الطريق الآخر لحياة أفضل الطريق الآخر لحياة أفضل
recent

آخر الأخبار

recent
الدورات التدريبية
جاري التحميل ...

الفساد الإداري واثارة المجتمعية

الفساد الإداري واثارة المجتمعية

الدكتور عادل عامر

الفساد الإداري آفة مجتمعية عرفتها المجتمعات الإنسانية وعانت منها منذ ظهور الإنسان على وجه البسيطة وحتى يومنا هذا. وهي اليوم موجودة في كافة المجتمعات الغنية والفقيرة، المتعلمة والأمية، القوية والضعيفة.

 فظهورها واستمرارها مرتبط برغبة الإنسان في الحصول على مكاسب مادية أو معنوية يعتقد في قرارة نفسه أنه ليس له حق فيها ومع ذلك يسعى إليها. ولذا فهو يلجأ إلى وسائل غير سوية للوصول لها، منها إقصاء من له أحقية فيها، ومنها أيضاً الحصول عليها عن طريق رشوة من بيده الأمر أو عن طريق آخر هو المحسوبية أو الواسطة عند ذوي الشأن.

هذه الآفات المجتمعية التي يطلق عليها في مجملها مسمى "الفساد الإداري" جاهد الكثير من المجتمعات الحديثة للتخلص منها وعقاب المتسبب فيها، لأنها عقبة كأداء في سبيل التطور السليم والصحيح والصحي لتلك المجتمعات.

 ولذا اعتبر ارتفاع مؤشر الفساد الإداري في أي مجتمع كدليل على تدني فعالية الرقابة الحكومية وضعف القانون وغياب التشريعات الفعالة، في الوقت الذي اعتبر فيه انخفاض مؤشر الفساد كدليل على قوة القانون وهيبته وفعالية التشريعات ووجود رقابة فاعلة ومؤثرة.

'الفساد هو سوء استغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية ومن أهم دوافع الفاسد هو غياب القيم الأخلاقية، وهي من اهم وسائل الرقابة الذاتية للفرد امام الله ثم المجتمع، بالإضافة الى غياب ثقافة المواطنة، واهم ما نعانيه في ادارات الدولة هو الفساد التراكمي نتيجة غياب الرقابة الادارية الصارمة

وغياب مبدأ الثواب والعقاب، فارتكاب اي مسؤول كبير تجاوزات قانونية ومالية وعدم معاقبته حسب الاصول القانونية والدستورية للدولة

 فإن ذلك سيشجع كل موظف في وزارات الدولة على ارتكاب تجاوزات مماثلة، مما يؤدي إلى تراكم الفساد، وتصبح معالجته مسألة غاية في الصعوبة بل تحتاج الى هبة شعبية واسعة تستنهض كل الضمائر التي مازالت قلقة على مصلحة الوطن، ومع غياب ثقافة المواطنة، التي ترسخ مبدأ 'الاولوية للوطن' في ذهنية المواطن،

زادت امكانية انتشار الفساد في ادارات الدولة. والفساد الإداري بأنه ظاهرة توجد نتيجة لغياب المعايير والأسس التنظيمية والقانونية وتطبيقها وسيادة مبدأ الفردية،

 مما يؤدي إلى استغلال الوظيفة العامة وموارد الدولة من أجل تحقيق مصالح فردية أو مجموعاتية أو حزبية على حساب الدور الأساسي للجهاز الحكومي، مما يؤثر في مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص لدى المواطنين وطالبي الخدمة العامة.

أسبابه

إن أسباب الفساد الإداري تتمثل في تشابك الاختصاصات التنظيمية للوحدات الإدارية وغياب الأدلة الإجرائية المنظمة للعمل ووضوح السلطات والاختصاصات والمسؤوليات الوظيفية والاعتماد على الفردية والشخصية في العمل، مما يؤدي إلى استغلال الوظيفة العامة.

كذلك ضعف الدور الرقابي على الأعمال وعدم وجود معايير واضحة للتعيين في الوظائف العامة أو القيادية، مما يؤدي إلى سوء اختيار القيادات والأفراد، إضافة لعدم تفصيل مبدأ العقاب وتطبيق القانون على المخالفين أو المستغلين العمل لمصالحهم الشخصية وضعف المسؤولية الإدارية عن الأعمال الموكلة أو المحاسبة عليها.

سياسية واجتماعية

أن هناك أسباباً سياسية، والتي تعد أحد الأسباب الرئيسة للفساد الإداري، حيث يظهر من خلال المحاباة، والتعيين لأغراض سياسية والتساهل في تطبيق القانون والواسطة، إضافة لطبيعة العمل التشريعي وما يصاحبه من وسائل ضغط وسوء تقييم للمناطق الانتخابية وانتشار الرشوة وبروز التكتلات السياسية وتأثيرها على الحكومة من خلال المقايضات السياسية وغيرها من العوامل الأخرى.

أما عن الأسباب الاجتماعية فإنها تتمثل في التركيبة السكانية والولاء العائلي والقبلي أو الحزبي، مما يؤثر على انتشار الواسطة وخدمة المجموعة التي ينتمي إليها، إضافة لضعف دور مؤسسات وجمعيات النفع العام في القيام بدورها.

كيف نعالج الفساد الإداري في دوائر الدولة ؟

الحلول والمقترحات لمعالجة الفساد الإداري تتمثل في الآتي :

1 - الإصلاح السياسي وهو محور الارتكاز للإصلاح الإداري والقضاء على الفساد من خلال المحاور المتمثلة في صور الممارسات السياسية غير السليمة وأشكالها..

2 - الإصلاح الإداري من خلال التنظيم والأدلة الإجرائية على مظاهر التسيب وتحسين الدور الرقابي للدولة.

3 - الإصلاح الاجتماعي من خلال التعليم والأسرة والمجتمع بنبذ الفئوية والفردية في مجال الوظيفة العامة وتدريس القيم والأخلاقيات الوظيفية.

4 - تفعيل وتطبيق القانون من خلال تطوير النظم والتشريعات الحالية وتطبيق القانون على المسيء، حتى يكون عبرة لغيره.

5 - وجود وثيقة إصلاح وطني شاملة يتعهد الجميع على العمل بها وتفعيلها واتخاذ الخطوات اللازمة للتغيير المجتمعي الشامل.

الآن, الجميع أصبح مدركا مدى خطورة الفساد الإداري المتفشي في معظم الدوائر الحكومية.. يستغلون الوضع لسحب بعض الأموال باسم زيادة الرواتب و إسقاط الديون بأنواعها, و بعض أعضاء البرلمان يستغلون الوضع بتجميد المشاريع الإنمائية الحيوية في الدولة للمساومة , و بعض الوزراء يستغلون الوضع بتوزيع المشاريع

و المناصب على ذوي القربى و ما يجري اليوم على الساحة الكويتية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لأكبر دليل على تأصل جذور الفساد في ادارات الدولة، مما جعل بقاء اي حكومة لمدة طويلة امرا صعبا، وبالتالي يصعب بذلك تحقيق اي خطط اصلاحية لها في غياب معالجة جذور الفساد ومعاقبة المفسدين الحقيقيين مهما كانت مواقعهم ومكانتهم الاجتماعية.

الفساد الاداري اصبح عائقا امام التنمية وبعد انتشاره في الكثير من القطاعات الحكومية وحتى الاهلية اصبح التذمر من صفات المواطن البسيط على الاوضاع السياسية.

يرون ان للفساد اسبابا يقف وراءها تداخل الاختصاصات وتدخلات بعض النواب وتسهيل بعض الجهات الحكومية، مشيرين الى انه لا يوجد ما يسمى بالتطوير الاداري في وزارات الدولة.

وتعتبر "الواسطة" نوعاً من أنواع الفساد الإداري وهي أكثر أنواع الفساد الإداري انتشاراً في مجتمعات الخليج. ويبدو أن أمر استمراريتها يكمن في أن الثقافة الاجتماعية تتقبلها ولا تعتبرها فساداً كالرشوة مثلاً،

بل وفي الكثير من الأحيان تساهم الثقافة الاجتماعية القائمة على تقديم العون والدعم للآخر على استمرارية مثل هذا النوع من الآفات بل وفي إيجاد المبررات الشرعية لها.

