الطريق الآخر لحياة أفضل الطريق الآخر لحياة أفضل
recent

آخر الأخبار

recent
الدورات التدريبية
جاري التحميل ...

الحياة الايجابية في زمن كورونا


الحياة الايجابية في زمن كورونا

الدكتور عادل عامر

أصابت نتائج تفشّي الفيروس البشر كأفراد وجماعات، والدول ككيانات بحدّ ذاتها، لذا كان تأثيره أفقياً في العلاقة بين الأفراد في ما بينهم ومع محيطهم الضيق والواسع على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي،

وفي علاقتهم بحكوماتهم في ما يُسمّى بالعقد الاجتماعي البشري، وعمودياً بين الدول في علاقاتها في ما بينها في ما يتعلّق بالدورة الاقتصادية والعلاقات الدبلوماسية والتعاون الدولي أو ما يُسمى بالعقد الاجتماعي الدولي.

في السلبيات يأتي على رأس اللائحة، وفاة بعض المصابين بكورونا. وقد توفي حتى الآن بسببه ما يقارب الـ200 ألف شخص خلال أشهر قليلة.

هذا الموت الذي يصل فجأة، أشاع موجة من الحزن على مستوى العالم، هو حزن فردي مباشر للأفراد الذين يموت أقرباؤهم بعد أيام عدّة من الإصابة، وهو حزن جماعي عالمي، لأن الموت المعمّم في كل مكان ينشر طاقته حتى على الأصحّاء من البشر.

وما يزيد تعقيد الأمر أن الإصابة بكورونا قد تقع بطرق غير متوقعة عبر التواصل أو لمس الأشياء، وأن مصابين كثراً قد لا تبدو أعراض المرض عليهم، وبذلك تعيش الجماعة الضيقة في المجتمع، والجماعة البشرية العامة في حالة هلع مستديم، بسبب توقّع وصول الفيروس في أي لحظة.

وهنا، يصبح التباعد الاجتماعي أمراً إجبارياً قبل أن يكون وقاية مفروضة على الجميع، وكذلك الحجر الصحي في المنازل.

فالهلع الذي يتسبّب به هذا الوباء الخفيّ المتنقّل يفرض على الأفراد قطع التواصل المباشر مع الآخرين، والاختباء أكبر وقت ممكن حتى قبل أن يكون الأمر مفروضاً من قبل السلطات.

وهذه العزلة المستجدّة لا بد من أنها ستؤدي إلى نتائج سلبية كثيرة، فالكائن البشري اجتماعي بكينونته، والعزل هو بمثابة سجن اختياري أو إجباري، ويتسبّب بالتوقف عن العمل، أي تأمين لقمة العيش، وتوقف المبادلات بين الأشخاص في المجتمع، وإلى الانعزال بالنفس وما ينتج من ذلك من آلام قد تكون قاسية على عددٍ كبير من الأفراد.

فقد توصّل الباحثون عبر عشرات الدراسات إلى وجود علاقة ثابتة بين العزل الاجتماعي والاكتئاب والقلق والتفكير في الانتحار. وبما أن البشر يشعرون بأمان أكبر داخل مجموعات، فإنُ العزلة ينظر إليها كحالة طوارئ جسدية، وفق تصريحات للجراح العام الأميركي فيفيك مورثي.

"على مدى آلاف السنوات، أصبحت قيمة التواصل الاجتماعي مخبوزة في نظامنا العصبي، بحيث أن غياب مثل هذه القوة الواقية يخلق حالة إجهاد (stress) في الجسم". على المستوى الفردي،

 وبحسب علماء النفس، فإنّ الوباء العالمي، أسهم في انكشاف مسائل حياتية تفصيلية كانت قد أضحت مهملة من قبل الجميع. فالعزل أو الحجر أعاد إلى البطء في العيش قيمته، بعدما باتت الحياة اليومية للأفراد تسير بوتيرة سريعة تدخلهم في دوامات الكآبة.

