التعلم عن بعد التحديات الاسرية والطلابية في ظل ازمة كورونا
الدكتور عادل عامر
زمن "كورونا" يسلط الضوء على منظومة التعليم في العالم العربي كما لم يحدث من قبل. هذه المرة لا يأتي التسليط نتيجة اجتماع وزاري لعرض الخبرات وتبادل التحيات. كما لا يأتي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أنظمة تعليم ضربتها كوارث؟ وهي لا تأتي بقرار من جامعة الدول العربية لبحث ضمان الجودة أو العدالة في التعليم. الأضواء هذه المرة تنبئ بخطورة لكنها تكشف حقائق وربما تحمل فرصاً. لكن الفرص لا تأتي إلا بعد المكاشفات والتقييمات.
فرض تحدي فيروس «كورونا» على المدرسة والأسرة تكاملاً في أدوارهما المحورية لا سيما بعد اعتماد التعلم الهجين (عن بعد وحضورياً) من أجل إعداد أجيال المستقبل والإقبال على تجربة تعليمية تحقق الاستفادة القصوى لكافة الأبناء.
إن مسؤولية الأسرة باتت مضاعفة، لأنها تمثل جهة الإشراف المباشرة على الطالب أثناء تلقيه الدروس عبر قنوات «التعلم عن بعد»، كما أن تداعيات الجائحة الصحية فرضت أدواراً ومسؤوليات جديدة زادت من أعباء أولياء الأمور مادياً ونفسياً ومعنوياً، مطالبين ذوي الطلبة ببث الروح الإيجابية في نفوس أبنائهم بعيداً عن لغة التشاؤم والسلبية.
حتى الأمس القريب جداً، كانت كلمة "إي كي بي" تعاني التجاهل والتقاعس والاستهزاء. اليوم صارت "إي كي بي" طوق نجاة وقبلة حياة. "إي كي بي" أو "بنك المعرفة المصري"، الذي تعرّض لـ"هبد" غير مسبوق و"رزع" غير معقول منذ تأسس في يناير (كانون الثاني) عام 2016 هو واحدة من كبريات المكتبات الرقمية في العالم تمنح موارد غير محدودة للمصريين حصرياً. لكن لم تلتفت لها الغالبية حتى ساعات قليلة مضت.
كما تواجه الأسر تحدي المتطلبات المرهقة من قبل بعض المدارس الخاصة كإلزامها بشراء الكتب المدرسية الورقية والأجهزة الإلكترونية التي تحوي النظام التعليمي المستخدم، بما فيها الكتب الإلكترونية، وتكليف الأسر شراء أدوات التعقيم ومستلزمات الحماية لأبنائهم خلال التعليم الواقعي، إضافة إلى فرض شراء الزي المدرسي وارتدائه أثناء التعلم عن بعد.
أن عقد المدرسة وولي الأمر يعد الإطار القانوني الذي يضمن حقوق ومسؤوليات الطرفين فيما يتعلق بمختلف الجوانب وثيقة الصلة بتعليم أبنائهم، ويتضمن العقد قسماً كاملاً يغطي الرسوم الإلزامية، وكذلك الرسوم الاختيارية الإضافية، حيث تلتزم المدارس الخاصة بالرسوم المنصوص عليها في العقد الذي يوقّع عليه ولي الأمر، وما يتضمنه من بيانات تفصيلية للرسوم المعتمدة من الهيئة.
أن كل مدرسة خاصة تلتزم بالرسوم الدراسية الواردة في عقد المدرسة وولي الأمر، ولا يحق لأي مدرسة إجبار ولي الأمر على سداد رسوم خدمات اختيارية كالخدمات غير التعليمية وغيرها. بأنه خلال أزمة كورونا تضاعف دور ولي الأمر في تجربة جديدة على الميدان التربوي بكافة أطرافه، حيث تضاعفت المسؤوليات لدى الجميع وباتت أكثر تشعبا، ما أدى إلى نجاح الفصل الدراسي الثالث من العام الماضي حيث كانت دولة الإمارات من الدول القليلة التي نجحت في التعليم عن بعد
وتم استكمال العام الدراسي وهي شهادة إنجاز وحق وإجلال لجهود الأطراف التعليمية من طالب وولي أمر ومدرسة ومؤسسات تعليمية، تقاعس أي طرف من أطراف العملية التعليمية يقوض التجربة ولا تخرج بالشكل الذي خرجت عليه. أن تعاون البيت والمدرسة هو سر نجاح العملية التعليمية ودون ذلك لا يمكن تحقيق المطلوب، مشيرة إلى أن التعلم عن بعد الذي يتم تطبيقه حاليا كبديل عن التعليم المباشر قد يواجه بعض التحديات لا سيما إذا كان ولي الأمر في العمل والطالب بمفرده بالبيت، أو برفقة أشقائه ما يجعل عملية التركيز صعبة.أن التحدي الآخر هو زيادة الأعباء ومحدودية الوقت، إذ يتطلب تزامن قيام ولية الأمر بواجبها كمعلمة وفي ذات الوقت مباشرة الإشراف على مدى التزام أبنائها بالتعلم عن بعد بمستوى تفاعلي جاد وجيد
. إن العملية التعليمية بكافة أبعادها هي عبارة عن معادلة متفاعلة العناصر تتقاسم أدوارها أطراف عدة أبرزها الأسرة والمجتمع، وجميع هذه الأركان تتعاون في تأدية رسالة التربية والتعليم على خير وجه للوصول إلى النتائج المرجوة، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال توثيق الصلات بين البيت والمؤسسة التعليمية.على الرغم من الاستعدادات الدقيقة والمشددة التي قامت بها الهيئات التعليمية والجهات المعنية بالتعليم، إلا أن خيار التعليم عن بعد يعتبر الأفضل، إذ أثبت نجاحه في الفصل الدراسي الثالث من العام الدراسي الماضي.