اغلب الدول حاليا متخم بقضايا الفساد الإداري والمالي في غالبية الوزارات والمؤسسات الحكومية التي ابتليت بقيادات وصلت عن طريق الواسطة والمحسوبية،

من مظاهر التخلف الإداري الذي تعاني منه الدول عدم الاكتراث بالتعليم وبصحة البشر واللامبالاة بحياة المواطن

فلا شك في أن أحد معوقات التنمية الاقتصادية في أي بلد في العالم والمانع الحقيقي من الإصلاحات الاقتصادية هو وجود الفساد الإداري، وكيف أن ذلك الأمر قد جعل الأداء الاقتصادي شبه مشلول• وكم يدفع اقتصاد الدول الثمن غاليا نتيجة تغلغل الفساد الإداري في جسد الدول وبين أروقة مؤسساتها وجهازها الإداري•

أن الديكتاتورية السلطوية التي تؤثر في الجوانب الاقتصادية لكسب المزيد من المال والتلاعب في مقومات الاقتصاد كغسيل الأموال وهتك قوة أصول العملة وفرض الضرائب بشكل غير طبيعي وانتشار الرشوة والمحسوبية وترسيه العطاءات وحجب قوانين تعمل على حماية المال العام ومنع التطاول عليه•

إن الفساد الإداري يزيد بزيادة هيمنة القطاع العام على الأنشطة الاقتصادية• كذلك القيد على حرية النقد والتجارة وتضخم الجهاز الحكومي، وبوجود الفساد الإداري فإن انخفاض تدفق الاستثمار الأجنبي يتأثر تأثيرا مباشرا وقويا، ولا يقتصر تأثير وجود الفساد الإداري على هذا الأمر، بل الثقل البغيض لهذا الفساد يلقى بقوة على المشاريع المتوسطة والصغيرة ويحطمها•

أن التوافق الواضح والمتكامل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وبين القطاع الخاص سيحقق الإصلاح الاقتصادي الذي هو أحد نواتج الإصلاح السياسي ومحاربة الحكومة لظاهرة الفساد الإداري بشتى الطرق المتاحة لمصلحة البلد وشعبه•

تطبيق القانون.. ومحاربة الفساد

يجب تطبيق القانون للقضاء على التجاوزات والتخلص من المحسوبيات والقضاء على الواسطة.

تطبيق العدالة ومبدأ المساواة في المسار الاجتماعي والاقتصادي

الاهتمام في البحث ووضع آلية للتخلص من الفساد الإداري ، حتى نصل إلى قيادات كفؤة المحافظة على المال العام، ووضع استراتيجيات لزياد وتنويع عدد المستشفيات في المحافظات.

فالنظر إلى معايير كفاءة وخبرة الفرد وحاجته المجتمعية وليس طبقته الاجتماعية وخلفيته يجب أن يكون هو المعيار الفاصل. إن تطبيق مثل هذه المعايير السليمة هو الذي أفسح المجال أمام كفاءات كثيرة من أبناء الوطن لكي تبرز وتبدع وتعمل في حب الوطن.

كذلك سمح وجود مثل هذه المعايير إلى ظهور طبقات اجتماعية جديدة جلها من المبدعين والتكنوقراط الذين تميزوا وأبدعوا في كافة المجالات حين رأوا أن الأفق أمامهم مفتوح، وأنه لا حدود يمكن أن تعيق طموحهم. إننا حين نبني مجتمعاً سليماً معافى خالياً من الأمراض الاجتماعية إنما نؤسس أيضا لمستقبل سليم ومعافى.

علاج الفساد الإداري من منظور الإدارات الحديثة

تتعدد وتتنوع الإدارات الحديثة والتي انتقلت إلينا عبر العولمة وعصر الانفتاح التكنولوجي المتسارع الذي نعيشه، ومن وجهة نظري الشخصية أرى أنه من الضروري الاستفادة مما جلبته لنا رياح الفكر الإداري غير الإسلامي بعد تمحيصه وتطويعه وفق مبادئنا وقيمنا المستقاة من كتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم –.

 ومن هذه الإدارات التي يمكن استخدامها كمدخل لعلاج ظاهرة الفساد الإداري، ما يلي:

1. إدارة الصراع:

يذكر (بحر: 4) أن نفس الإنسان تختلج فيها جوانب الخير والشر، وإن النفس أمارة بالسوء ولذلك نجد الإنسان في صراع دائم مع النفس، ولقد جاء وصفه في القرآن الكريم بأنه: {إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا} (المعارج: 20 – 21).

فلابد لنا من إدارة الصراع الداخلي الذي يشعر به الفرد عن طريق ما يلي:

•تزويد الفرد بالقيم والاهتمام بالتنشئة الاجتماعية السلمية المدعمّة للقيم والمفاهيم الإسلامية في مجال العمل.

•العمل على تحديد معيار للرواتب يوافق مستوى المعيشة السائد في المجتمع وظروف الغلاء حتى يشعر الفرد بالرضا عما يتقاضاه ولا يشعر بالصراع بين قوى الشر المتمثلة في الرشاوى والتزوير وغيرها وبين قوى الخير النابعة من فطرته القومية التي فطر الله الناس عليها.

2. إدارة الذات:

إدارة الذات أمر مهم جدا، ويقصد بها " الطرق والوسائل التي تعين المرء على الاستفادة القصوى من وقته في تحقيق أهدافه وخلق التوازن في حياته ما بين الواجبات والرغبات والأهداف"

فيجب على الفرد أن يعمل جاهدا في إدارة ذاته ليبعدها عن الشبهات وطريق الحرام محققا بذلك أهدافه بالحلال ومبتعدا عن طريق الحرام.

3. إدارة التغيير:

يقصد بإدارة التغيير: " سلسلة من المراحل التي من خلالها يتم الانتقال من الوضع الحالي إلى الوضع الجديد، أي أن التغيير هو تحول من نقطة التوازن الحالية إلى نقطة التوازن المستهدفة ". ومن ضمن المتغيرات التي تفرض على المجتمع التغيير: (درجة المعاناة من قسوة الوضع الحالي – مدى وضوح الفوائد والمزايا التي سيحققها التغيير).

وبالنسبة لموضوع البحث وهو (الفساد الإداري) نجد أن درجة المعاناة من قسوة الوضع المعايش بسبب الفساد الإداري يتوجب علينا الاستفادة من إدارة التغيير للانتقال بالوضع إلى نقطة توازن أفضل.

4. إدارة الأزمات:

لا يعتبر الفساد الإداري أزمة بحد ذاته فقط بل هو مولد لأزمات متعددة داخل المنظمة , ولعلاج الفساد الإداري من منظور ( إدارة الأزمات ) يمكن إتباع الخطوات التالية :

•تكوين فريق عمل متكامل يعمل بتعاون للقضاء على الفساد الإداري ومسبباته داخل المنظمة

•حل المشكلات المصاحبة للفساد الإداري بتحديد المشكلة وإجراء المشورة ومن ثم اختيار الحل الأنسب من الحلول المتاحة للخروج من الأزمة.

5. الإدارة بالأهداف:

وهذا المدخل يؤكد على ضرورة العمل الجماعي بروح الفريق، والمشاركة الفعالة والإيجابية بين الرئيس والمرؤوس، ويحقق الرقابة الذاتية من أجل تحقيق الأهداف. وحيث أنه من أحد أسباب الفساد الإداري غموض الأهداف وعدم وضوحها، وجب على كل منظمة تسعى إلى علاج ظاهرة الفساد الإداري أن تمارس أسلوب الإدارة بالأهداف.