عدا عن تحوّل في معنى علاقتهم بالطبيعة والحياة، فقد أعاد العزل المنزلي إلى الطبيعة الخارجية بترابها وشجرها وسمائها وبحرها، قيمتها التي كاد إسمنت المدن وهوس العمل يخفيها نهائياً، ثم أعطى للحياة معنى أقوى لدى الأفراد، إذ يقول بعض علماء النفس، إنه في المرحلة المقبلة سيعمل كل فرد على استغلال كل لحظة في حياته على وجه الأرض، لأنه عاش تجربة فقدانها نهائياً.

ثم تغيّرت مفاهيم العلاقة بالعائلة وتحديداً مسنّيها. فبعدما كادت العائلة كوحدة أساسية في تشكيل المجتمعات تذوي وتختفي في كثير من المجتمعات وعلى رأسها المجتمعات الصناعية، ها هم الأفراد يفتقدون إلى تلك العلاقات الحميمة بعدما ذاقوا طعم فقدانها، وباتوا يعطون أهمية للمسنين في العائلات الذين حوّلهم الفيروس إلى الفئة الأكثر هشاشة والأكثر تضرّراً منه.

والإيجابية الأهم هي عودة الأفراد إلى أنفسهم خلال انعزالهم، عبر الوجود مع الذات والتعرّف بها، بعدما كادت ساعات العمل اليومية الطويلة أن تقطع علاقة الشخص بنفسه الداخلية. وكذلك أدت إلى تقارب بين أفراد العائلة الصغيرة في المنزل، أي الأم والأب والأولاد،

وانتشرت طرائف كثيرة، عن طلب الزوج الزواج من زوجته بعدما تعرّف إليها خلال الحجر، أو إعجاب الأم والأب بأولادهما وذكائهم وهواياتهم خلال الحجر، وكأنهم كانوا غرباء عنهما قبله.

وهناك نقطة اجتماعية مهمة أفرزتها هذه الأزمة، ممثلة في الترابط الاجتماعي بين مختلف شرائح المجتمع من مواطنين ومقيمين، والتفاف الجميع خلف قيادتنا الرشيدة، التي تدير الأزمة باحترافية عالية، وظهور المجتمع كله كتلة واحدة رغم تعدد الثقافات واللغات، فهذه الأزمة وحدتنا جميعاً، وهذا من أهم المكاسب الاجتماعية والدروس المستفادة.

أظهرت الأزمة الحاجة إلى التوجه للتعليم المهني بشكل أكبر، وتنشئة جيل قادر على التعامل مع متطلبات المستقبل في التعلم عن بعد، ما يكسبه مهارات تحتاج إليها أسواق العمل، إضافة إلى نقطة مهمة متمثلة في رفع الكفاءة الطبية وحسن إدارة الأزمات دون الانتظار لحدوثها. لا يفهم الإيجابية إلا من مرت عليه ظروف صعبة جداً واستطاع تخطيها بالتحلي بالإيجابية والصبر والعقلانية. واليوم يمر العالم كله بامتحان صعب، والظروف الصعبة تخيم فوق رؤوس الجميع من دون استثناء،

 وبالتالي الإيجابية ضرورية، وقد تكون سهلة المنال بالنسبة إلى البعض، لأنها جزء من الشخصية المتفائلة، وقد تكون أصعب من حيث التطبيق بالنسبة إلى الأشخاص الذين يرون القسم الفارغ من الكوب. إذن، ما الإيجابية؟

وكيف يمكن التحلي بها؟ وإذا كنتم إيجابيين، كيف يمكنكم المحافظة على الشعور الجيد من دون العيش في وهم السعادة غير الحقيقية؟ منذ أن أحكم فيروس «كورونا» قبضته على المجتمعات، لا نسمع أبداً بكلمة إيجابية، ربما لأن البعض يرى أنه من غير المنطقي التحلي بالإيجابية في وقت يعيش فيه العالم في زنزانات منفردة. ولكن وحسب الإخصائيين النفسيين، هذه هي الفترة الواقعية لكي نكون إيجابيين للتماشي مع التغيرات التي طرأت على حياتنا.

