التوحيد
الدكتور عادل عامر
إنه لا عز للمسلمين إلا بتحقيق التوحيد الخالص والدعوة إليه، ومحاربة الشرك وأهله، ولتعلم أخي المسلم أن المعصية والبدعة تضعف التوحيد وتنافي كماله فهي بذلك سبب للضعف والذل والهوان، قال الإمام ابن باز رحمه الله: (فالله جل وعلا جعل للنصر أسبابا وجعل للخذلان أسبابا ، فالواجب على أهل الإيمان في جهادهم وفي سائر شئونهم أن يأخذوا بأسباب النصر ويستمسكوا بها في كل مكان في المسجد وفي البيت وفي الطريق وفي لقاء الأعداء وفي جميع الأحوال ، فعلى المؤمنين أن يلتزموا بأمر الله، وأن ينصحوا لله ولعباده، وأن يحذروا المعاصي التي هي من أسباب الخذلان،
ومن المعاصي التفريط في أسباب النصر الأسباب الحسية التي جعلها الله أسبابا لابد منها، كما أنه لابد من الأسباب الدينية، فالتفريط في هذا أو هذا سبب الخذلان والله جل وعلا يقول في كتابه العظيم وهو أصدق القائلين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7] هذه الآية العظيمة خطاب لجميع المؤمنين أوضح فيها سبحانه أنهم إذا نصروا الله نصرهم سبحانه وتعالى).
إن التوحيد بالله و شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو أول ما يجب على العباد وهو أول حقوق الله على عباده كذلك يجب على المرء أن يعرف قدر الله فإنه إذا لم يعرف أن الله واحدً لا شريك له في ألوهيته (أي أنه سبحانه وتعالى لا معبود سواه )
فكيف يرجع عن مد يديه إلى غير الله و كيف يمسك نفسه عن معصيته والخروج على أمره (عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي : أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله ؟
قلت الله ورسوله أعلم قال : حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا ... قلت يا رسول الله أفلا أبشر الناس .. قال : لا تبشرهم فيتكلوا ) صحيح مسلم (و توحيد الشيء أي جعله واحدا )
وهذا يتحقق بالنفي والإثبات حيث أننا حين نشهد ألا إله إلا الله قد نفينا صفة الألوهية عن من هو سوى الله... وثبتناها لله وحده و للتوحيد أنواع ثلاث ينبغي علينا أن ندركها حتى نعبد الله حق عبادته .
أنواع التوحيد •توحيد الألوهية •توحيد الربوبية •توحيد الأسماء و الصفات
أولا : توحيد الألوهية :
و هو إفراد الله سبحانه و تعالى بالعبادة ، و إله معناه : إنه معبوج و له أوامر لابد أن تطاع و نواهيه لابد أن تجنب ، و توحيد الألوهية يكون بألا يتخذ الإنسان مع الله أحد يعبده و يتقرب إليه كما يفعل مع الله عز و جل. فالعبادة لله وحده لا شريك له و من يفعل غير ذلك فهو مشرك كافر لقوله تعالى ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة و مأواه النار وما للظالمين من أنصار ) المائدة 72 . فما جزاء الشرك بالله ( النار و بئس المصير ..)
و يشرك بالله أيضا من اتخذ من الصالحين و ليا من دون الله و ندا فالذين يتقربون إلى الأولياء و المشايخ بل و يتضرعون لهم طالبين العفو و يتمسحون في أضرحتهم يعد فعلهم شرك بين لقوله تعالى ( و من الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله و الذين آمنوا أشد حبا لله و لو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا و أن الله شديد العذاب ) البقرة 16 . و قوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) النساء 48 فيجب أن تكون العبادة كلها لله و التعظيم و الإجلال و الخشية و الدعاء و الرجاء و الإنابة لله وحده سبحانه و تعالى .
ثانيا توحيد الربوبية :
و هو إفراد الله سبحانه و تعالى بالخلق و الملك و التدبير و الربوبية في معناها اللغوي هي : الملك و التصرف .. فرب الشيء من يملك الأمر و النهي فيه و رب الشيء هو مالكه و المتصرف فيه و المتدبر له فسبحانه خلق كل شيء
و هو صاحب الأمر و التدبير و تنقسم الربوبية إلى ثلاث :
- ربوبية الخلق : و هي إفراد الله سبحانه و تعالى بالخلق .. قال تعالى ( هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء و الأرض لا إله هو ) فاطر 3 فالله تعالى خلق كل شيء و قدره تقديرا و لهذا كان من تمام الإيمان أن نؤمن بأن الله تعالى خالق لأفعال العباد
قال تعالى ( و الله خلقكم و ما تعملون ) الصافات 96 .
بمعنى الله خلق الحق و الباطل و أمرنا بالحق و نهانا عن الباطل و لنا أن نختار فيهما فمن أعرض عن الله هلك و من تقرب إليه نجا و ااه يحب المهتدين . و الخلق قد يثبت لغير الله لقوله تعالى ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) المؤمنون 14 .