6. إدارة الاتصالات:

ويعني الاتصال تبادل المعلومات ووجهات النظر والتعبير عن المشاعر والأحاسيس، وفي إدارة الاتصالات يجب تشجيع الأسئلة وتبادل الأفكار المطروحة بين الموظفين وتوجيه النقد للعمل الخاطئ في الوقت المناسب وإيجاد مناخ إيجابي للاتصال يسمح بتقبل أفكار الآخرين وحيث أنه من أحد مسببات الفساد الإداري هو عدم كفاية الاتصالات بين الرئيس ومرؤوسيه، كان لابد من الاهتمام بإدارة الاتصالات وممارستها بفعالية حتى يستطيع المدير أن يقوم الوضع الخاطئ داخل المنظمة في الوقت المناسب.

7. الإدارة بالمشاركة:

ويقصد بالإدارة بالمشاركة: " المشاركة في القدرات والأداء مع الجميع والاعتماد على الإجماع "، فيجب على كل فرد في المنظمة أن يكون له رأي وصوت مسموع حتى يعتبر نفسه جزء من المنظمة ويتولد في داخله الولاء لها (الصعوبات في تنفيذ الإدارة بالمشاركة:).

إن هذا الاتجاه حث عليه الإسلام قبل الإدارات الحديثة، يقول جل وعلا: {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين}.

8. إدارة الجودة:

تسعى إدارة الجودة إلى التحسين المستمر، والتحسين المستمر الذي تسعى إليه الجودة لا يقتصر فقط على الخدمة أو السلعة، بل يتعداه ليشمل مستوى الكفاءة في الأداء الوظيفي وتنمية العلاقات المبينة على المصارحة والثقة بين العاملين في المنشأة.

وهذا الاتجاه ليس بجديد على الفكر الإسلامي، يقول تعالى في وصف القرآن: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن الكريم لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} (الإسراء: 88)، ويقول – صلى الله عليه وسلم –: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه).

فإذا راعت المنظمة الجودة في أدائها على المستوى الذاتي وعلى مستوى المنظمة ابتعدت عن أحد مسببات الفساد الإداري.

9. إدارة الإبداع:

حيث أن أحد مسببات الفساد الإداري هو قتل الرئيس للإبداع لدى المرؤوسين خوفا من ارقيهم وخوفا على منصبه من الضياع، فيمن للمدير الناجح أن يستخدم أسلوب إدارة الإبداع وعدم كبت المواهب داخل الموظفين وإدارتها على الوجه الأكمل بما يخدم مصلحة العمل وليس كبتها لخدمة المصالح الذاتية.

10. الهندرة (إعادة هندسة العمليات الإدارية):

وتعرّف على أنها: (إعادة التفكير الأساسي وإعادة التصميم الجذري للعمليات الإدارية لتحقيق تحسينات جوهرية في معايير قياس الأداء الحاسمة مثل التكلفة والجودة والخدمة والسرعة، وهو منهج لتحقيق تطوير جذري في أداء الشركات في وقت قصير نسبيا " المنظمات ذات الوضع المتدهور والأداء المتدني هي من أكثر المؤسسات التي تحتاج إلى عملية الهندرة وإعادة هندسة العمليات الإدارية، وهذا الوصف ينطبق على المنظمات التي تعاني من الفساد الإداري.

11. الإدارة بالاتفاق:

ويقصد بهذا الاتجاه " مجموعة من التوقعات المشتركة بين إدارة المدرسة والعاملين بها بحث ينظر إليها بعد الاتفاق على أساس أنه عقد نفسي بينهما مع الالتزام به سلوكيا، بحيث يتولد عن هذا الاتفاق ثقة متبادلة بشرط أساسي وهو الإيمان المتبادل بالشخص وبقدراته وإمكاناته واستعداده، أن الإدارة بالاتفاق تقوم على:

•وضع تصور لمتطلبات العاملين في المنظمة وطرق الوفاء به.

•وضع تصور لمتطلبات المنظمة من العاملين.

•تحديد متطلبات كل فرد داخل المنظمة تجاه الآخرين عن طريق الاتفاقات الفردية والجماعية. إن الطريق لعلاج ظاهرة الفساد الإداري يحتاج إلى هذا الأسلوب لتحديد متطلبات العاملين تجاه بعضهم البعض وتجاه المنظمة، ومتطلبات المنظمة من عامليها لتكون الصورة واضحة بعيد عن الغموض

 وليشعر الفرد بالولاء للمنظمة التي يعمل بها ويبعد عنه الصراعات الداخلية التي يمكن أن يشعر بها نتيجة تصارع قوى الخير والشر داخله.

الإصلاح الإداري للفساد في المجتمع

إن الفساد الإداري آفة لا تقل خطورة عن أي آفة مهلكة، وأي آفة لا نتصدى لها ونجتث جذورها فإنها لا تُبقي ولا تذر، وتقتل كل الإمكانيات المتاحة للأمة سواء المادية منها أو القدرات البشرية، وكم من أمة من الأمم أفِل نجمها بل وزالت من الوجود بسبب الترهل الذي سببه تراخيها عن مقارعة تلك الآفة.

ومن الثابت بأن الفساد الإداري والمالي هو أكبر معوق للتنمية، وقد ازداد الاهتمام بهذا الموضوع لأسباب متعددة، منها: (انفتاح الدول بعضها على بعض – سرعة انتشار المعلومات – زيادة مشاركة الشعوب في صنع القرار – تأثر مصالح الدول الصناعية والنامية من انتشار هذه الظاهرة).

ويذكر (موسى: 9) تعريف الإصلاح الإداري على أنه: " إدخال تعديل في تنظيمات إدارية قائمة، أو استحداث تنظيمات إدارية جديدة وإصدار الأنظمة والقوانين واللوائح اللازمة لذلك " وهناك بعض الآليات والسياسات والإجراءات التي يمكن إتباعها لتحقيق الإصلاح للقطاعات التي عانت من الفساد الإداري.

عدد من الآليات المقترحة وهي:

1. إصلاح النظام المصرفي والسيطرة عليه لمنع سارقي المال العام من الاختباء والتخفي فيه.

2. تكوين مؤسسات رقابية مستقلة تشرف على مراقبة العمل في الهيئات الحكومية والخاصة على حد سواء.

بعض الإجراءات، مثل:

3. الحد من البيروقراطية المعقدة الروتين والحد من وضع العراقيل أمام مصالح الناس، فهذا الأمر يجعل المواطن يلجا إلى طرق ملتوية لإنهاء معاملته وتيسير أمره الرشوة مثلا.

4. الردع القانوني.

5. تحسين الوضع المادي للموظف حتى لا يحتاج ويذهب لأخذ الرشوة.

أن هناك عددا من الإجراءات التي يجب إتباعها للحد من هذه الظاهرة، منها:

6. تطوير القواعد النظامية المطبقة.

7. تبني نظم حديثة توفر حماية أفضل.  

8. إزالة جميع المعوقات التي تمنع من الحصول على التعويض ومحاسبة الجاني.

9. الاهتمام بأخلاقيات الوظيفة العامة.

10. شعار الموظف العام بالمسؤولية الملقاة عليه.

11. تكثيف الجهود الخاصة بالتوعية الإدارية.

12. تفعيل دور التدريب العملي لكي يؤدي دوره في توجيه الموظف إلى سبل اكتساب الأخلاقيات الإدارية الحميدة والالتزام بها سلوكيا ومهنيا.

ومن الجدير بالذكر بالإشارة هنا بأن حالات الفساد الاداري التي تمارس في ظل السبب اعلاه يغلب عليها طابع النسبية نتيجة لتباين النظم القيمية المعتمدة في المجتمعات من جهة وتباين نظم وقواعد العمل الرسمية المعتمدة في اجهزتها الادارية من جهة اخرى.

استراتيجيات المعالجة:

ان من اهم الاستراتيجيات التي تطلبها الفساد الاداري والمالي والتي تؤدي الى الهدر المالي  هي:

1.       حشد السياسات الملائمة لاجتثاث الفساد السياسي والاداري بوصفه ظاهرة مدمرة لعملية التنمية الاقتصادية والسياسية.

2.       التدوير الوظيفي للمسؤولين الحكوميين بين فترة واخرى, لان بقاء المسؤول الإداري فترة طويلة في الموقع نفسه يتسبب في تفشي الفساد, لاسيما في المفاصل الرئيسية في الإدارة العامة كالجمارك ومديريات الشؤون المالية والمشتريات والمصالح العقارية والمؤسسات والشركات العامة.

