات المتعلقة بتلك المنظمات، وتشكل أداة رقابية على سلطات الحكومة وضبط سلوك الأفراد والجماعات تجاه بعضهم البعض، ومن المعروف أن كل منظمة لها جملة من القواعد (النظام الداخلي) بخصوص الحقوق والواجبات الملقاة على عاتق الفرد المنضوي تحت مظلتها كعضو فيها، وبعض المنظمات تلزم الأعضاء بالقواعد والأسس وأحياناً تكون شرطاً لقبولهم في العضوية.
ثانياً: عمليات التنشئة الاجتماعية والسياسية، حيث أن هذا الدور من أهم الأدوار التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني من القيم والمبادئ بين الأفراد الأعضاء وغير الأعضاء من خلال النشاطات المختلفة التي تقوم بها، ناهيك عن خلق القيم المثالية والانتماء والولاء والتعاون والتضامن والقدرة على تحمل المسؤولية وتنقل هذه القيم لبقية أفراد المجتمع بوسائل متعددة، وتسعى هذه المنظمات إلى تعزيز روح المبادرة بين الأفراد؛ ما يقود إلى طرح وابتكار مقترحات خلاقة تعزز بناء قدرات المجتمع بصورة كلية.
إضافة إلى قدرة هذه المؤسسات على احترام حرية الفرد والمجموعات، إذ لا يتغول عليها أحد بسبب معتقده، أو مذهبه، وهذا معيار أساسي في تكوين منظمات المجتمع المدني، حيث تعمل على حماية الفرد ومعتقده وتمثل مظلة قانونية للجميع، وهي أيضاً حامية للآخر لا مكان فيها للعنصرية، والتطرف، والغلو، ولا مكان فيها للإقصاء والتهميش للآخرين، ويضاف إلى ذلك احترام حقوق الإنسان السياسية والمدنية قولاً وفعلاً من حيث دعم وتعزيز حقوق الفرد الأساسية والسياسية والثقافية والاقتصادية بغض النظر عن جنسه، أو عرقه، أو دينه، أو معتقده السياسي، أو مذهبه، فهي تلعب دوراً أساسياً في حماية الحريات العامة وحقوق المواطنين، وبالتالي لا مجال فيها للتطرف والغلو لأن من أهم أساسياتها هو معيار الاعتدال والتوازن، وتساهم أيضاً في عملية نشر الوعي والثقافة المتوازنة المعتدلة من أجل ضمان حريات وحقوق المواطنين وإعلاء مبادئ المساواة وإرساء العدل في الواجبات، وهذا بحد ذاته يكفل للدولة والوطن مستويات عالية من الأمن والاستقرار.
ومن التحديات الأخر التي تواجهها مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الإرهابية هو خطاب الإرهاب ، الذي یطرح تساؤلات حول المبادئ والموازين التي کان هناك تصور سابق بأنها بعیدة عن نطاق التشكيك والسؤال ، ومن أوضح الأمثلة والتي شکل في الوقت ذاته أحد الهواجس في هذا المجال ، منع التعذيب ، فالشك في مسألة « منع التعذيب »أوجد شکوکا أساسية بشأن جهود الدعم التي تقوم بها المنظمات غیر الحکومیة وأوجد أيضا تحديات کبیرة لاستمرار نشاطاتها ، وإضافة إلی ذلک فإن «سياسات مواجهة الإرهاب» ترکت تأثیرات سلبیة علی مفهوم « الإختلاف في العقیدة » کمفهوم دیمقراطي ،
وقد أثرت هذه السیاسات بشکل خاص علی أداء المنظمات الأهلیة ووسائل الإعلام العامة ، بما صعب من عمل المؤسسات المدنیة وتعاملها مع الحکومات والتجمعات المحلیة ومن التحیات الأخری المرتبطة بالموارد السابقة هو القلق من مسألة کون المؤسسات المدنیة والمنظمات الأهلیة تشکل عائقا أمام الدول في مواجهة الأخیرة لظاهرة لإرهاب ، وفي مثل هذه الظروف فإن السعي لتحقیق احترام حقوق الإنسان ومراعاة القوانین باعتبارها عناصر أساسیة في إستراتیجیة فاعلة لمواجة الإرهاب تعتبر « دعما للإرهاب»،
