أبو حامد الغزالي
الطوسي الأشعري الصوفي حجة الإسلام ومجدده الأول بلا منازع المولود بقرية طوس من أعمال خرسان سنة ٤٥٠ هجريا والمتوفي سنة ٥٠٥ هجريا. .
= هل هو انتهازياً فقيه سلطه سخر فكره لتبرير سياسات حكام طغاه ؟
= هل استخدم علمه لحض السلطة علي البطش بمفكري القوي المعارضة للاستبداد من خلال تحريض العوام ضدهم باعتبارهم زنادقة ملحدين ؟
= هل تسبب الغزالي في دخول الفكر الإسلامي في عصره وما تلاه طور الانحطاط ؟
انقسم الدارسون والواقفون على شخصية أبو حامد الغزالي بالدراسة والتحليل إلى فريقين موائد ومعارض وعندي أن شخصيته مثل عامة البشر له ما له وعليه ما عليه.
وحتي ينتفع القارئ بهذا المقال ويحقق جدواه فلا بد من اتباع المنهج التاريخي في دراسة الشخصية حتي نستطيع الوقوف على العوامل التي شكلت فكره والاشكاليات التي تواجدت في عصره .
فما الإنتاج العلمي والادبي إلا نبت طبيعي لظروف المجتمع .
لذلك نقف علي الموضوع بالتحليل من عدة جوانب.
أولا : الناحية السياسية
انقسمت الأمة الإسلامية إلى شيع وطوائف متعدة كانت كالتالي
- دولة السلاجقة في الشرق وهم مجموعة من البدو استطاعوا إقامة إمبراطورية كبيرة متخذين نظام الاقطاع العسكري الذي اسسه نظام الملك معتقدين في مذهب أهل السنة والجماعة .
- دولة المرابطين في الغرب استطاعوا إقامة إمبراطورية مماثلة تم انتزاعها من الدولة العباسية متضمنه حدود المغرب والاندلس. منفتحين علي الثقافة الوافدة وعلي رأسها اليونانية مما أدي إلي أنتشار الفكر الفلسفي الذي كان له أبلغ الأثر علي فكر العوام .
- الدولة الفاطمية في مصر والشام والتي تراودها حلم اسقاط الخلافة العباسية في بغداد. متخذ المذهب الشيعي الاسملعيلي فكراً ومعتقداً .
- تعرض الشرق الإسلامي للحملات الصلبية بعد ضعف الخلافة الإسلامية والسلطنة السلجوقية. والتي عملت علي الهجوم علي الاسلام فكرياً وتفاقم خطر حركة الاسترداد " النصرانية " في الاندلس
ثانياً : من الناحية الدينية.
- يعمل أبيه في صناعة الغزل وهو رجل بسيط مات عنه في سن مبكر تارك إياه وأخيه أحمدعند صديق له فتعهدهما بالرعاية والعلم حفظا القرآن الكريم ثم ارتحل إلي جرجان ثم إلي نيسابور حيث أمام الحرمين " ضياء الدين الجويني " رئيس المدرسة النظاميو إذ ذاك درس في رعايته الفقه والأصول والمنطق وعلم الكلام حتي مات عنه استاذه فارتحل إلي المعسكر حيث عمل مدرساً بالمدرسة النظامية ببغداد ذيعت شهرته حتي أنه كان يجلس تحت قدميه لأخذ العلم عنه ثلثمائة عمامة من أكابر العلماء .
ــ درس المذهب الحنفي ثم تحول إلي المذهب الشافعي ظهر ذلك في كتابه " المستصفي " .
ــ درس الفرق الاسلامية والعقيدة واعتنق المذهب الاشعري .
ثالثاً : من الناحية الفكرية .
مرت حياة الغزالي الفكرية بثلاث مراحل
1ـ فتره ما قبل الشك .
2ـ فترة الشك بقسميه.
3ـ فترة ما بعد الشك ( الاهتداء والطمانينة )
رابعاً الحياة الأسرية والعائلية .