3.       رفع مستوى اجور ورواتب العاملين في الدولة, واذا ما استمر مستوى الدخل على نفس المستوى على عدد من السنين , فإن الغدارات العامة ستخسر كوادرها المؤهلة والمدربة الى القطاع الخاص, وسيبقى في الادارة العامة الموظفين غير الاكفاء مما يؤدي إلى تراجع الانتاجية وتكريس الروتين واستنبات الفساد.

4.       العقوبات الرادعة لمرتكبي الفساد من الموظفين الحكوميين وموظفي القطاع الخاص والتشدد في تطبيق احكام القانون بحق المخالفين بالنظام العام

5.       ردم الهوة التي تفصل بين الاجراءات الادارية الرسمية وغير الرسمية , والتي تجعل من القاعدة استثناء , ومن الاستثناء قاعدة , وكلما اتسعت هذه الهوة اتسع معها الفساد والعكس صحيح.

6.       تحديث القوانين والتحقق من دقة القرارات الادارية وتطوير منظومة المسائلة لتحسين الخدمات الحكومية والحد من ممارسات الفساد.

7.       تفعيل دور الاجهزة الرقابية في الادارات كافة وتكثيف نشاطها وتخويلها بصلاحيات واسعة من اجل محاسبة المقصرين والمهملين, وملاحقة مرتكبي الفساد.

8.       سن تشريعات تلزم الموظفين بمراعاة اخلاقيات الوظيفة العامة ومتطلباتها.

9.       التخلص من المشاريع غير الكفؤة وتحديد الجدوى الاقتصادية للمشاريع الجديدة .

10.     وضع استراتيجية امنية من الحكومة للسيطرة على الاوضاع الامنية وخفض نفقات الامن لأعمار البلاد وانشاء جهاز امني قدير والتخلص من سيطرة المليشيات الطائفية.

11.     قدرة وجهود الحكومة على اقناع الدول المانحة بالإسراع في تلبية وعودها في تحقيق الرفاهية الاقتصادية واعمار البنى التحتية وتوفير الخدمات الانسانية للعراق .

12.     تطوير القدرات القيادية والادارية الحكومية حتى تستطيع دوائر الدولة المختلفة التفاوض في حل مشكلاتها ؟ والتنسيق بينها من اجل العمل الجماعي الموحد وتحقيق التكامل في اجهزة الدولة .

13.     تكوين رؤية واضحة من الحكومة في ظل تعدد القوميات ووجهات النظر السياسية في ادارة مؤسسات الدولة.

14.     رفد هيئة النزاهة بالخبرات والتخصصات المطلوبة لاداء اعمالها وزجهم بدورات في الدول التي لها باع في معالجة الفساد المالي وتوفير الحماية لهم.

15.     منح ديوان الرقابة المالية الصلاحيات والامكانات المطلوبة لاداء عمله في معالجة الفساد وعمليات الهدر والتلاعب المالي وتوفير حمايتهم.

16.     تطبيق القانون على الجميع سوء كان مسؤول كبير في الحكومة العراقية أو ألامربكية  وبما يتعلق بعمليات التفتيش والرقابة على العمليات المالية من هيئة النزاهة.

17.     عدم السماح للتدخل من أي جهة سياسية أو وزير معين لصالح من تثبت بحقهم عمليات تلاعب أو هدر مالي.

18.     الشروع بتنفيذ المشاريع يتم وفقا لدراسات الجدوى الاقتصادية وليس  لاجتهادات المسؤول غير المدروسة.

19.     تنفيذ المشاريع من اول مرة بشكل صحيح ويراعى فيها التكامل مع المشاريع الاخرى واولويات مراحل الانجاز.

20.     التخلي عن المحسوبية بإعطاء المشاريع من خلال وضع اجراءات وسياسات ادارية وقانونية فاعل والزام الجهات المنفذة التقيد بالمعاير والمواصفات الموضوعة ومحاسبة المخالفين.

21.     تحديد الصلاحيات الإدارية والمالية وحدود الصرف للمسؤولين. 

22. إعطاء دور فاعل لمنظمات المجتمع المدني في الرقابة الشعبية لمحاربة الفساد والهدر المالي .

23.     اعتماد الكشوفات المالية والمحاسبية لتوثيق العمليات المالية.

24.     استخدام التقنية الحديثة في المراقبة مثل الكاميرات والتسجيلات

25.     اعتماد اسلوب الشباك الواحد في مراجعة دوائر الدولة وتقليل الاتصال قدر الامكان مع الموظفين.

الفساد الإداري ودوره في تفشي البطالة

مقدمة

 لم تعد البطالة مجرد مشكلة بل أصبحت أزمة تهدد تماسك واستقرار المجتمعات وتدفع بعجلة التنمية إلى الوراء لاسيّما في الدول النامية، ومشكل التشغيل لم يجد حلا مناسبا له نتيجة العديد من الأسباب التي وقعت عائقا في وجه ذلك والتي تعددت وأحدثت اختلالات كبيرة في مجال الشغل، من بينها الفساد الإداري الذي أدى بمختلف أشكاله وأنواعه إلى خلق نوع معين من أنواع البطالة.

المحور الأول: مفهوم الفساد الإداري

إنّ للفساد الإداري تعريفات عدة فقد عرفه البنك الدولي بأنه إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص، فالفساد يحدث عندما يقوم موظف بقبول أو طلب، أو ابتزاز أو رشوة، لتسهيل عقد أو إجراء

طرح منافسة عامة كما يتم عندما يعرض وكلاء أو وسطاء لشركات أو أعمـال خاصـة تقديم رشوة للاستفادة من سياسات ، أو إجراءات عامة للتغلب عن المنافسين وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين المرعية، كما يمكن للفساد أن يحصل عن طريق استغلال الوظيفة العامة دون اللجوء إلى الرشوة ، وذلك بتعيين الأقارب أو سرقة أموال الدولة1ويرى آخرون أنّ للفساد الاداري ثلاثة مداخل هي

المدخل التقليدي : الذي يقوم على أساس أن الفساد هو مشكلة انحراف الأفراد عن النظام القيمي السائد والمعتمد في المؤسسات الحكومية ما يدفع الأفراد إلى ممارسة سلوكيات منحرفة.

المدخل الوظيفي: الذي يقوم على أساس أن الفساد هو مشكلة الانحراف عن قواعد العمل الرسمية المعتمدة وليس النظام القيمي.

المدخل بعد الوظيفي : وفق هذا المدخل يمكن أن يأخذ الفساد طابعا تنظيميا فالتطور الكبير أخذ يظهر أن الفساد ظاهرة متعددة الأسباب والأبعاد كما أن بلال أمين زين الدين قد عرف الفساد الإداري على أنه" كل ما يرتكبه الموظف العام إخلالاً بواجبات وظيفته العامة، سواء أكان باعتباره مواطن عادي أو باعتباره موظف عامل ، يمس الوظيفة العامة بشكل مباشر أو غير مباشر طالما أنه يؤثر بالسلب على مقتضيات وظيفته وسواء أكان الفعل أو التصرف مقنناً في قانون العقوبات باعتباره جريمة جنائية نص على عقوبتها، أم كان إخلالاً يترتب عليه جزاء  تأديبي

المحور الثاني: مفهوم الفساد الاداري والبطالة

فالفساد الإداري ورغم اختلاف الباحثين والمنظرين هو كل عمل مخالف للأخلاق والقانون، يرمي إلى الحصول على منفعة شخصية غير مشروعة، الأمر الذي يجعل منه منفذا لحصول بعض الأشخاص على مناصب عمل ليست من حقهم وحرمان آخرين يملكون الحق فيها، الأمر الذي يجعل هؤلاء يشعرون بالإحباط ويتأثرون نفسيا، لا سيما كلما تكرر ذلك ويفقد بعضهم الرغبة في العمل وهذا ما يسهم في وجود نوع من أنواع البطالة وهي البطالة الاختيارية.

