أسباب محلية للصعود العالمي لليمين المتطرف تختلف أسباب صعود اليمين المتطرف إلى سدة الحكم من دولة إلى أخرى لكن تأتي مشاكل المهاجرين وحالة الركود وضعف الاقتصاد في مقدمة هذه الأسباب. فعلى الرغم من الاقتصاد الألماني القوي ساهمت مشكلة المهاجرين صعود اليمين المتطرف بالإضافة إلى هشاشة الائتلاف الحاكم وعدم تجانسه. وأعلنت أمس المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنها ستتخلى عن رئاسة الحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الحاكم في ديسمبر المقبل ثم عدم سعيها للحفاظ على منصب المستشارية في نهاية ولايتها الرابعة والأخيرة في 2021 والابتعاد عن المناصب السياسية تماما. وتسعى ميركل لتخفيف وطأة الأزمات السياسية التي يعاني منها ائتلافها الحكومي، بعد 13 عاما من الاستقرار في سدة حكم قائدة اقتصاد أوروبا. ويعاني حزب ميركل من تباين أراء حلفائه في الائتلاف الحاكم، وهما الاتحاد المسيحي الاجتماعي (المحافظ)، والحزب الاشتراكي الديموقراطي (يسار الوسط). ووصل الأمر إلى صراعات معلنة بين ميركل ووزير الداخلية، المنتمي لحزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي. وتسبب فشل تجانس الائتلاف الحاكم في فتح المجال أمام توسع وانتشار حزب "البديل لألمانيا" اليميني المتطرف، من خلال خطاب متطرف لكنه واضح ومتجانس. وإن كان من المعتاد أن تفتح الدول المستقرة أبوابها للوافدين، وأن تلفظ الدول الواقعة في المشاكل اللاجئين، فإن الدراسات في ألمانيا أوضحت أن الألمان، بعد سنوات طويلة من قيادة الاقتصاد الأوروبي، أصبحوا يثقون أن نمو اقتصادهم هو أمر تلقائي ولا يمكن اعتباره إنجازا حكوميا، وليس من المفترض أن يغير وجهة نظرهم. أما إيطاليا فهي قائدة الخطاب الفاشي في العالم الآن. وأفلتت إيطاليا من خفض ثان لتصنيفها الائتماني خلال الأسبوع الحالي إذ اكتفت مؤسسة ستاندارد أند بورز بتخفيض النظرة المستقبلية لإيطاليا، بعد إعلان مؤسسة "موديز" خفض تصنيف البلد الأوروبي درجة واحدة. ويأتي ذلك بعد سيطرة الأحزاب اليمينية على إيطاليا مؤخرا ورفضها مسار ضغط الإنفاق المالي الذي سارت فيه البلاد لسنوات، وقررت التوسع في الإنفاق، وهو أمر خطير في دولة تبلغ ديونها 130% من ناتجها. ويتوجه قادة إيطاليا بخطاب غير منطقي من الناحية الاقتصادية للجماهير الإيطالية، عن قدرة ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي على النمو دون الحاجة لأحد، ودون احترام أحد. وبعد سنوات من فشل الاتحاد الأوروبي في إخراج الإيطاليين من دائرة الفقر انخفضت شعبية الاتحاد لأدنى مستوياتها بين المواطنين، وأصبح من الطبيعي أن يسود خطاب استقلال القرار الإيطالي ورفض الهيمنة الأوروبية، خاصة الألمانية الفرنسية. ووصل الأمر لذروته عندما قام نائب عن حزب "الرابطة" الإيطالي اليميني المشارك في حكم إيطاليا بدهس ملاحظات المفوض الأوروبي على ميزانية بلاده بحذائه في البرلمان الأوروبي يوم الجمعة الماضي. وصرح نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني الأسبوع الماضي إن إيطاليا لن تطلب من أي شريك أجنبي شراء ديونها السيادية لتجنب أزمة مالية محتملة، وهو أمر يصعب تحقيقه، كما تعهدت الحكومة بتقليل الديون رغم زيادة العجز، وهو أمر يتطلب معدلات نمو مرتفعة يصعب تحقيقها أيضا، ولكن المهم الاستمرار في حشد الجماهير عبر خطاب شعبوي. وفي البرازيل كانت قوة شخصية المرشح اليميني هي أساس المعركة في مواجهة ضعف ممثل اليسار. فالرئيس البرازيلي المُنتخب المنتمي لليمين المتشدد، جايير بولسونارو، ضابط جيش سابق، ونجا من تهم الفساد، ويتعهد بمواجهة الجريمة، بينما كان منافسه فرناندو حداد، المنتمي لحزب العمال اليساري الذي يواجه رفضا شعبيا بسبب أسوأ ركود وأكبر فضيحة فساد ورشوة تشهدها البلاد، ضعيف الشخصية. وقرر حداد خوض الانتخابات قبل شهر واحد من بدايتها، بدلا من لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الرئيس السابق ومؤسس حزب العمال المسجون حاليا، وهو ما أضعف فرص نجاحه. وهكذا تتعدد الظروف لنصل إلى نتيجة واحدة وهي صعود اليمين المتطرف إلى أهم مراكز ثقل الديموقراطية في العالم. |