من الملاحظ أن الغزالى ذاق مرارة اليتم صغيرا وقد أودعه صديق أبيه في إحدي المدارس التي تقوم علي تعليم الطلاب وتربيتهم مما يجعلنا نقول أنه أفتقد الجو الأسري الذي ينشأ فيه الانسان العادي وقد كان لهذه النقطة أبلغ الاثر إذ عُولجت بطريقة إيجابية حيث الانكباب علي طلب العلم وحب الخلوه مما مهد إلي دخوله في عالم المتصوفه كما سنذكر .
أما عن الحياة العائلية فقد تزوج وأنجب ابنه حامد والذي وافته المنيه صغيراً .
مما سبق نستطيع أن نفند بشئ من الموضوعية الإشكاليات التي طرحها معارضيه وهي كالتالي :
= هل هو انتهازياً فقيه سلطه سخر فكره لتبرير سياسات حكام طغاه ؟
الجواب : لا
لأنه اتبع نظام الملك ومن هنا أثيرته حوله هذه الشبه والحقيقة أن نظام الملك تصدي للدفاع عن مذهب أهل السنة الجماعة ضد الخطر الفاطمي فأسس ما عرف بالمدرسة النظامية واستدعي الغزالى للتدريس بها مما جعله يجند عقله وقلمه ولسانه ومعارفه الدينية لخدمة أمور قالوا أنها سياسية لذلك ألف كتابه فضائح الباطنية والذي أوقف المدي الشيعي نسبياً .
= هل استخدم علمه لحض السلطة علي البطش بمفكري القوي المعارضة للاستبداد من خلال تحريض العوام ضدهم باعتبارهم زنادقة ملحدين ؟
الجواب : لا
استخدم علمه للتصدي للفرق الاسلامية من خلال تفنيد أراء الشيعة الإسماعلية والمعتزلة والكرامية والذي كان له الأثر القوي في تقوية شوكة أهل السنة والجماعة .
= هل تسبب الغزالي في دخول الفكر الإسلامي في عصره وما تلاه طور الانحطاط ؟
الحقيقة أن الغزالى تحامل علي الفلسفة والفلاسفة من خلال كتابه تهافت الفلاسفة باعتبار أن الفلسفة علماً قوامه التفكير العقلاني وإعمال العقل كما أنها تجمع في كل مباحثها كافة العلوم الطبيعية فضلاً عن الطب والرياضيات مما أدي إلي إثارة الحاكم والعوام ضد العلماء والفقهاء المبدعين بدعوى كونهم " أهل بدع وضلالات " فجرى إحراق مؤلفاتهم وقتل بعضهم وسجن البعض الاخر أما من تاب من باب التقية فقد حُرم تولي المناصب الرسمية .
من هنا نجد الغزالي يعتذر عن هذه المرحلة وأنها لأخلاق العلماءعلى الحقيقة وخاصة بعد مروره برحلة الشك بطوريها الأول وسمي بالشك الخفيف ثم الشك العنيف والذي جعله يخلع الدنيا وما فيها وما وصل إليه من شهرة ومجد منتقلاً من بغداد إلي الشام ثم الحجاز ثم مصر علي مدار تسع أعوام يهرب بنفسه من الناس جارياً وراء الخلوة مطبقاً نصائح الصوفية في ( قطع علائق القلب عن الدنيا بالتجافي عن دار الغرور والانابة إلي دار الخلود والإقبال بكنه الهمة على الله تعالي ، وذلك لا يتم إلا بالإعراض عن المال والجاه والهروب من الشواغل والعلائق بل يصير قلبه إلى حالة يستوى فيها وجود كل شئ وعدمه )
الأمر الذي ساعده من التخلص من الشك لينتقل إلى الاهتداء والطمانينة معلناً الاعتذار عن فترة ماضية في حياته بكل ما فيها من سلبيات وايجابيات متخذا لنفسه منهجاً عقلياً أصلاحياً أرشادياً تنويرياً ظهر في كتبه " المنقذ من الضلال "ورسالته " أيها الفتي " والتى نصح فيها ابنه بالبعد عن " بلاط الحكام " حفاظاً علي دينه ودنياه ونوال رضا الله .
وأخيراً أرجوا الله أن أكون وُفقت في طرح مبسط لحياة الإمام رداً علي ما أُثير حوله من أشكاليات متخذاً المنهج التاريخي للحكم الموضوعي علي شخصيته داعياً الله أن يغفر لنا وله ولجميع أئمة المسلمين وعامتهم .