الثروة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية
الدكتور عادل عامر
يمكن اعتبار الثروة الاجتماعية مجموعة محدّدة من المعايير والقِيَم الثقافية والمذهبية، من قبيل: الثقة المتبادلة، والصدق، والوفاء بالعهد، وحفظ الوعود في المعاملات الاجتماعية والاقتصادية التي يقوم عليها المجتمع. ويمكن الوقوف على مفهوم الثروة الاجتماعية في الكثير من أعمال علماء الاجتماع، ضمن أمور من قبيل: الثقة المتبادلة والمعايير والقِيَم.
أن الدراسات التي أجريت حتّى هذه اللحظة قد ركَّزت على الثروة الاجتماعية في ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية، فإننا نسعى في هذا المقال إلى دراسة «الثروة الاجتماعية المتمثّلة بالثقة المتبادلة والصدق في التنمية الاقتصادية من وجهة نظر الإسلام»، معتمدين في هذه الدراسة على المصادر المعتبرة والمتوفّرة في هذا الشأن. وفي البداية ستكون لنا جولةٌ على مفهوم الثروة الاجتماعية في الفكر المتعارف، لننتقل بعد ذلك إلى الموقع البارز لعناصر الثقة والصدق، وتأثيرهما على التنمية الاقتصادية في هذا المجال.
إن الثروة الاجتماعية، كسائر الأشكال الأخرى، ثروةٌ منتجة، وتجعل من تحصيل الأهداف المعيّنة والمحدّدة ـ التي لا يمكن الوصول إليها في غياب هذه الثروة الاجتماعية ـ أمراً ممكناً. إن المشاركة في القِيَم والمعايير لا يؤدِّي في حدّ ذاته إلى إنتاج الثروة الاجتماعية؛ إذ ربما كانت القِيَم سلبية. إن المعايير التي يمكن لها أن تنتج الثروة الاجتماعية يجب أن تشمل في الأساس سجايا من قبيل: الصدق، والوفاء بالعهد، والعلاقات القائمة على الثقة المتبادلة.
إن الثروة الاجتماعية ذخيرةٌ ورصيد من الشعور بالثقة والاعتماد المتبادل والتعاون والمشاركة بين أفراد جماعة أو مجتمع؛ بغية تسهيل علاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية.
إن الثروة الاجتماعية إلى جانب ـ الثروة الإنسانية والثروة الاقتصادية ـ تعمل بوصفها واحدةً من العناصر المؤثِّرة في التقليل من نفقات الإنتاج هناك الكثير من الأدوات المتنوّعة في الاقتصاد، والتي تستعمل لغرض التخفيف من مستوى عدم المساواة في مختلف العناصر الاقتصادية، من قبيل: الضرائب والدفوعات المتنقّلة التي توضع تحت تصرُّف الدولة والمؤسسات الخيرية ومؤسسات التكافل الاجتماعي (من قبيل: الزكاة والخمس والإنفاق في الإسلام).
بَيْدَ أنّ الأهمّ من هذه الموارد ـ والذي ينسجم إلى حدٍّ ما مع الأدوات المذكورة، والتي هي بمتناول الناس ـ تشكيل الثروة الاجتماعية بين الناس. لقد عمد الإسلام ـ من خلال إيجاد آلية الزكاة والخمس والإنفاق المباشر ـ إلى بناء خصائص ومقوّمات الثروة الاجتماعية. إن الثروة الاجتماعية تقلِّل من مستوى الفقر، وتعمل على إصلاح عدم المساواة في توزيع الثروات والأرباح، وتقيم المصرف العالمي، وتجعل من تكديس الثروة الاجتماعية بوصفها استراتيجية أصلية وهامّة لخفض مستوى الفقر بين أفراد المجتمع.
وكما تقدَّم فإن الدراسات المتنوّعة بشأن الثروة الاجتماعية تثبت أن للثروة الاجتماعية دائرة بحث وتطبيق واسعة بالقوّة. وبعد التأكيد على الآراء ونتائج التحقيقات سوف نخوض في دراسة بعض نظريّات العلماء والمفكِّرين بشأن الثروة الاجتماعية.
إن الثروة الاجتماعية هي ـ مثل الثروة الفيزيائية والثروة الإنسانية ـ غير قابلة للتعويض أبداً. إلاّ أن بالإمكان تعويضها في ما يتعلَّق ببعض الأنشطة الخاصة. هناك أشكالٌ معيَّنة من الثروة الاجتماعية القيّمة في تسهيل الأفعال المعينة قد لا تكون نافعةً بالنسبة إلى الأفعال الأخرى، بل وقد تكون ضارّةً بالنسبة لها. إن الثروة الاجتماعية لا تكون في الأفراد، ولا في الأدوات الفيزيائية. 1ـ المسؤوليات والتوقُّعات: إن من أهمّ خصائص الثروة الاجتماعية من وجهة نظر كولمن هو نظام المسؤوليات والتوقُّعات، بمعنى أن زيداً من الناس إذا أراد أن يقدِّم خدمةً لعمرو فإنما يكون ذلك منه اعتماداً على أن عمرو في المقابل سيقدِّم له خدمة مماثلة في المستقبل. وهذا الأمر يخلق توقُّعاً لدى زيد، ومسؤولية لدى عمرو، والغاية من ذلك هي الحفاظ على عنصر الثقة المتبادلة بينهما. إنّ هذا التعهُّد والثقة بمثابة ورقة الضمان بيد زيد.