كما أنه يسهم من جهة أخرى في جعل أناس يحتلون مناصب غير مناصبهم ولا تتناسب مع قدراتهم ولا مؤهلاتهم فلا يخدمون الوظيفة التي يحتلونها بأي شيء ولا يساهمون لا في التنمية ولا في تطور العمل الموكل إليهم، فيصبح شخصا يعمل وهو لا يعمل وهذا ما يسمى بالبطالة المقنعة.  

المحور الثالث: أسباب الفساد الإداري:  يمكن ذكر أبرز أسباب الفساد الإداري فيما يلي:

1-الأسباب الاقتصادية : يعتقد (OECD) أن العوامل الاقتصادية هي احد العوامل الرئيسية المسببة للفساد الإداري ، ويحدث الفساد عادة عندما ينعدم الشعور بالرقابة والمحاسبة، وعندما يحتكر موظف المنظمة العامة توزيع المزايا لتتم الاستفادة منها لاعتبارات خاصة. ويمكن جمعها فيما يلي.

-انخفاض مستوى دخل مرتكب جريمة الفساد بالمقارنة بمستوى التضخم أو الأسعار المحلية الأمر الذي يجعل الدخل الحقيقي له متدني لدرجة يعجز فيها عن إشباع احتياجات المعيشة الضرورية مما يلجأ إلى الرشوة أو الاختلاس أو الاتجار بالمخدرات وتزييف النقود للحصول على المال بطريقة غير مشروعة من مختلف الوسائل المتاحة للجريمة .

-تعتبر البطالة والفقر من أهم الأسباب الاقتصادية التي تدفع إلى الجنوح إلى الجريمة وإتيان أفعال الفساد

-ارتفاع درجة المنافسة الدولية بين الشركات العملاقة تؤدي إلى انتشار جريمة الجوسسة الاقتصادية خاصة في مجالات الصناعة .

2-الأسباب الاجتماعية: تساهم بعض النظم الاجتماعية المتوارثة في الدول النامية في وجود أبواب لحدوث الفساد خاصة في الجهاز الإداري للدولة ، حيث تنتشر عادات تقديم الهدايا الثمينة لكبار الموظفين للحصول على موافقتهم على أشياء غير قانونية ،

 كما أن اللواءات والانتماءات العائلية والقبلية يمكن أن تؤدي إلى انتشار الفساد ومخالفـة القواعد والقوانين واللوائح الحكوميـة فضلا عن التقاضي أو كف البصر عن كشف الفساد أو ملاحقته الأمر الذي يؤدي إلى استمرار حدوث الفساد وصعوبة مكافحته، ليصبح بمرور الوقت جزءاً من الثقافة المجتمعية في الدول الفقيرة خاصة تلك التي ترحب بالأموال غير المشروعة5.

3-الأسباب السياسية : يمكن رصد مجموعة من الأسباب ذات الطبيعة السياسية التي تؤدي على حدوث الفساد وتتمثل فيما يلي:

-الاستبداد السياسي

-العلاقة الوثيقة بين النظم السياسية الداخلية والمصادر الدولية للفساد

-تزاوج السلطة السياسية مع الثروة وتشابك المصالح والمنافع بين رجال السياسة ورجال المال والأعمال

4-الأسباب الإدارية:  تتمثل الأسباب الإدارية فيما يلي:

-ضعف الرقابة من خلال عدم قيام الأجهزة الرقابية بأدواتها المطلوبة .

- جهل المواطنين والعاملين في الأجهزة الإدارية- بروز علاقات اجتماعية قائمة داخل وخارج المنظمة

- انتشار اللامركزية دون إخضاع للرقابة المتبعة

- عدم وضوح التعليمات وصدورها دون وجود دليل يسهل تطبيقها تخلق الحيرة لدى الأفراد  مما يضطرهم إلى الاجتهاد الشخصي ومن ثم احتمال الانحراف وافتراق روح التعليمات.

- وجود هياكل تنظيمية قديمة أو غير ملائمة لطبيعة العمل وعدم توزيع الاختصاصات والمسؤوليات والصلاحيات بصورة عامة،

وتضخيم الجهاز بالعاطلين، كلها تؤدي إلى عجز الجهاز الإداري من مواكبة حاجات الجمهور وانحرافه عن الهيكل التنظيمي مما يضطر الجمهور بما يلاقيه من صعوبة في إرضاء دوافعه وإشباع رغباته للضغط على الأفراد ، وإغرائهم إلى إتباع سلوك بعيد عن قواعد العمل وأنظمته.

المحور الرابع: الفساد الاداري كسبب من أسباب البطالة

إن الفساد الإداري ظاهرة تنجم عن العديد من الأسباب لا سيما غياب الرقابة وعدم وجود قوانين صارمة تكافح الفساد، هناك أسباب أخرى ترجع إلى طبيعة الفرد في حد ذاته وتكون سببا في استغلال منصبه لأغراض غير مشروعة كغياب الضمير المهني وضعف الوازع الديني الأمر الذي يسهل من استغلال المناصب والسيطرة عليها بطرق غير مشروعة وإعطائها لغير أصحابها واحتكار الأقلية ويسمح ذلك بتفشي البطالة.

المحور الخامس: أنواع الفساد الاداري

 إن الفساد الاداري له أنواع عديدة يمكن تصنيفها إلى ما يلي:

-الرشـوة: تعـد الرشـوة من أخطـر الجرائـم ومن أسوأ أنمـاط الفساد الإداري التي يجب محاربتها والقضـاء عليها لما تشكلـه من أخطـار وتهديدات على المجتمعات.

-الاختلاس: وهو خيانة الموظف للأمانة المادية، النقدية أو العينية التي في عهدته، ويعرف الاختلاس كذلك بأنه " عبث الموظف بما أؤتمن عليه من مال عام بسبب سلطته الوظيفية ويطلق عليه أحيانا الغلول وهو خيانة الأمانة وأخذ الشيء في الخفاء وقد حرم الإسلام الغلول .

-العمولات مقابل الصفقات : والعمولة هي مقدار من المال يمثل نسبة مئوية من قيمة عقـد أو صفقة تجارية يحصل عليها الموظف بالتوقيع عليها نيابة عن مؤسسته، ويكون الطرف الثاني مقاول أو مورد أو مصدر أو من يقع في حكمهم.

-التهرب الضريبي

و الذي يأخذ شكلين، الشكل الأول يتمثل في استغلال المكلفين بالضريبة للتغيرات القانونية ولجوئهم للحيل التي تمكنهم من التخلص من الضرائب المستحقة دون أن يضعوا أنفسهم أمام المساءلة القانونية أما الشكل الثاني وهو التهرب الضريبي غير المشروع وهي الممارسات التي يخالف فيها الخاضعون للضرائب الأحكام القانونية بوسائل الغش والتزوير والرشاوى للهروب من الضرائب المستحقة.

-التزوير والتزييف فيعرف بأنه كل اصطناع لعملة تقليداً لعملة صحيحة، وكل تلاعب في قيمة عملة صحيحة ، كذلك كل ترويج أو إدخال من الخارج لعملة مزيفة إذا تمت هذه الأمور بقصد وضع العملة المزيفة في التداول والغش والإضرار.

-الابتزاز: وهو صورة أخرى من صور الفساد الإداري يمارسه بعض الموظفين وخاصة أولئك العاملين في الأجهزة السيادية أو الأمنية المسؤولة عن حماية ونشر الأمن والطمأنينة أو مراقبة النشاطات الاقتصادية أو غيرها من الأجهزة التحقيقية والتأديبية والعقابية كالسجون والمحاكم أومن قبل اللجان الانضباطية ونقاط التفتيش والسيطرة.

-التحيز والمحاباة: وهو أسلوب يتم من خلال توقع الفرد واحتلاله مكانة اجتماعية فيمنح الفرص الامتيازات للأقارب والأصدقاء على حساب الأشخاص ذوي الكفاءة والجدارة، كمحاباة المسؤولين القدامى مثلاً في قطاع الصحة لأجل أبنائهم لاقتناء واستيراد الأدوية لصالح المستشفيات.

- الوساطات: تعرف الوساطات بأنها إدخال طرف ثالث له إمكانيات اجتماعية للتأثير في نتيجة العلاقات الاجتماعية بين طرفي علاقة اجتماعية في موقف معين، كما عرفت على أنها الشفاعة لدى مسؤولي أو ولي أمر لرفع مظلمة، أو التوصل إلى حق ، أو جلب منفعة تضر بالآخرين، وتعد الوساطة صورة من صور الفساد الإداري إذا كانت تهدف على عمل غير مشروع.

-قبول الموظفين للهدايا والإكراميات من أرباب المصالح: وهناك تصرفات أخرى متعددة  قد يختلف البعض حول مدى خطورتها، إذ يدلل ظاهرها على البراءة وحسن النية لكنها تؤدي  في نتائجها إلى إفساد البعض دون سابق إصرار منهم أو ربما دون أن يشعروا بأنهم اقترفوا ذنباً.    -غسيل الأموال: غسل الأموال من أشهر ممارسات الفساد الدولي الشائعة في العديد من الأقطار وهناك العديد من الدراسات اهتمت بهذا الموضوع ، التي عرفت غسيل الأموال بأنه " التصرف في النقود بطريقة تخفي مصدرها وأصلها الحقيقي " كما يعرف بأنه " تمويه مصدر الأموال المكتسبة بطريقة غير مشروعة لكي تبدو وكأنها أموال مشروعة.

المحور السادس: أنواع الفساد الاداري والبطالة

إن أنواع الفساد الإداري تنتشر بنسب مختلفة، وتعتبر الرشوة والبيروقراطية أكثرها انتشار، كما أن معاملات التوظيف تتطلب الكثير من الشروط والتعقيدات والملفات الأمر الذي يصعب على الكثيرين تكملة ملفاتهم والالتحاق بمسابقات التوظيف ويتيح الفرصة في أغلب الأوقات لمن يلجؤون إلى طرق ملتوية كالرشوة و الوساطة لتسريع انجاز معاملاتهم و يبقى الآخرون ممن يملكون ذلك على حافة التوظيف فالإدارات تستغل الضغط الذي يعيشه المواطن لتعتمد نوع من أنواع الفساد لتوظفه فيجعل ذلك من الفساد سبيلا لتوظيف البعض.

كما أن بعض التصرفات التي تندرج ضمن الفساد تجعل المواطن يفقد الثقة في مصداقية عروض العمل فتقل نسبة تقدمهم له، و بما أن أغلبية الشباب البطال يفضل العمل في الوظيف العمومي لما له من امتيازات و تهربه من العمل في القطاع الخاص لما فيه من صعوبات، و عدم قدرته على العمل الحر فإن الأغلبية تبقى دون عمل بسب فقدان الثقة و تساهم بذلك في ارتفاع  نسبة البطالة.

وقد ركزنا على نوعين من أنواع الفساد و كيفية مساهمتها في تحقيق البطالة.

•الرشوة و البطالة:

تؤدي الرشوة إلى وجود بطالة احتكاكية فالشخص الذي يعتمد الرشوة، يبحث دائما عن العمل الذي يزيد أجره، فإذا كان هذا النوع من الأشخاص يعمل في مكان يصعب عليه الحصول على الرشوة فهو يبحث عن عمل أفضل بالنسبة له، الأمر الذي يسهل في زيادة البطالة الاحتكاكية.

•الاختلاس و البطالة: يعتبر الاختلاس أحد أنواع الفساد الإداري كونه يعد خيانة الموظف للأمانة المادية النقدية أو العينة التي في عهدته فيؤدي الأمر إلى استغلال الأموال العامة في مجالات أخرى ليست في صالح العمل الأمر الذي يقلل من عرض العمل ويؤدي إلى وجود فائض في الأشخاص الراغبين و القادرين على العمل و لكنهم لا يجدون وظائف بسبب أن الأموال اختلست، و هذا في حقيقة الأمر تؤدي إلى ظهور نوع آخر من البطالة و هو البطالة الظافرة أو الظاهرة.

تُشير كلمة "فساد" في اللغة العربية إلى العطب، وتأتي من الفعل: فَسَدَ، وهو بمعنى أعطب أو أنتن اللحم أو اللبن أو نحوهما، وتفاسد القوم أي تدابروا وقطعوا الأرحام، والفساد هو التلف والعطب والاضطراب والخلل وإلحاق الضرر.

 وفي التنزيل العزيز، يقول تعالى: ]ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ[ (سورة الروم: الآية 41)، ويقول تعالى: ]وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً[ (سورة المائدة: الآية 33). وهكذا تُشير كلمة "فساد" في اللغة العربية إلى كل سلوك يتضمن معاني الضرر والخلل والتلف وتقطيع أوصال المجتمع.

أما الفساد في اللغة الإنجليزية فيعني التلف وتدهور التكامل والفضيلة ومبادئ الأخلاق، وأيضاً الرشوة. وهكذا يتضح أن مفهوم الفساد في اللغة الإنجليزية يشير إلى السلوك الفعلي، الذي ينطوي على التلف والتدهور الأخلاقي.

وتأسيساً على ما سبق، يمكن القول إن الدلالة اللغوية لكلمة الفساد تعني: الإتلاف وإلحاق الضرر والأذى بالآخرين.

والتعريفات التي تناولت مفهوم الفساد عديدة ومتنوعة، وتختلف من باحث إلى آخر. وربما يرجع هذا التعدد إلى أن الفساد مفهوم مركب ومطاط وينطوي على أكثر من بعد؛ فضلاً عن غياب تعريف واحد متفق عليه بين جمهرة الباحثين،

 علاوة على أن هذا المفهوم يختلف من عصر إلى آخر، ومن مكان إلى آخر. كذلك يمكن أن تختلف النظرة إلى السلوك الذي تنطبق عليه خاصية الفساد طبقاً لدلالته؛ فالمحسوبية والمحاباة، على سبيل المثال، ربما يُنظر إليها على نحو مختلف تماماً في المجتمعات التي بها التزامات قرابيه، فضلاً عن صعوبة وضع معايير عامة تنطبق على ظاهرة الفساد في كل المجتمعات؛ لأن المعايير الاجتماعية والقانونية إذا انطبقت في بعض الجوانب،

 فإنها قد تكون متعارضة تماماً في جوانب أخرى في عديد من الدول والأمم المختلفة. في هذا الإطار يمكن تحديد أهم الاتجاهات الأساسية في تعريف الفساد على النحو الآتي:

1. الاتجاه الأول: الفساد هو إساءة الوظيفة العامة، من أجل تحقيق مكاسب خاصة

يؤكد أنصار هذا الاتجاه أن الفساد هو وسيلة لاستخدام الوظيفة العامة، من أجل تحقيق منفعة ذاتية ـ سواء في شكل عائد مادي أو معنوي ـ وذلك من خلال انتهاك القواعد الرسمية والإجراءات المعمول بها. ومن هذه التعريفات على سبيل المثال، تعريف كريستوفر كلافان، الذي عرّف الفساد بأنه "استخدام السلطة العامة من أجل تحقيق أهداف خاصة"، وأن تحديد هذا المفهوم ينشأ من خلال التمييز بين ما هو عام وما هو خاص.

ويأتي في هذا الإطار، أيضاً، تعريف كوبر Kuper بأن الفساد الإداري هو "سوء استخدام الوظيفة العامة أو السلطة للحصول على مكاسب شخصية أو منفعة ذاتية، بطريقة غير شرعية". وقد سار على المنوال نفسه كثير من الباحثين في ربط الفساد الإداري بإساءة استخدام الوظيفة العامة؛

فيرى روبرت بروكس Brooksأن الفساد الإداري هو "سلوك يحيد عن المهام الرسمية لوظيفة عامة بهدف الحصول على منافع خاصة؛ أو أنه الأداء السيئ المقصود، أو تجاهل واجب محدد معروف، أو الممارسة غير المسموح بها للسلطة،

 وذلك بدافع الحصول على مصلحة شخصية مباشرة بشكل أو بآخر. وهكذا يتبين أن هذا الاتجاه يوضح أن السلوك المنطوي على الفساد ليس بالضرورة مخالفاً لنصوص القانون، وإنما يعني استغلال الموظف العام سلطته ونفوذه لتحقيق مكاسب خاصة، وذلك من خلال تعطيل نصوص القانون، أو من طريق زيادة التعقيدات البيروقراطية في تنفيذ الإجراءات، أو انتهاك القواعد الرسمية.