تبين في بحث سيكولوجي نُشر على موقع حكومي في بريطانيا، أن الشعور الإيجابي يتغلب على ضرر التوتر والعصبية وتبعاتها. في كل أزمة هناك مستفيد وخاسر، وهذا الأمر متعارف عليه، ونفس الشيء ينطبق على الناس، هناك من يرى الأشياء الجيدة في قلب الأزمات على عكس الذين يعانون من مشكلات نفسية إضافية.

أول سؤال يجب طرحه على نفسك هو: إذا اكتأبت من الوضع، هل سيكون هذا هو الحل؟ وثانياً: إذا أبديت انزعاجك من الحاصل، هل ستنتهي الأزمة؟ الجواب طبعاً «لا»، ولهذا السبب ينصح الإخصائيون النفسيون بخلق اللحظات البسيطة التي تجعلهم يشعرون بالامتنان.فمن الناحية الطبية، تبين أيضاً أن الناس الذي يتمكنون من التأقلم في أي ظرف لا يصابون بأمراض ما بعد الأزمات، وقد تكون مشكلات في القلب وغيرها.

وبما أن العزل هو صفة «كورونا»، فهذه فرصة حقيقية لاختيار الاتصال بالأشخاص الذين يُشعروننا بلحظات الفرح، لا تستقبلوا اتصالات أصحاب النظرة السوداوية (بـ«كورونا» أو من دونها)، فكِّروا بالأشياء الجيدة التي خلقها الفيروس، مثل الوقت الذي وهبه لنا لنقضيه في بيوتنا مع أحبابنا، تقوية مناعتنا البدنية من خلال الاهتمام أكثر بما نأكله ونتناوله من فيتامينات، تنشق هواء أنظف، سماع صوت العصافير الذي كان يحجبها ضجيج الطائرات في الجو.

وبما أننا نتكلم عن الإيجابية في قالب طبي، فإن أصحاب النظرة السوداوية يتعرضون لمشكلات في الجهاز التنفسي بنسبة تزيد على 2.9% عن الأشخاص الإيجابيين. ويقولون بأن كل غيمة سوداء مبطنة بالأمل، وهذا يفسر الإيجابية التي نتكلم عنها. هناك شعرة رفيعة ما بين الشعور الإيجابي أو الانغماس في عالم مظلم وكئيب، وهذا قرار شخصي، لا يساعدك عليه إلا نفسك.فإذا كنت من الذين تؤثر عليه النشرات الإخبارية السلبية، فخفّف منها، وهذه هي فرصتك الآن، لأن القرار في التحكم بعدد الساعات التي تستخدم فيها هاتفك الجوال، في يدك.من أفضل ما يمكن أن تعده إيجابياً في هذه الفترة، هي القدرة على الاختيار والتحكم بحياتنا أكثر، وعدم هدر طاقاتنا على أشياء وأشخاص غير أهل ذلك.

الإيجابية في حدودها الطبيعية مطلوبة وأساسية في وقتنا هذا، الأزمة لن تبقى على هذا الحال إلى الأبد، سيعود العالم إلى حاله ما قبل «كورونا» ولكن الأمر المأساوي قد يكون فعلاً إذا عاد الناس إلى عاداتهم القديمة دون الاتعاظ من الدرس وأخذه كعبرة تساعدهم على تخطي أي أزمة أخرى تواجههم في المستقبل.

 


الدكتور عادل عامر

دكتور القانون العام

عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان

مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية

مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي  للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا

مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية

مستشار تحكيم دولي         محكم دولي معتمد      خبير في جرائم امن المعلومات

نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي  لحقوق الانسان والتنمية

نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا

عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة

عضو منظمة التجارة الأوروبية

عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان

محاضر دولي في حقوق الانسان

01118984318

01555926548

01024975371

01277691834






عن الكاتب

Sayed saber

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مجلتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المجلة السريع ليصلك جديد المجلة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على زر الميكروفون المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الطريق الآخر لحياة أفضل