خوارج العصر
الدكتور عادل عامر
إن كون الإنسان متدينًا باذلاً عابدًا متقشفًا زاهدًا تاركًا للدنيا منطلقًا إلى الجهاد في سبيل الله -أو ما يظنه جهادًا في سبيل الله- يذكر الله في كل حين، إن كون الإنسان بهذه الصورة المثالية في العبادة والتضحية يتكلم بالآيات والأحاديث، ثم بعد ذلك يحمل معه فكر التكفير والقتل وسفك الدماء المحرمة، بل والتلذذ بالقتل لهو من الفتن العظيمة.
كون الإنسان بهذه الصورة الدينية الإسلامية الظاهرة، ثم يتبنى عجرفة وكبرًا مقيتًا وعنادًا عريضًا يجعله يستصغر كبار العلماء، ولو كانوا مستقلين لا رابط بينهم وبين دولهم، ويسفّه آرائهم، بل قد يكفّرهم ولا يرى كلام علماء الدنيا كلها صوابًا إلا ما صدر عنه هو وحده، أو وافق رأيه على صغر سِنّه وضحالة علمه.
كون الإنسان بهذه الصورة يُعَدّ من الطوام في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ويعد شبهة كبيرة لدى كثير من الناس.
أن أول فرقة أُطلق عليها هذا الاسم هي تلك التي ظهرت في عهد علي رضي الله عنه، فإن الذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه هم كذلك خوارج عصره، وأول خارجي في الإسلام ظهر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، واسمه ذو الخويصرة التميمي، الذي رفض قسمة النبي لغنائم إحدى الغزوات،
وقال له: اعدل يا محمد، فرد عليه الرسول قائلًا: «ويلك من يعدل إن لم أعدل أنا»، ثم تنبأ عليه الصلاة والسلام بظهور الخوارج، وذكر بعض صفاتهم، وحث على قتالهم بقوله: «طوبى لمن قتلهم أو قتلوه».
قاتل «علي» الخوارج، وكانت هذه منقبة من مناقبه الكثيرة، إلا أنه لم يُكفرهم، وإنما قاتلهم لدفع ظلمهم باعتبارهم أهل بغي، وقال في حقهم: «قومٌ بغوا علينا»، بعد أن كفَّروا المسلمين وسفكوا دماءهم، علمًا بأنه لم يقاتلهم إلا بعد أن حاورهم، وأقام عليهم الحجة والبرهان،
وأرسل إليهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه لمناظرتهم، فرجع منهم من رجع، وأصرَّ منهم من أصر. ولو مددنا الخط على استقامته لوجدنا أن الخوارج موجودون في كل زمان ومكان، وفي كل عصر ومصر، مثلما هم موجودون في عصرنا هذا تحت أسماء مختلفة، ولكن بفروق تصب لصالح الخوارج الأولين أو القدامى،
فخوارج العصر لا يملكون من التدين الظاهر والتزام العبادات والمناسك ما كان يمتلكه آباؤهم وأجدادهم، من عبادات كان يحقر الصحابة رضي الله عنهم عبادتهم إلى جوارها.
كما أن الخوارج الأولين كانوا يقاتلون من أجل الدين، ولديهم شبهات يسهل إزالتها بالدليل والبرهان؛ لأنهم في الأصل أهل دين، لذا رجع منهم الكثير حينما حاورهم «علي» و«ابن عباس» رضي الله عنهما، أما خوارج العصر فهم جهال يقاتلون لأجل الدنيا والحكم والسلطة، لكنهم يغلفون ذلك بغلاف ديني.
الخوارج لا يعرفهم كثير من الناس لأن أهل البدع بصفة عامة لا يستطيع تمييزهم عامة الناس إلا إذا كانوا أهل منعة وشوكة أو أن يكونوا منعزلين عن المخالفين لهم، هؤلاء الذين انحرفوا عن الاسلام، وخرجوا عن جَادةِ الصواب؛
يعتقدون أنهم إذا ما فَجَّر الواحدُ منهم نفسَهُ، إذا ما أورد الواحدُ منهم نفسهُ حتفَهُ، إذا ما قتلَ الواحد منهم نفسهُ منتحرا ... فما هي إلا طَرفةُ العين أو انتباهها أو ما أقلَّ من ذلك حتى يخرجَ من هاهنا إلى الجنَّةِ بأنهارِها وحورِ عِينها على حسبِ أوهامهم وخرافاتهم، ولكن هذا لكم إنْ قتلوكم، فما يضرُّكم لو ثَبَتُّم؟
إنكم إنْ ثَبَتم أمام أولئك المجرمين فلن يضروكم شيئا، ((كلما طلع قرنٌ منهم قُطع)) كما قال الرسول. فليفجِّروا وليُدَمِّروا وليُخَرِّبوا وليُقتِّلوا. قتلاهم -كما قال رسول الله-: ((شرُّ قتلى تحت أديم السماء، وقتلاكم ـ إنْ قتلوكم ـ خيرُ قتلى تحت أديم السماء)).