و خلق الإنسان ليس مثل خلق الله فلا يمكنه إيجاد معدوم و لا إحياء ميت إنما خلق غير الله تعالى يكون بالتغير و تحويل الشيء من صفة إلى أخرى. و هذا يعتبر خلق محدود فالإنسان عندما يصنع السيارة مثلا يظن أنه خالقها لكن إن كان هو كذلك فمن أوجد المواد التي صنعت منها أليس الله سبحانه و تعالى ؟ أو عندما يكتشف الإنسان اكتشاف جديد لم يكن معروفا أيقول أنه خالقه ألا ينظر إلى من أنشأه و أوجده من العدم ؟
ومن ذلك كان أي خلق غير خلق الله محدود فسبحانه عز و جل هو وحده الخالق و هو على كل شيء قدير . ب- ربوبية الملك : الله سبحانه و تعالى وحده هو المالك قال تعالى ( تبارك الذي بيده الملك و هو على كل شيء قدير ) الملك 1
و قال تعالى ( قل من بيده ملكوت كل شيء و هو يجير و لا يجار عليه ) المؤمنون 88 و نسبة الملك إلى غير الله نسبة إضافية فقد أثبت تعالى الملك لغيره في قوله ( أو ملكتم مفاتحه ) النور 6 و قوله تعالى ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء و تنزع الملك ممن تشاء ) آل عمران 26 .
فالملك الذي يثبت لغير الله ليس كملك الله عز و جل بل هو ملك قاصر و ملك مقيد ( قاصر فهو ملك غير شامل فما يملكه أحد لا يملكه الأخر .. و هو ملك مقيد حيث لا نستطيع التصرف فيه إلا على الوحه الذي أذن الله به )
بمعنى أن ملك الفرد لا يتعداه إلى أحد آخر فهو لا يستطيع أن يملك ما عنده و ما عند غيره أما ملك الله سبحانه و تعالى ملك عام شامل ، ملك مطلق .. يفعل الله سبحانه و تعالى ما يشاء و لا يسأل عما يفعل و هم يسألون .
ج- ربوبية التدبير : إن الله سبحانه وتعالى منفرد بالتدبير فسبحانه يدبر أمور الخلق و أمر السموات و الأرض و أوكل الله تدبير الكون إلى الملائكة بإذنه قال تعالى ( و المدبرات أمرا ) النازعات 5
فالملائكة تدبر أمر الكون من السماء إلى الأرض بأمره تعالى من الرياح و الأمطار و الأرزاق و الأعمار و غير ذلك من شئون الدنيا و قيل إن تدبير أمر الدنيا إلى أربعة ملائكة : جبريل و ميكائيل و عزرائيل و إسرافيل .. فأما جبريل فموكل بالريح و الجنود و أما ميكائيل فموكل بالقطر و النبت و أما عزرائيل فموكل بقبض النفس ز أما إسرافيل فينزل بالأمر عليهم .
فالتدبير من عند الله و ما غير ذلك فهو تدبير ضيق محدود فالتدبير الذي يملكه الإنسان ( في شئون حياته يعد تدبيرا في حدود أجازها الله للإنسان
و لا يستطيع أن يتعداها مهما دبر الإنسان ).
ثالثا : توحيد الأسماء و الصفات :
و هو إفراد الله سبحانه و تعالى بما سمى نفسه و وصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله فلابد من الإيمان بما سمى به نفسه و وصف به نفسه على وجه الحقيقة لا المجاز من غير تكييف و لا تمثيل ..
مثال ذلك : أن الله سبحانه و تعالى سمى نفسه بالحي القيوم فيجب علينا أن نؤمن بالحي على أنه اسم من أسماء الله و نؤمن بما تضمنه الاسم من وصف و هو الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم و لا يلحقها فناء و على هذا القياس باقي الأسماء و قال تعالى ( و قالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم و لعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) المائدة 64 و هنا قال تعالى أن لله تعالى يدين مبسوطتين بالعطاء و النعم و لكن يجب علينا ألا نحاول إلا بقلوبنا و لا بتصوراتنا و لا بألسنتنا أن نكيف تلك اليدين فلا ينبغي أن نمثل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين لقوله تعالى ( ليس كمثله شيء و هو السميع البصير ) الشورى 11 و قوله تعالى ( فلا تضربوا لله الأمثال ) النحل 74 فمن كيفهما أو وصفهما فقد قال على الله ما لم يعلم .. و توحيد الأسماء و الصفات ينبغي أن يبسط فيه القول لأنه أمر هام و لأن الأمة الإسلامية تفرقت فيه كثيرا
التوحيد لابد أن يكون جامعا لأنواعه كافة فلا يجوز أن نغفل إحدى الأنواع فهذا شرك بالله و ذلك كما فعل المشركون الذين حاربهم الرسول صلى الله عليه و سلم و أباح دماؤهم و أموالهم .. كانوا مقرين بأن الله وحده هو الرب الخالق لا يشكون في ذلك و لكن كانوا يعبدون من دونه إله أخر فكفروا بما كانوا يفعلون . و هدى الله الذين آمنوا و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيين . '