في سورة الإسراء: أرضان ووعدا آخرة! (٣-٣)
مصطفى إنشاصي
﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾
في الآية الكريمة يخبرنا الله تعالى بصغر نفسية اليهود والذل والهوان الذي هم عليه بعد غضب الله عليهم وانقطاع مدده لهم لكثرة ما ارتكبوا من معاصي وقتل لأنبياءهم، فلم يبقَ لهم بعد انقطاع حبل الله تعالى إلا حبل من الناس. وذلك ما عمل عليه اليهود قرون طويلة من تقطعهم في الأرض وتشتتهم، عملوا فيها على مسارين:
الأول: اختراق عقائد الشعوب، وتدمير وتفكيك مجتمعاتهم أخلاقيا وقيمياً,..
الثاني: تطوير مفهوم الخلاص المسيحاني من العودة مع المسيح الدجال آخر الزمان إلى العودة بجهود اليهود أنفسهم، وذلك ما حققه فكر حركة القبالاه اليهودية.
القبالاه حركة يهودية بدايات نشأتها في الأندلس في القرن التاسع لمواجهة بعض اليهود الذين بدأوا يتخلون عن العقائد العنصرية اليهودية تحت تأثير غزو الحضارة والثقافة الاسلامية لعقولهم وعقائدهم، وتدعو لمحاربة الاندماج، وتؤكد على امتياز اليهود على غيرهم ممن هم في منزلة دون منزلتهم، وأن خلط الدم بالزواج عصيان لله تحل عقوبته في الأولاد والأحفاد حسب نقاء سلالتهم، وهاجمت الشتات وألحت على ضرورة عودة صياغة الروح الصهيونية وتجميع اليهود في فلسطين، وتُشكل رؤاها الدينية للخلاص الخلفية الدينية والفكرية للحركة الصهيونية.
كان القباليون قبل الطرد من أسبانيا يصبون اهتمامهم حول كيفية بداية الخليقة، محاولين الوقوف على مكوناتها الأولية وجذورها الأساسية. وكان الخلاص عندهم هو معجزة خارقة تؤدي إلى خلاص العالم عندما يظهر المسيح ويشع بضوءه على العالم بأركانه الأربعة.
أما بعد الطرد من أسبانيا فقد فسرت القبالاه طردهم كما فسر (حزقيال) الابتلاء بالسبي البابلي، أنه هو فلسفة (يهوه) إله اليهود في تطهير (شعبه المختار) قبل إعادته إلى فلسطين. وكذلك القبالاه قد اعتبرت الطرد من أسبانيا بدايات آلام مخاض المسيح التي ستنهي التاريخ وتبشر بالخلاص، وأن الطرد هو أسلوب الرب (يهوه) في تطهير (شعبه المختار).
وقد جاء تطوير فكرة الخلاص المسيحاني من العودة آخر الزمان مع المسيح الدجال سلمياً إلى العودة على بجهود اليهود على يد إسحق لوريا أحد القباليين الأسبان الذين هاجر إلى مدينة صفد بفلسطين. حيث وضع تفسيره لكيفية بداية الخلق التي خلص فيها إلى معرفة الكيفية التي سيحدث بها الخلاص. والتي سيلغي فيها دور المسيح اليهودي وإن كان سيبقى على رمزيته، ولم يجعل عودته شرطاً للخلاص! كما ستلغي قبالاه لوريا دور المسيح اليهودي في تحقيق الخلاص فإنها سوف تضع الأسس الأولى لعقيدة الاسترجاع النصرانية!
تدعي القبالاه "أن كافة شعوب الأمم الأخرى يتلقون ضياءهم في هذا العالم دفعة واحدة إلا أن ذلك الضوء ينسحب عنهم تدريجياً حتى تقوى إسرائيل وتدمرهم. وعندما تذهب روح الدنس عن العالم ويشع نور الرب على إسرائيل حينئذ ستعود كل الأشياء إلى أصولها الأولى في حالة الكمال التي كان عليها الكون في بداية الخليقة". دعوة إلى إبادة الشعوب الأخرى أو تقليل عدد سكان الأرض كما يحاولوا الآن!
وتصل قبالاه لوريا إلى ذروة الاستعلاء والعنصرية حينما تربط مصير الكون كله بمصير بني إسرائيل. مدعية "أن العالم الحاضر يقع في حالة من الشتات وأن ذلك مرتبط بشتاتهم، وبالتالي يجب على بني إسرائيل أن تصلح ذلك الصدع الكوني وهو شيء يمكن أن يقوم به كل يهودي وذلك بإتباع التوراة ووصاياها".
وبعد أن كانت عودة اليهود إلى فلسطين عودة سلمية مع المسيح آخر الزمان لم يعد مجيء المسيح الدجال شرطاً لتحقيقها، وأنه يمكن أن تتحقق بجهود اليهود!
وبعد أن كانت عودة المسيح في عقيدة النصارى أيضاً عودة سلمية آخر الزكان، بعد أن نجح اليهود في اختراق وأحدثوا الانشقاق الكبير في الكنيسة الكاثوليكية على يد مارتن لوثر وآخرين، وأسسوا المذهب البروتستانتي النصراني ظاهراً والتوراتي باطناً، وتبنى رؤية حركة القبالاه اليهودية أساساً اعتقادياً له، أصبحت عودة اليهود (شعب الله المختار) إلى (أرضه المختارة الموعودة) شرطاً لعودة المسيح آخر الزمان، وبدء زمن الألفية السعيدة، ودخول اليهود بعدها في النصرانية!
وهكذا انقسم العالم الغربي اليهودي النصراني إلى طائفتين:
طائفة يهودية تؤمن بالعودة السلمية مع المسيح آخر الزمان، وطائفة نصرانية تؤمن بعودة المسيح بإرادة إلهية آخر الزمان، وهو لا يؤمنون بالصهيونية ولا يدعمونها.
وطائفة يهودية تؤمن أنه ليس شرطاً مجيء المسيح ليعيدنا إلى فلسطين لكن نستطيع العودة بجهودنا، وطائفة نصرانية (البروتستانت) يؤمنون بأن إعادة اليهود إلى فلسطين شرطاً لعودة المسيح.
وصدق الله تعالى عندما أخبرنا أن اليهود والنصارى ليسوا كلهم سواء وحذرنا من الموالاة والتحالف بين بعضاً من النصارى وبعضاً من اليهود، وهذا البعض وذاك البعض هم الصهاينة التوراتيين المؤمنون بخرافات التوراة عن (العودة) و(إقامة الدولة) و(هدم المسجد الأقصى) و(إعادة بناء الهيكل المزعوم) و(نصب العرش) و(اعتلاء ملك يهودي من نسل داود ليحكم العالم)!
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ {المائدة:51}.
إن كانت قراءتي وفهمي لآيات القرآن الكريم وصياغتها في هذه الرؤية صحيح فذلك توفيق من الله، وإن كانت خطأ أو جانب بعضها الصواب فهو تقصير وقلة علم مني، وفوق كل ذي علم عليم ...
تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في مجموعة "Nasher Sahafi" في مجموعات Google.
لإلغاء الاشتراك في هذه المجموعة وإيقاف تلقي رسائل الإلكترونية منها، أرسل رسالة إلكترونية إلى NasherSahafi+unsubscribe@googlegroups.com.
لعرض هذه المناقشة على الويب، انتقل إلى https://groups.google.com/d/msgid/NasherSahafi/CAJ1YmRGiJg89zOm0LT8NoZh__nnSZFnn2p6swD_TJS7M%2B_61CA%40mail.gmail.com.