العقل هو هدف الإرهاب، وهو ساحة الحروب الحقيقية التي يشنها علينا. ونحن نخطئ الخطأ الكبير حين نشن حرباً علي الإرهاب في سيناء، ولا نشن حرباً عليه في عُقر داره وهو العقل المصري والعربي. فالإرهاب مختبئ في عقولنا وفي عقول أبنائنا وبناتنا، وفي تربيتنا وديننا وتعليمنا منذ زمن بعيد، ولكنه متخفّي بأثواب زائفة ولكنها تبدو حقيقية ومزخرفة لدرجة أننا نتباهى ونفتخر بها مثل التدين.
ان المتدين الذي ينصح الآخرين بالابتعاد عن الخطأ وفعل الصواب، ويفرض عليهم فلسفته الخاصة ووجهة نظره في الخطأ والصواب هو إرهابي بدرجة مستعد؛ لأن فكرة التطابق التي يطالب بها المتدينون هي أساس الفكر الإرهابي، حيث ينتظر الشخص المتدين من غيره ان يتطابق فكرهم مع فكره، وان يفعلوا ما يراه هو صواباً ويبتعدوا عما يراه هو خطأ من وجهة نظره الدينية.
ولا شك أنه استمد هذه المعايير للخطأ والصواب من الدين، ولديه نية خيّره حين يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ولهذا السبب يمكننا أن نضع الدين ذاته في قفص الاتهام من الناحية الفلسفية الموضوعية. ولما لا ؟ أليس معنى الدين الإنكار للأديان الأخرى؟! أليس هذا هو التعصب الذي قاد العالم للحروب في العصور الوسطى؟!
ان المتدين الذي ينصح الآخرين بالابتعاد عن الخطأ وفعل الصواب، ويفرض عليهم فلسفته الخاصة ووجهة نظره في الخطأ والصواب هو إرهابي بدرجة مستعد
اننا يجب أن نصدم أنفسنا والمجتمع من حولنا بهذه الحقيقة وهذه الأسئلة، هل الدين هو الارهاب؟ وإلي أي مدي الدين متورط في انتشار الفكر الإرهابي؟ وهل المشكلة في فهم وتفسير الدين والتراث الديني أم المشكلة في الدين ذاته؟ وهل يمكن الفصل بين مفاهيم الدين والتدين وبين التعصب والعنصرية؟
ان الارهاب لا يقتل بالسلاح فقط بل لديه اسلحة أخطر من ذلك. إنه يسمم العلاقات ويقتل الجسد الاجتماعي، ويجعلنا نتفرّق ونتمزّق ونتجابه ونقتل بعضنا البعض نفسياً ومعنوياً قبل ان نستخدم السلاح.
فكرة التطابق التي يطالب بها المتدينون هي أساس الفكر الإرهابي، حيث ينتظر الشخص المتدين من غيره ان يتطابق فكرهم مع فكره، وان يفعلوا ما يراه هو صواباً ويبتعدوا عما يراه هو خطأ من وجهة نظره الدينية.
إننا نجد الفتاة تطلب من خطيبها التوبة والالتزام في الصلاة بنية ايجابية خيّرة دون أن تدري أنها ارتكبت جريمة في حق خطيبها بنظرتها إليه علي أنه إنسان ملوّث بالذنوب والمعاصي، وأنه أقل منها تديناً رفعة عند الله، وهذا يجعلها تتعامل معه علي هذا الأساس الفاسد مما يسمم علاقتهم فيما بعد بدون أن يدركوا ذلك.
ونجد الصديق يطعن في نيّة صديقه الذي يراه أقل منه تديناً، او مختلفا معه في بعض الآراء الفقهية. ونجد الناس ينظرون إلى الفلسفة علي أنها إلحاد وكفر لمجرد أنها لا تتطابق مع فكرهم الديني، وينظرون إلى الأديان الأخرى علي أنها الكفر ذاته، وإلي المختلفين عنهم في الديانات علي أنهم كفار مصيرهم النار والجحيم والهلاك. ولا شك ان هذا يتضمن شعوراً سلبياً كفيل بتسميم العلاقات الاجتماعية وجعلها علاقات سطحية فاسدة.
وعندما ننظر إلى النمط الفكري العام لدى أفراد مجتمعنا بنظرة تحليلية نجد فكرة المطابقة التي أشرنا إليها مهيمنة، ونجد صعوبة كبيرة لدى العقل العربي في تقبل الاختلاف، وتكاد لا توجد فكرة تقبل اختلاف التفكير والآراء والمعتقدات على أنه اختلاف طبيعي مثل الاختلاف بين حبة الموز وحبة البرتقال.
ونجد أيضاً منطق البديلين فقط الذي يختزل العالم بتعقيده وبساطته في اختيارين فقط كلٍ منهما مضاد أو معادي للآخر، فإما هذا أو ذاك، أهلي أو زمالك، جنة أو نار، كافر أو مؤمن، دين أو علم، معي أو ضدي، أنا أو أنت. ولا نجد فكرة المزيج الذي يمكن ان يجتمع فيه البديلين ليخرج عنهما شيئاً مختلفاً، أو فكرة التعاون الإبداعي التي تعني أن الأهلي إذا تعاون مع الزمالك سيكوّنان فريقاً أقوى من الأهلي وحده وأقوى من الزمالك وحده بل وأقوى من مجموع قوة الفريقين. ويعني أيضاً أنني يجب أن أجعل علاقتي إيجابية معك لأن قوتك بالإضافة إلى قوتي سينتج عنهما قوة أكبر من قوتي وأكبر من قوتك وهكذا ..
وبنظرة عابرة غير متعمقة نجد ان أجهزة الاعلام تعلّم الناس نمط التفكير الخاطئ الذي يتضمن أسس الفكر الإرهابي، والذي يفسد كافة العلاقات الاجتماعية، ويضعف الجسد الاجتماعي ككل، ونجد أن نظام التعليم غير مهتم بتعليم التلاميذ والطلاب طرق التفكير الصحيح، ولا يدرّبهم عليها، ولا يهتم بالجانب الفكري لديهم، فالفلسفة يتم تدريسها علي نطاق ضيق جداً غير أن مناهجها لا تربي المفكر الذي نتطلع إليه.
فهل هذا له علاقة بأنظمة الحكم والسياسة؟ الإجابة نعم، فالأنظمة الاستبدادية ترغب في مواطن أعمى غير مفكر، ولقد تم بالفعل ترسيخ هذا النمط الفكري الخاطئ في مجتمعنا أيديولوجياً على يد المستعمرين والمستبدين علي مدى تاريخنا، ولكن هذا الفكر الخاطئ الآن تحوّل إلى وباء قاتل، وإذا لم نقضي عليه فإنه سيقضي علينا.
بقلم: سيد صابر
sayedosaber@gmail.com
00201063002889
تم نشر المقال من قبل على مدونات الجزيرة