الغرب طوال تاريخه علماني وثني وثنية بشرية! (1)
-- بقلم/مصطفى إنشاصي
أحد الأصدقاء طلب توضيح ما ورد في منشور سابق لي: بأن الغرب طوال تاريخه علماني!
العلمانية واللادينية هي الأصل في تاريخ الغرب؟!
إن الغرب من حيث المبدأ هو علماني طوال مراحل تاريخه، يقول أرنست كاسيرر: أن "الشواهد الإنثروبولوجية والإنثولوجية، تجد مناطق كثيرة من الحياة الحضارية البدائية تتمتع بالملامح المشهورة التي توجد في حياتنا الحضارية، وما دمنا نزعم تخالفاً مطلقاً بين منطقنا ومنطق العقل البدائي، وما دمنا نعتبر المنطقتين مختلفتين نوعاً متضادتين أصلاً، فليس من السهل علينا أن نعلل لذلك التشابه في الملامح الحضارية. حتى لتجد دائماً في الحياة البدائية نفسها منطقة دنيوية أو أرضية خارج المنطقة المقدسة، وهناك موروث دنيوي يتألف من قواعد العرف أو القانون يُعَين الطريقة التي تسير بها الحياة الاجتماعية"
أما الآلهة الإغريقية والرومانية لم يكن لها علاقة بتنظيم شئون حياة الناس، والجانب الدنيوي كان شبه منفصل تماماً عن الجانب الأخروي أو المقدس، يقول محمد أسد عن آلهة الرومان: نعم كان لهم آلهة ولم تكن آلهة تقليدية "لم تكن سوى محاكاة شاحبة للخرافات الوثنية اليونانية لقد كانت أشباحاً سُكِتَ عن وجودها حفاظاً للعرف الأجنبي ولم يكن يُسمح لها قط بالتدخل في أمور الحياة الحقيقية".
ويؤكد ذلك (سيسرو) الذي عبر عن الانفصال العميق بين الدين ونظام الحياة عند الرومان بقوله: "لما كان الممثلون ينشدون في دور التمثيل ما معناه أن الآلهة لا دخل لهم في أمور الدنيا يصغى إليها الناس ويسمعونها بكل رغبة". وذلك ما أكده الراهب (أوغسطين): "إن الروم الوثنين كانوا يعبدون آلهتهم في المعابد ويهزأون بهم في دور التمثيل".
بل إن الفيلسوف الروماني أبيقور (4 ق.م) أعلن على الملأ دعوة علمانية صريحة: "إن الآلهة لا يشغلون أنفسهم بأمور بني البشر، لأن مسائل العالم الأرضي لا تعنيهم، وما من علامة تدل على أنهم يعنون بعقاب الآثم وإثابة الصالح! ويقول: "إن الآلهة يعيشون بعيداً عن العوالم ولا يهتمون إلا بشئونهم فلا تعنيهم أمورنا. هم لا يعيروننا بالاً فلنفعل نحوهم كما يفعلون نحونا"! يعني كانت آلهتهم شكلية كزينة أو ديكور!
فكارل ماركس عندما قال: دعونا من معركة السماء وأن معركتنا هنا على الأرض، أو معركتنا ليست في السماء ولكنها هنا على الأرض. كان يعيد أوروبا إلى وثنيتها الأولى، وتلك العبارة قالها أبيقور: أن الآلهة في السماء تتصارع فيما بينها ولا تهتم بنا، فدعونا من ماذا تريد وما لا تريد، ولنرى نحن ما نريد!
ولأن آلهة الإغريق والرومان لم تكن تشرع لهم شيئاً، فقد كان من الضروري أن يقوم بشر متألهون بمهمة وضع نظم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، لذلك أله الفلاسفة الإغريق العقل، وبرز إلى الوجود (القانون الروماني)، أما النظم الأخلاقية وقوانين الآداب العامة، إن وجدت، فكانت أبيقورية محضة.!
لذلك علينا تصحيح الفهم الخاطئ عن مفهوم العلمانية والدين في المجمعات الشرقية والغربية، فالأديان البدائية والآلهة في المجتمعات الشرقية وغيرها لم تلغي الجانب الدنيوي في الحياة الإنسانية، ولم يسيطر الفكر الديني على جميع مناحي الحياة في تلك المجتمعات، وكانت تترك منطقة دنيوية للإنسان حق التصرف فيها بما يراه مناسباً لصلاح حياته، ويمكنه من خلالها أن يلعب دوراً في تنظيم شئون حياته الدنيوية.
أما الأديان في المجتمعات الغربية، لم تكن الآلهة تتدخل البتة في شئون حياة أتباعها، وكانت تعيش تلك المجتمعات ومازالت حياة علمانية لا دينية بكل ما تعني الكلمة من معنى، والدين أمر شخصي تعتقد أو لا تعتقد ذلك أمر خاص بالفرد! بمعنى معاصر؛ أن الغرب عرف فصل الدين عن الحياة، أو العلمانية (اللا دينية)، منذ عصور وجوده الأولى.
يتبع....
تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في مجموعة "Nasher Sahafi" في مجموعات Google.
لإلغاء الاشتراك في هذه المجموعة وإيقاف تلقي رسائل الإلكترونية منها، أرسل رسالة إلكترونية إلى NasherSahafi+unsubscribe@googlegroups.com.
لعرض هذه المناقشة على الويب، انتقل إلى https://groups.google.com/d/msgid/NasherSahafi/CAJ1YmRHkwnXB8sckmuGRC5un6pv0mTdoXAvL_vGFdQoPQcLTUw%40mail.gmail.com.