لقد استغلوا الشباب وأضعفوهم حتى يكونوا جنوداً ضالين، كالذين سبقوهم من الإرهابيين الذين بايعوا إبليس وأعوانه، وخالفوا الشرع في طاعة الله ورسوله وأولي الأمر، وبايعوا من لا يستحق، وبثوا الفتن والخروج على ولاة الأمر.. هكذا أرادها صانعوا الإرهاب، وهكذا ابتلي المسلم في دينه وشكك في إسلامه.
والخوارج هم من خرج على الإمام المسلم المُتفق على إمامته الشرعية في أي زمان فيرون الخروج على أئمة المسلمين وحكامهم فيما لا يجوز الخروج عليهم من أجله كما خرجوا من قبل على علي بن أبي طالب وغيره من أئمة المسلمين والخوارج ومن على شاكلتهم من الدواعش يرون التكفير بالعموم وتكفير الشعوب المسلمة واستحلال دماء المسلمين وأموالهم .
وكانت الخوارج فرقة مارقة ظهرت بوادرها في عهد النبي صل الله عليه وسلم على يد ذو الخويصرة التميمي أول ظهور هذه الفرقة كجماعة كان أثناء معركة صفين فقد عارضوا التحكيم وهتفوا ( لا حكم إلا لله ) فسموا ( المحكمة ) ثم خرجوا على علي رضي الله عنه فسموا ( خوارج ).
وللأمانة العلمية ليس كل من قاتل المسلمين يكون خارجياً فقتال المسلمين يكون عن تأويل ويكون فتنة ويكون لدنيا ويكون بغياً ولغيرها من الأسباب ونجد الأقرب إلى الخارجية في يومنا هذا هم الرافضة الشيعة والدواعش وكل ذنب لهم قام بشق عصا المسلمين واستحل دمائهم وأموالهم وأعراضهم .
والمجاهدون حقاً في هذا الزمان هم أقرب إلى الطائفة المنصورة من أكثر المسلمين ولا يجوز لأحد وصفهم بالخوارج فلا أحد غيرهم يقاتل الكفار وهم لا يكفرون الشعوب ولا يكفرون بالذنوب ولا يوادعون أعداء الإسلام ولم يخرجوا علي حاكم شرعي في أقطار المسلمين .
فالخوارج قد عاثوا في الأرض فسادا وسفكوا الدماء وقطعوا السبل واستحلوا المحارم وكان من جملة من قتلوه الفاروق عمر بن الخطاب والبكاء من خشية الله عثمان بن عفان والإمام علي بن أبي طالب وعبد الله بن خباب صاحب رسول الله صل الله عليه وسلم أسروه وامرأته معه وهي حامل فذبحوه وجاؤوا إلى امرأته
فقالت إني امرأة حبلى ألا تتقون الله فذبحوها وبقروا بطنها عن ولدها وما زالت خياناتهم وأيديهم الملطخة بالدماء تتوالى إلى يومنا هذا حتى قتلوا في بداية رمضان خيرة من حماة الوطن البواسل من جهاز المخابرات العامة إلى أن أنتصف رمضان
فقتلوا من يحمي عرى المسلمين وحدودهم ثمانية منهم إلى أن وصلوا إلى نهاية رمضان وختموها بالتفجير بمدينة رسول الله صل الله عليه وسلم وقد قال عنها في الحديث الصحيح من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا .
وإقتضت سنة الخوارج على أن يقوموا بأعمالهم الداعشية الإرهابية الإجرامية التفجيرية الدموية في رمضان كما فعلوا على مر السنين الماضية منذ عصر النبوة إلى الآن .
والخوارج موجودون حتى يخرج في عراضهم الدجال فهم فرقة ستستمر وتظهر فترة بعد فترة وكلما ظهرت طائفة منهم قطعت حتى يلحق آخرهم بالدجال كما جاء بالحديث الشريف فالخوارج والروافض والدواعش
ومن على شاكلتهم من فرق الضلال لم يجري الله على أيديهم خيراً ولم يفتحوا من بلاد الكفار قرية ولم يرفعوا للإسلام راية وما زالوا يشتتون ويفرقون الصف والكلمة ﻭﻳﺴﻠﻮﻥ ﺍﻟﺴﻴﻒ ﻋﻠﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻳﺴﻌﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ مفسدين
أسأل الله تعالى السلامة وأن يحفظنا ويحفظ بلادنا من انحرافات أهل الغلو والجفاء والتطرف والإرهاب إنه نعم المولى ونعم النصير .
لان كون الإنسان متدينًا باذلاً عابدًا متقشفًا زاهدًا تاركًا للدنيا منطلقًا إلى الجهاد في سبيل الله -أو ما يظنه جهادًا في سبيل الله- يذكر الله في كل حين، إن كون الإنسان بهذه الصورة المثالية في العبادة والتضحية يتكلم بالآيات والأحاديث، ثم بعد ذلك يحمل معه فكر التكفير والقتل وسفك الدماء المحرمة، بل والتلذذ بالقتل لهو من الفتن العظيمة.
نسأل اللهَ أن يُسلِّم وطننا وجميع أوطان المسلمين، إنه تعالى على كل شيءٍ قدير، وأن يُنجيَنا جميعًا من مُضلاتِ الفتن ما ظهر منها وما بطن. وأنْ يأخذَ على أيدي المجرمين المفسدين وأنْ يُمكِّنَ منهم أجمعين.