أسعار النفط تكتفي من الارتفاع عندما بلغ سعر برميل خام برنت حاجز الـ80 دولار هذا الشهر، بفعل الصراع الأمريكي مع إيران وفنزويلا ونجاح منظمة أوبك وأصدقائها في تحجيم الإنتاج، زادت نبرة التشاؤم في الدول المستوردة للنفط، مثل مصر. الحكومة المصرية كانت متوقعة أن يبلغ سعر البرميل في المتوسط 67 دولارًا، عند سعر دولار يساوي 17.25 جنيهًا في العام المالي 2018/ 2019. وكل زيادة في سعر برميل خام برنت بقيمة دولار واحد خلال العام، ستؤدى إلى ارتفاع قيمة دعم المواد البترولية بنحو 3 مليارات جنيه، بالإضافة إلى أن كل 10 قروش زيادة في قيمة الدولار مقابل الجنيه، تكلف الدولة نحو 2.5 مليار جنيه إضافية في فاتورة دعم المواد البترولية سنويا. وفي مايو، قبل أن تبدأ السنة المالية نفسها كان سعر الدولار 17.8 جنيه، وبلغ سعر البرميل 80 دولارًا، وهو أعلى مستوى منذ نوفمبر 2014، ما يعني عجزًا مرتفعًا في الموازنة رغم برنامج التقشف الاقتصادي العنيف الذي تنتهجه الحكومة منذ منتصف 2016. ولكن الأسبوعين الماضي والحالي شهدا تراجع واضح في أسعار النفط، حتى بلغت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت 75.09 دولار للبرميل بالأمس بانخفاض 1.35 دولار، أو ما يعادل 1.8 بالمئة بالمقارنة مع الإغلاق السابق. وبلغت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 66.22دولار للبرميل بانخفاض 1.66 دولار أو 2.5 بالمئة. وهذا نتيجة أحداث كثيرة، في البداية خرج الرئيس بوتين ليقول إن سعر النفط البالغ 60 دولارا للبرميل يناسب روسيا، وإن ارتفاع أسعار النفط يمكن أن يسبب مشكلات للمستهلكين. وروسيا تنافس المملكة العربية السعودية على لقب أكبر مصدر للبترول في العالم. وقالت مصادر إن السعودية وروسيا تناقشان زيادة إنتاج النفط من داخل منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وخارجها بنحو مليون برميل يوميا، فيما قال الأمين العام للمنظمة إن شكوى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من ارتفاع الأسعار أطلقت فكرة زيادة الإنتاج. وقال وزيرا الطاقة الروسي والسعودي إن البلدين مستعدان لتخفيف تخفيضات الإنتاج لتهدئة مخاوف المستهلكين بشأن كفاية المعروض، فيما أضاف وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أن أي تخفيف سيكون تدريجيا لتجنب إحداث صدمة في السوق. ومن شأن زيادة الإنتاج تخفيف القيود الصارمة المفروضة على الإمدادات والمستمرة منذ 17 شهرا وسط مخاوف من أن يكون ارتفاع السعر قد ذهب إلى مدى أبعد من اللازم. وقال محمد باركيندو الأمين العام لأوبك إن المنظمة بدأت مباحثات بشأن تخفيف قيود إنتاج النفط بعد تغريدة مهمة نشرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقال ترامب على تويتر الشهر الماضي إن أوبك ترفع أسعار النفط "على نحو مصطنع". واتفقت أوبك وحلفاء لها بقيادة روسيا على خفض الإنتاج بنحو 1.8 مليون برميل يوميا خلال 2018 لتقليص المخزونات العالمية، لكن فائض المخزونات في الوقت الحالي يقارب حاليا المستوى الذي تستهدفه أوبك. وفي أبريل الماضي، خفض المشاركون في الاتفاق الإنتاج بما يزيد 52 بالمئة عن المستوى المستهدف، في ظل هبوط إنتاج فنزويلا التي تواجه أزمة وهو ما ساعد أوبك على تحقيق خفض أكبر مما تستهدفه. وقالت مصادر مطلعة إنه لو زاد الإنتاج بنحو مليون برميل يوميا ستصل نسبة الامتثال بالمستوى المتفق عليه إلى 100 بالمئة. وأوبك وروسيا ستتخذان قرارا لزيادة أو تثبيت الإنتاج خلال اجتماعهما القادم في يونيو المقبل، مع الأخذ في الاعتبار تعثر فنزويلا ومخاوف استقرار إمدادات إيران، عضو أوبك. كما أثارت الصين مخاوف بشأن ما إذا كانت كميات النفط التي يتم ضخها كافية. أما على جانب النفط الصخري، ففي الوقت الذي استفادت فيه روسيا وأوبك من ارتفاع أسعار النفط، بنحو 20 بالمئة منذ نهاية العام الماضي، فإن تخفيضاتهما الطوعية للإنتاج فتحت المجال أمام منتجين آخرين، مثل قطاع النفط الصخري الأمريكي الذي يعزز الإنتاج ويكسب حصة سوقية. وتتجه كميات قياسية من صادرات النفط الخام الأمريكي إلى آسيا في الشهرين القادمين لتنتزع حصة سوقية جديدة من روسيا ومنتجي منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). ومن المنتظر أن تصدر الولايات المتحدة 2.3 مليون برميل يوميا في يونيو، من بينها 1.3 مليون برميل يوميا تتجه إلى آسيا، وتظهر بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن صادرات النفط الأمريكية بلغت ذروتها عند 2.6 مليون برميل يوميا قبل أسبوعين. تأتي الكميات القياسية الصادرة من الولايات المتحدة في الوقت الذي بلغ فيه إنتاج النفط الخام الأمريكي أعلى مستوى على الإطلاق، مما ضغط على الأسعار الأمريكية لتنخفض إلى خصم يزيد على تسعة دولارات للبرميل دون العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت، وهو أكبر فارق في أكثر من ثلاث سنوات ويفتح المجال أمام الاستفادة من فروق الأسعار. وقال مشتر للنفط في جنوب شرق آسيا "إذا استمرت أرامكو السعودية في عدم خفض الأسعار الشهر القادم وتبعتها أدنوك (شركة بترول أبوظبي الوطنية)، سنزيد مشترياتنا من الخام الأمريكي"، ما يعني مزيدًا من الضغوط في اتجاه الخفض. وهكذا فإن كل المؤشرات تقودنا لرحلة انخفاض جديدة لأسعار النفط، ما يقلل الضغط على الموازنة المصرية وموازنات الدول المستوردة للطاقة عمومًا. |