فإذا كانت لدى زيد الكثير من هذه الأوراق في ما يتعلَّق بتعامله مع غير عمرو من الأشخاص الآخرين يمكن القول: إنه يملك رصيداً مالياً كبيراً من السندات، التي تخلق رصيداً اعتبارياً، يمكنه الاستفادة منه عند الضرورة.
2ـ الظرفيّة الكامنة بالقوّة في المعلومات: إن الحصول على المعلومات أمرٌ مكلف. من هنا يعمل الكثير من الأفراد على الحصول على معلومات بشأن الأعضاء الآخرين في الشبكة من خلال الاستفادة من شبكة العلاقات الاجتماعية، وبذلك يقتصدون في النفقات إلى حدٍّ كبير.
3ـ المعايير والضمانات التنفيذية المؤثِّرة والفاعلة: إن للمعايير أشكالاً متفاوتة. وإن بعضها يعتبر في غاية الأهمّية بالنسبة إلى التنمية، ولا سيَّما منها ما كان إرشادياً، ويحثّ الفرد ـ على سبيل المثال ـ على التنكُّر لمصالحه الشخصية، والتفاني من أجل مصالح الجماعة. إن معايير من هذا القبيل تحظى بدعمٍ اجتماعي وما إلى ذلك من ألوان التكريم والتقييم الأخرى، وبذلك تمثِّل ثروةً اجتماعية تعمل على بناء الأمم.
4ـ العلاقات المتينة: إذا قام الفاعلون الكثيرون بإعطاء حقوق السيطرة على الأنشطة إلى فردٍ فإنّ هذا النوع من الثروة الاجتماعية سيؤدّي إلى قيادة شخصٍ لبيب في المجتمع. وهذا يعني تماماً الميل إلى بناء ثروةٍ اجتماعية ضرورية لحلّ المشاكل المشتركة التي تحشر الأفراد في ظروفٍ خاصة، وتضطرّهم إلى التنازل عن سلطاتهم لصالح زعيم فهيم ومقتدر.
5ـ المنظومة الاجتماعية المَرِنة: تتبلور المنظمات التطوُّعية من أجل الوصول إلى الغايات والمقاصد التي ينشدها الذين أوجدوها. وهي في مواصلة حياتها تغدو مرنة لتلبية المقاصد الأخرى. وبالتالي تعمل على بلورة الثروة الاجتماعية التي يمكن توظيفها في الوقت المناسب. فعلى سبيل المثال: إن أعضاء تعاونية المطابع في ولاية نيويورك الأمريكية، والذين كانوا من عمّال صفّ الحروف، شكَّلوا لأنفسهم نادياً باسم (نادي صفّ الحروف).
وفيما بعد، حيث كان أرباب الصناعات يبحثون عن عمّال في صفّ الحروف من ناحيةٍ، وكان عمّال صفّ الحروف يبحثون عن فرصٍ للعمل من ناحيةٍ أخرى، كان وجود كلا هاتين المنظّمتين مؤثِّراً في توفير فرص العمل لبعضهما.
اما التنمية الاقتصادية واهدفها تتمثل في تسعى التّنمية الاقتصاديّة إلى تحقيق العديد من الأهداف، وهي كما يأتي: زيادة الدّخل القوميّ: هذا هو الهدف الرئيسيّ والأوّل من الأهداف الخاصة بالتّنمية الاقتصاديّة، حيث تساهم في تطوير مستوى معيشة الأفراد، وتعزّز التركيبة الهيكليّة للتجارة والصّناعة، ممّا يساعد على علاج المشكلات الناتجة عن ضعف الاقتصاد المحليّ. استثمار الموارد الطبيعيّة: يسعى هذا الهدف إلى تعزيز وجود الاستثمارات المحليّة والدوليّة للموارد الطبيعيّة الموجودة على أراضي الدّول؛ عن طريق دعم البنية التحتيّة العامة، وتوفير الوسائل المناسبة التي تُقَدِّمُ الدّعم للإنتاج، والخدمات العامّة. دعم رؤوس الأموال: يهتمّ هذا الهدف بتوفير الدعم الكافي لرؤوس الأموال العامّة، التي تعاني ضعفاً وعجزاً؛ بسبب قلة الادّخار المرتبط بالاحتياطات الماليّة في البنك المركزيّ، والبنوك التجاريّة المشتملة على المال بصفته العاديّة، أو الأوراق الماليّة المتنوّعة، مثل: السّندات.
الاهتمام بالتبادل التجاريّ: هذا الهدف خاصّ بتنمية التجارة، ويهتمّ بمتابعة الصّادرات، والواردات التجاريّة المعتمدة على تعزيز التجارة بين الدول النّامية، والدول الأخرى؛ وخصوصاً تلك التي تشتري الصّادرات بأسعار مقبولة، تساعد على توفير الدّعم للحاجات الأساسيّة للسكّان.
معالجة الفساد الإداريّ: وذلك بالاهتمام بوضع قوانين وتشريعاتٍ، تحدّ من انتشار الفساد الإداريّ الذي يؤثر على استقرار القطاع الاقتصاديّ، ويستغلّ موارده، وتساهم هذه المعالجة في تطوير الاقتصاد المحليّ، وتعزيز نموّه وازدهاره في المجالات كافّةً. إدارة الدّيون الخارجيّة: يرتبط هذا الهدف بضرورة متابعة المبالغ الماليّة المدينة على حكومات الدول النامية، والحرص على إيجاد الوسائل والطّرق المناسبة لسداد هذه الديون، ممّا يساهم في تعزيز النموّ الاقتصاديّ، وزيادة النّفقات الخاصّة بالإنتاج.