2. الاتجاه الثاني: الفساد هو انتهاك المعايير الرسمية والخروج على المصلحة العامة

يركّز هذا الاتجاه على أن السلوك المنطوي على الفساد هو ذلك السلوك الذي ينتهك القواعد القانونية الرسمية، التي يفرضها النظام السياسي القائم على مواطنيه. ويُعد جارولد مانهايم Manhiemمن أهم العلماء المعبرين عن هذا الاتجاه القانوني.

 عرف مانهايم الفساد بأنه "سلوك منحرف عن الواجبات والقواعد الرسمية للدور العام، نتيجة للمكاسب ذات الاعتبار الخاص (سواء شخصية أو عائلية أو الجماعات الخصوصية)، والتي تتعلق بالثروة أو المكانة. أو السلوك الذي ينتهك الأحكام والقواعد المانعة لممارسة أنماط معينة من التأثير والنفوذ ذوي الطابع الشخصي الخاص".

وكذلك تعريف هينتجتون للفساد الإداري بأنه "سلوك الموظف العام الذي ينحرف عن القواعد القانونية السائدة، بهدف تحقيق منفعة ذاتية".

وعلى الرغم من أهمية هذا النوع من التعريفات للفساد، إلا أنها لا تعبر بالضرورة عن كل أشكال الفساد عن الخروج على القانون؛ إضافة إلى أن التعريفات القانونية للفساد غير كافية؛ لأن المميزات المحددة غالباً ما تحدد من خلال العرف الاجتماعي والعكس بالعكس؛ فضلاً عن ذلك فإنه من الصعب وضع معايير عامة للسلوك المقبول، خاصة في الدول الأكثر عرضة للتغير السياسي والاجتماعي.

3. الاتجاه الثالث: الفساد كأوضاع بنائية هيكلية

ينظر هذا الاتجاه إلى الفساد بوصفه نتيجة مجموعة من الاختلالات الكامنة في الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع. وعلى هذا الأساس فلكي يتم الكشف عن أسباب الفساد ومظاهره داخل المجتمع، يجب تحديدها داخل البناء الاجتماعي الشامل.

 ومن أهم التعريفات التي تمثل هذا الاتجاه تعريف عبدالباسط عبدالمعطي، الذي يرى أن الفساد "أسلوب من أساليب الاستغلال الاجتماعي المصاحب لحيازة القوة الرسمية داخل التنظيمات الإدارية، وهو نتاج لسياق بنائي قائم على العلاقات الاستغلالية التي تؤثر في صور هذا الفساد ومضموناته وموضوعاته وأطرافه، التي يُستغل فيها دوماً من لا يحوزون القوة والسلطة بجوانبها المختلفة، خاصة الاقتصادية والسياسية".

وعلى هذا يُلاحظ وجود علاقة جوهرية بين الفساد البنائي والفساد السلوكي؛ فوجود النمط الأول يزيد من احتمالات حدوث النمط الثاني بالضرورة، حيث إن السعي إلى تغيير البناء الاجتماعي يرتبط –غالباً- بمجموعة من التوترات والاختلالات، التي تتضمن ألواناً عديدة من الفساد السلوكي داخل المجتمع.

بعد عرض الاتجاهات الثلاثة السابقة في تعريف الفساد بشكل عام، يمكن تحديد مفهوم الفساد الإداري بوصفه "استغلال رجال الإدارة ـ العاملين في كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها ـ للسلطات الرسمية المخولة لهم والانحراف بها عن المصالح العامة،

 تحقيقاً لمصالح ذاتية وشخصية من أجل الحصول على مزيد من المكاسب بطريقة غير مشروعة".

والفساد الإداري بهذا المعنى ينطوي على صور عديدة، أهمها:

• استغلال المنصب العام للصالح الخاص، أو ما يُسمى: الفساد الذاتي لرجال الإدارة Auto- Corruption.

• تقاضي الرشوة Bribe.

• العمولات Commission.

• الاختلاس Misappropriation.

• محاباة الأقارب Nepotism.

• المحسوبية Patronage.

• التهرب من الضرائب.

• بيع المناصب العامة نظير مقابل مالي.

إن هذه الصور المعبِّرة عن الفساد الإداري، توجد على مستويات مختلفة في كل النظم، سواء في المستويات العليا من السلطة التنفيذية، أو بين موظفي الجهاز الإداري، أو في جميع المستويات العليا والوسطى والدنيا من الجهاز البيروقراطي، بل وفي جميع الأنشطة الحكومية المختلفة.

ويتسم الفساد، عامة، بخاصية أساسية، وهي الممارسة السرية الماكرة للسلطة الرسمية، في ظل التظاهر بالقانونية أو الشكل القانوني؛ فالغرض الحقيقي لسوء استخدام السلطة يظل دائماً سراً خافياً.

أسباب الفساد الإداري ومنابعه الأساسية

ترجع الأسباب الأساسية للفساد الإداري إلى شبكة معقدة من العوامل الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، التي توحد هذه العوامل المسببة للفساد معاً في مُركَّب واحد، تتداخل عناصره وأبعاده على المستوى الواقعي، بحيث يصعب التمييز بينها تمييزاً واضحاً. ومن أهم هذه الأسباب:

1. الأسباب الاقتصادية للفساد الإداري

تلعب العوامل الاقتصادية السائدة في بعض المجتمعات دوراً مؤثراً في انتشار قيم الفساد وتغلغلها في أحشاء المجتمع. وتزداد فاعلية هذه العوامل، بصفة خاصة، في الدول التي تتبنى سياسة إنمائية رأسمالية محورها التركيز على اعتبارات النمو الاقتصادي الحر، دون الاهتمام بتحقيق عدالة في التوزيع. ويترتب على ذلك ظهور شرائح اجتماعية جديدة تملك الثروة دون أن يكون لها نفوذ سياسي، عندئذ تلجأ تلك الشرائح إلى استمالة أصحاب النفوذ السياسي باستخدام أساليب فاسدة، كالرشوة والعمولات والإغراءات المختلفة التي تُقدم للمسؤولين، بهدف الحصول على تأثير سياسي مباشر يتمثل في عضوية المجالس النيابية.

2. الأسباب السياسية للفساد الإداري

يتفق أغلب الباحثين على أن أكثر النظم إفرازاً للفساد الإداري ومظاهره هو النظام الديكتاتوري الأبوي Patrimonial Rule، الذي يتركز في شخصية حاكم مستبد مستنير يتمتع بسلطة مطلقة ـ تصل –عادة- إلى حد الاستبداد الكامل ـ وتحيط به نخبة محدودة من أهل الثقة، الذين يتصفون بالولاء الكامل لشخصه، ويعملون على إجهاض روح المبادرة والرقابة الشعبية والإدارية، ما يشجع على ظهور صور الفساد المختلفة. والهدف الأساسي للفساد هو القضاء على الشفافية والمنافسة، وخلق شريحة أو فئة محظوظة ومسارات داخلية سرية. والفساد بهذه الصورة مضاد للديموقراطية؛ فكما يقولون: السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.