کما تتهم المؤسات المدنیة بأنها تسعی لتحقیق أهداف جهات أجنبیة بدل اهتمامها بالمصالح الوطنیة ، وفي بعض الأحیان یجري قطع میزانیات المنظمات الأهلیة بسبب ارتباطها بالإرهابیین وعلم تلک الدولة بذلک ، لکن المسألة التي تبعث علی القلق أکثر هي تعذیب المدافعین عن حقوق الإنسان تحت شعار مواجهة الإرهاب ، وقد وصل هذا التعذیب أحیانا إلی تهدید السلامة حیاة بعض المدافعین عن حقوق الإنسان أیضا ،
لذلک یجد هؤلاء المدافعون عن حقوق الإنسان والمعرضون هم أیضا للخطر صعوبة في إیضاح الطرق والسبل الصحیحیة (لأدشخاص الذین یمیلون إلی ارتکاب أعمال عنف ) والذين وعد المجتمع الدولي بتقدیم المساعدة والدعم له ، ومن المشاکل التي تعیق الحرکة في هذا الطریق ، قیام بعض الدول ببحث جذور وأسباب الإرهاب والذي هو نتیجة بحوث قامت بها المنظمات الأهلیة ومؤسات المجتمع المدني والتي یفهم منها تقدیم تبریرات للأعمال الإرهابیة في حین أن سریة القضایا الأمنیة تزید من صعوبة الحوار الفاعل والبحث في أسباب وجذور الإرهاب ومن التحدیات الأخری التي تقف في طریق المؤسسات المدنیة في مکافحتها لإرهاب هو تطبیق القوانین التي أقرت حدیثا حول الإرهاب ، هذه القوانین التي وضعت وفقا لتعاریف فضفاضة لمصطلحات مثل « الإرهاب »و«الأصولیة» ومثل هذه التعاریف عن الإرهاب والأصولیة والتي تفتح الطریق أمام استغلال القوانین تترک آثارا مخربة علی أداء الناشطین في المؤسسات المدنیة والمنظمات الأهلیة خاصة الذین یرکزون في نشاطهم علی مکافحة الإرهاب ، ومن جانب آخر فقد فرضت بعد الدول قیودا علی نشاطات المنظمات الأهلیة ، في حین أن مثل هذه القیود لیست مفیدة بل ولیست قانونیة أیضا ، لأنها تمنع التعبیر عن الآراء السیاسیة وتجعل من أنشطة الجمعیات محفزا بالقوة لمزید من الصدمات أو حتی الممارسات الإرهابیة ، وبالنهایة تضع مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الأهلیة أمام تحدیات حقیقیة في التعامل مع الرآي العام وإمکانیة تعبئته ، من هذه التحدیات جم کبیر من السجالات الکلامیة والإشاعات والتصریحات غیر الرسمیة بشأن الإرهاب ومواجهته ،
في حین أن أغلب قطاعات المجتمع تفتقد لفهم صحیح وإمکانیة الحصول علی معلومات موثقة حول الإرهاب ومواجهته ، وهنا نجد من الضروري التأکید علی لزوم صحة المعلومات التي تقدمها المؤسسات المدنیة والمنظمات الأهلیة وفي تحسین أسالیبها لنشر هذه المعلومات ، ومن المهم أیضا تشکیل جبهة سیاسیة عریضة ودعم الإئتلافات التي تسعي لنشر قیم الدیمقراطیة وحقوق الإنسان ، یعتبر حضور ودور مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الأهلیة أمرا حیاتیا في السعي لمکافحة الإرهاب ، وذلک بسبب الدور القیم الذي تلعبه هذه المؤسسات والمنظمات في المجتمع ، ومع ذلک یجب علی الحکومات والدول أن تعمل علی مشارکة حقیقیة مع هذه المؤسسات والمظمات وأن تتجنب الإستغلال السیاسي أو الأمني للمعطیات التي تقدمها ، وبالطبع فإن المشارکة بین الحکومات ومنظمات المجتمع المدني تختلف بحسب الظروف وهي مرتبطة بالواقع السیاسی لکل بلد .
الدكتور عادل عامر
دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية
والاقتصادية والاجتماعية
ومستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي
للدراسات السياسية والإستراتيجية بفرنسا
ومستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية
والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
ومستشار تحكيم دولي وخبير في جرائم امن المعلومات
ونائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمجلس المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
-محمول:- 01224121902 –
-01002884967--- 01118984318