أن الجيل الحالي أكثر استخداماً للتقنيات، وبالتالي، وجود كتب إلكترونية وتوظيفها لتسيير العملية التعليمية، وتحديداً في هذا الوقت بالذات، أمر في غاية الضرورة، كونه يساعد على تطبيق إجراءات وتعليمات الوقاية من خطر الإصابة بفيروس «كورونا» المستجد، لافتين إلى أن العديد من المدارس، باشرت بتطبيقه في السنوات القليلة الماضية، لكنها قطعت أشواطاً حالياً لتحويل كافة كتبها إلى إلكترونية، عقب تداعيات الجائحة.
أن التحول نحو استخدام الكتب الإلكترونية، خطوة مهمة نحو اعتماد نظام تدريسي وتعليمي أكثر تطوراً، مشيراً إلى وجود خطة موضوعة لهذا العام، من أجل استخدام المناهج والكتب الرقمية، سيتم تطبيقها للعام الدراسي الحالي.
إن المناهج الرقمية، هي الأسهل استخداماً بحالات التعلم الهجين والتعلم عن بعد، حيث يتاح للطالب والمعلم وولي الأمر، الدخول لمنصة تعليمية تفاعلية، تضم إلى جانب الكتاب الرقمي، مجموعة ممتازة من مصادر التعلم التفاعلي، أن ذلك يأتي من جانب إجراءات السلامة والصحة، كما أن استخدام الكتب الرقمية، يساعد على التباعد، وعدم مشاركة أي من الكتب بين الطلاب.
أن الأسرة والمدرسة هما الشريكان الأساسيان في العملية التعليمية ولا يمكن لمسيرة التعليم وتحديداً حالياً أن تحقق التقدم المطلوب من دون تفهم كل طرف دوره والمسؤوليات المطلوبة منه على وجه التحديد، مشيراً إلى أن التعلم عن بعد يبقى حالياً هو الخيار الآمن لعدم تعريض حياة الطلبة لخطر الإصابة بكوفيد 19، ولكنه يرى أن التحديات تبرز بصورة كبيرة لدى القطاع الخاص
حيث كثرة عدد الأبناء، وقلة الأجهزة وضعف شبكة الإنترنت ما يؤدي إلى انقطاعات متتالية تحرم الطالب من تلقي ومتابعة دروسه بصورة سلسة إلى جانب ضعف السيطرة على الأطفال الذين لا يهتمون بالحصص وينشغلون باللعب والحوارات الجانبية.
أن العملية التربوية معادلة تتقاسم الأدوار فيها عدة أطراف وأهمها الأسرة والبيت والمجتمع، بحيث تتعاون جميعها في تأدية هذه الرسالة وصولاً إلى النتائج المرجوة. نلاحظ في وقتنا الحالي أن برامج التطوير التربوي أصبحت تتضمن أبعاداً جديدة، وكان من أهمها إعطاء الدور الأكبر لأولياء الأمور للمساهمة في دعم العملية التعليمية والمساندة والمتابعة المستمرة لتحصيل أبنائهم العلمي،
وكذلك دعم دور المدرسة التي لا تستطيع تطوير عملها وتحقيق أهدافها والمضي قدماً من دون عمل مخطط وجهد منظم ومشترك مع أولياء الأمور. بأن التعلم عن بعد له تحديات ممكن تجاوزها في حال تم التعاون بين المدرسة وأولياء الأمور، أن الإدارة الناجحة لها دور كبير في جذب الطالب ورفع مستواه بالتواصل المستمر مع ولي الأمر.
بعض التحديات في نظام التعلم عن بعد ومنها فئة الطالب الذي لديه صعوبات تعلم ومواجهته مشكلات مع استخدام تقنية التعلم عن بعد لأنهم يحتاجون لتعلم فردي، كما أنها تبدي تخوفاً من التنمر الإلكتروني التي يتعرض له بعض الطلبة وتعدي البعض من خلال المحادثات الكتابية
ما قد يسبب آثاراً جسيمة على بعض الطلاب، داعية إلى ضرورة التواصل بين المدرسة والبيت ولا سيما الأخصائيين الأكاديميين ووضع قوانين رادعة لمثل هذه السلوكيات. أن عقبة أخرى تواجه نظام التعلم عن بعد وهو عدم التزام الطلاب الأنشطة الرياضية وحرمانهم من الأنشطة الفنية وعدم الاهتمام بمواهب الطلبة التي تلعب دوراً جوهرياً في صقل الشخصية.
إن التعليم الخاص شريك أساسي في العملية التعليمية وله دور لا يقل أهمية عن دور التعليم العام، وقد تم وضع الإجراءات الضابطة لعمل جميع المدارس عبر توفير بيئة تعلم آمنة للطلبة، مؤكدة أن تعاون الأسرة والمدرسة يسهم في رفع التحصيل الدراسي وضبط السلوك الطلابي.
أن دور أولياء الأمور تغير حالياً وباتت هناك مهام ومسؤوليات جديدة أضيفت إلى أدوارهم المعتادة إذ باتت أكبر وأعمق وأشمل في حماية الأبناء والآخرين من العدوى وانتشار المرض.
بأنه لا يمكن عزل أولياء الأمور عن المدرسة، وأولياء الأمور والمدرسة عن المجتمع، ويجب أن يكون هناك تعاون تام وتنسيق وتواصل مستمر مباشر بين الأهالي والمؤسسات التعليمية على اختلافها لأن هذا التكامل والتعاون يعول عليه بجعل المسؤولية مشتركة والأدوار واضحة، والمحصلة توفير البيئة التربوية الآمنة الصحية السليمة للطلبة والعاملين في الميدان.
أن أول دور مناط بولي الأمر هو حماية الأبناء عن طريق التثقيف ورفع الوعي الذي يجب أن يتم داخل الأسر على اختلاف أعمار الأطفال عبر قصص مشوقة وتوعية مغلفة بحب ومسؤولية ضرورة اعتماد الأهل على معلوماتهم من قبل الجهات المسؤولة، وتوصيلها إلى الأبناء، بحيث تكون التوعية في إطار ودي وتعريف الطلبة لماذا عليهم التقيد بالاشتراطات لحماية أنفسهم والآخرين. ولأن سبل الاتصال بهذه المنصات يتم عبر الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المتصلة بالإنترنت،
ولأن نسبة كبيرة من الطلاب القابعين في بيوتهم لا سيما في القرى غير متصلين بالإنترنت، فقد لجأت الوزارة إلى بث الحياة مجدداً في القنوات التلفزيونية التعليمية التي يشرح معلموها المناهج للسنوات الدراسية المختلفة، وهي القنوات التي كانت ذائعة الصيت في عصور ما قبل الإنترنت وعهود ما قبل الدروس الخصوصية.
الكثير يفرض نفسه على واقع التعليم العربي في ظل "كورونا". خليجياً، يبدو الأمر أخفّ وطأة. وفي السعودية تحديداً، هناك من خاض تجربة التعلم عن بعد في زمن ما قبل "كورونا". فكلا النظامين - التقليدي وعن بعد- يسهمان في العملية التعليمية، ولكن قليلين هم من فضلوا "التعلم عن بعد".
اليوم وفي زمن كورونا، أصبح التعلم عن بعد واقعاً في ظل قرارات تعليق الدراسة. بدأ نمط جديد للتعليم، حيث تقع المسؤولية على الطالب والأهل، مع الأخذ في الاعتبار أن متطلبات التعلم عن بعد مرهقة للكثير من الأسر، لا سيما تلك التي تعيش في أماكن نائية. العملية التعليمة تعتمد في الأساس على المعلم الذي تقع على عاتقه القدرة على توصيل المعلومة للطلاب وجذبهم والتفاعل معهم أثناء العملية التعليمية.
"المعلم الجيد قادر على إيصال المعلومة عبر التعلم عن بعد كقدرته على إيصالها في عملية التعليم التقليدية"، أن "عدم قدرة المعلم على توصيل المعلومة للطالب عن بعد يعني فشله في الأسلوب التقليدي أيضاً"
توصيات
01 استحداث قنوات تواصل مباشر بين المدرسة وأولياء الأمور
02 مرونة أكبر من المدارس وتفهم ظروف الأسر العاملة.
03 إخضاع من يعانون ضعفاً في استخدام التقنيات لدورات تدريبية.
04 زيادة الرقابة على الأبناء خلال التعلم عن بعد.
05 تحقيق التوازن والاستقرار النفسي للطلبة داخل المنزل.
06 إحكام الرقابة لمنع تجاوزات بعض المدارس.
الدكتور عادل عامر
دكتور القانون العام
عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم دولي محكم دولي معتمد خبير في جرائم امن المعلومات
نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا
عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة
عضو منظمة التجارة الأوروبية
عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان
محاضر دولي في حقوق الانسان
01118984318
01555926548
01024975371
01277691834