3. الأسباب الاجتماعية والثقافية

تُعد العوامل الاجتماعية والثقافية سبباً له أهميته الخاصة في نشأة الفساد الإداري وانتشاره داخل المجتمع. وتؤكد بعض القيم الثقافية التقليدية السائدة في الدول النامية على فكرة العائلة الممتدة، وارتباط الفرد بعائلته وأقاربه وأصدقائه وأبناء قريته التي ينتمي إليها؛ ولذلك يتوقع منه في حالة توليه منصباً إدارياً مهماً في الجهاز الإداري بالدولة، أن يقدم خدماته لهؤلاء الأفراد الذين تربطه بهم صلات خاصة. وتتمثل هذه الخدمات في إيجاد الوظائف وفرص التعليم والحصول على مزايا عينية وأدبية، ويصل الأمر إلى مخالفة القانون أو مبدأ تكافؤ الفرص، من أجل محاباة الأهل والأصدقاء، ما يترتب عليه ظهور قيم الفساد بكافة صوره في ممارسة الوظيفة العامة.

4. الأسباب الإدارية والقانونية للفساد الإداري

يحدث الفساد الإداري، في كثير من الأحيان، نتيجة لاعتبارات إدارية وقانونية، تتمثل في غياب الأبنية والمؤسسات، فضلاً عن عدم وجود القوانين الرادعة للفساد.

 ويؤدي هذا إلى إطلاق يد العناصر البيروقراطية ـ وخاصة العناصر العليا منها ـ في تنفيذ ما تراه محققاً لمصالحها الخاصة، مستخدمة في ذلك الأساليب المتنوعة للفساد الإداري.

 وهذا ما يؤكده أرثر لويس قائلاً: "إن الشخص حينما يكون متقلداً منصباً وزارياً في الدول النامية، تكون لديه فرصة حياته لتكوين الثروة من خلال اللجوء إلى الفساد واستغلال النفوذ"؛ إضافة إلى اتجاه القادة الإداريين لاستغلال مناصبهم العامة في تحقيق مصالحهم الذاتية، وتكديس الثروات وتقاضي الرشاوى والعمولات،

 أو من خلال الأساليب التي يلجأ إليها أصحاب رؤوس الأموال الخاصة ـ المحلية والأجنبية ـ لحماية مصالحهم وتجاوز الإجراءات الروتينية المعقدة للإدارات البيروقراطية، بتقديم الرشاوى والعمولات إلى مديري تلك الإدارات.

ويترتب على هذه الأوضاع ظهور الفساد في ممارسة الوظيفة العامة. ويصدق هذا الوضع على الدول النامية؛ فكما يقول جونار ميردال في تحليله للفساد الإداري في دول جنوب آسيا، فإن "الرشوة صارت من الحقائق الثابتة في الأجهزة الإدارية في هذه الدول،

حيث تعاني كل الإدارات الحكومية والوكالات والشركات العامة ومكاتب التصدير وإدارات الضرائب، من انتشار الرشوة على نطاق واسع، بحيث يمكن القول إنه متى أُعطيت السلطة لأي موظف، سيكون هناك مجال للرشوة، والتي من دونها لا يسير دولاب العمل الإداري".

وهكذا، فإن البُعد الإداري -بمعنى ضعف الأنظمة الإدارية والقانونية في مواجهة الفساد- فضلاً عن عدم الاتساق بين النظام الإداري ومتطلبات الحياة الاجتماعية، يمكن أن تكون من مسببات الفساد المهمة داخل المجتمع.

ولا شك أن انتشار صور الفساد الإداري، وما يرتبط بها من ضعف الانتماء والشعور بالهوية الوطنية، يقود إلى عدة احتمالات، مثل:

 قلة الكفاءة في الأداء، وإضعاف القواعد القانونية، واهتزاز صورة الشرعية القانونية، وتقليل قدرة المؤسسات على ممارسة وظائفها على الوجه الأكمل.

 كما أنه في ظل ممارسات الفساد تتراجع معايير الكفاءة والقدرة على الأداء، كشرط لشغل المناصب داخل المؤسسات، نتيجة لانتشار المحاباة والمحسوبية، ويصل إلى المؤسسات مَن لا يتمتعون بالمهارات والكفاءات المطلوبة،

ما يؤدي إلى انخفاض قدرة المؤسسات وكفاءتها. ومن هنا يربط بعض الباحثين بين انتشار قيم الفساد وعدم الكفاءة، وانتشار المحسوبية والمحاباة، وظاهرة هجرة الكفاءات العلمية والفنية، التي تُعرف بظاهرة "نزيف العقول" Brin Drain.

الخاتمة

يبقى الاهتمام الجدي بتحديد أسباب الفساد الاداري والأنواع المنتشرة منه وما ينتج عنها والسيطرة عليها أمرا ضروريا وحتميا للسيطرة على البطالة  والتخفيض منها لكنه يتطلب الاهتمام بأسباب أخرى مساعدة لذلك من أجل مواكبة عجلة التنمية.

تعتبر ظاهرة الفساد الإداري والمالي من الظواهر الخطيرة التي تواجه البلدان وعلى الأخص الدول النامية وما لها من تأثير كبير على عملية البناء والتنمية الاقتصادية والتي تنطوي على تدمير الاقتصاد والقدرة المالية والإدارية وبالتالي عجز الدولة على مواجهة تحديات أعمار أو إعادة أعمار وبناء البنى التحتية اللازمة لنموها .

ولقد لاقت هذه المشكلة موضع اهتمام الكثير من الباحثين والمهتمين واتفق على طريقة وضع وتأسيس إطار عمل مؤسسي الغرض منه تطويق المشكلة وعلاجها من خلال خطوات جدية محددة ، الغرض منها مكافحة الفساد بكل صوره ومظاهره والعمل على تعجيل عملية التنمية الاقتصادية من خلال إعداد الدراسات والبحوث اللازمة لغرض متابعة ومعالجة الفساد المالي والإداري الذي بدا وما يزال ينخر في جسد الدولة العراقية وبشكل واضح وما يتبعه من إعاقة في عملية إعادة الأعمار والتنمية الاقتصادية . وقد تضمنت المحاضرة  تحديد مفهوم الفساد الإداري والمالي وتحديد مظاهره المختلفة والتركيز على إعادة المفصولين والمتضررين السياسيين كمظهر مهم له والجهات المسؤولة على مكافحة الفساد في العراق .

 جريمة نهب البنية التحتية العراقية و تدميرها اذ تقدر خسائر العراق مباشرة جراء الحرب العدوانية والاحتلال  لأكثر من450 مليار دولار. قال جون هامر رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية و الدولية الواقع في واشنطن: ((هناك عملية نهب هائلة تهدف الى تجريد أي شيء يعتقد ان له قيمة داخل العراق لنقله الى الخارج. انه سلب نظامي للبلد)).

 وظلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تراقب بإحكام صوراً للأقمار الصناعية الملتقطة لمئات من المواقع العسكرية والصناعية في العراق. وكانت نتائج تحليلها مريعة حسب ما قال جاك باوت، مدير مكتب التحقيق النووي في العراق التابع للوكالة الدولية ((ان اكثر من 10 مباني و مجمعات قد اختفت بالكامل من الصور الملتقطة)). و قال نحن نرى مواقع قد تمت إزالتها تماما. وقد تم التوصل إلى مجموعة من الاستنتاجات التي تؤيد إن الفساد الإداري والمالي ظاهره قديمة أصابت الجهاز الإداري في العراق منذ نشأة الحكومة العراقية في العشرينيات حتى القرن الماضي واستفحلت بعد انقلاب 1968 وزادت بدرجة كبيرة بعد إحداث 9/4/2003 ودخول قوات الاحتلال ويعود السبب إلى افتقار المراقبة والمسائلة (المحاسبة) ابتداء من الإدارات العليا بحيث أصبح العراق ثالث دولة من حيث تفشي الفساد .

من التوصيات أهمها ضرورة وضع المناهج التربوية والثقافية عبر وسائل الأعلام المختلفة لغرض إنشاء ثقافة النزاهة وحفظ المال العام من خلال تعميق دور الإدارة العليا من خلال تكثيف الجهود لتطويق مشكلة الفساد والسيطرة عليها والمعالجة لتفادي عودة المشكلة من خلال اتخاذ قرارات حاسمة الغرض منها مكافحة الفساد والحد منه .


عن الكاتب

Sayed saber

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مجلتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المجلة السريع ليصلك جديد المجلة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على زر الميكروفون المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الطريق الآخر لحياة أفضل