الغرب والإسلام
دراسة واعية للتاريخ ومحاولة لفهم الواقع (7)
مصطفى إنشاصي
أبدأ سلسلة الحلقات ذات العلاقة بالعنوان أعلاه بفقرات من كتاب (رسالة دكتوراه) بعنوان: أسامة بن منقذ، للأخ والصديق الدكتور رياض عبد الله أبو رأس، أسأل الله تعالى أن يكون هو وأهله وجميع أهلنا في غزة بخير:
إن الدراسة الواعية للتاريخ لا تأتي من خلال قراءة سريعة لأحداث التاريخ دون الوقوف على فهم تلك الأحداث بما يخدم مستقبل الإنسان وحركته. فالتاريخ هو ذاكرة الأمة، ومستقبل أي أمة، يتوقف على مدى فهمها لماضيها وعدم تجاوزه. وكذلك القدرة على التكيف معه والتعامل مع أحداثه وتوظيفها التوظيف الصحيح في عملية التغير نحو الأفضل.
أما الوقوف على الماضي، والبكاء على أطلاله، والعيش على ذكراه، فهذا يعني العجز والشلل، وعدم القدرة على التواصل مع هذا الماضي، من أجل صنع مستقبل أفضل، وهذا ما أصاب بعضا منا. لذا، نحن نريد أن يكون الماضي جزءاً من الحاضر، للانطلاق نحو المستقبل. ونريد أن تكون لنا رؤيتنا التاريخية الواعية، التي ترى في التاريخ حركة دائمة، وتجدد مستمر لا يتوقف، رؤية توظيف التاريخ لخدمة الإنسان والمجتمع والأمة. انتهى
وسوف نعرض لأهم مجريات الأحداث أيام الحروب الصليبية في نقاط تبين أهم ملامح تلك الحقبة التاريخية، مستخلصين منها وصفا للواقع آنذاك أشبه ما يكون بواقع الأمة العربية والإسلامية اليوم. فواقع الأمة اليوم أشبه ما يكون بواقعها إبان الحروب الصليبية الأولى، والخطر الذي هددها بالأمس هو نفس الخطر وعلى نفس الأرض، مع اقتحام قوة جديدة ميدان الصراع اليوم، وهي اليهود، الذين يحتلون فلسطين ويقومون بنفس الدور الذي قامت به مملكة بيت المقدس التي أنشئت عام 1100م، وأول ما يسترعي انتباه القارئ للتاريخ:
ما أشبه اليوم بالبارحة ..
حالة الضعف والفرقة والشتات: إن مظاهر الضعف والانحلال السياسي والتأخر الحضاري كانت بادية فعلاً في بعض أجزاء الوطن الإسلامي قبل وصول الحملة الصليبية الأولى إلى الشرق الإسلامي، فالخلافات المذهبية والانقسامات السياسية التي أصابت الشرق الإسلامي وشمال أفريقيا وبلاد الأندلس كان لها أكبر الأثر في حالة التخلف الحضاري التي أصابت الشرق الإسلامي. فقد كانت الخلافة العباسية ومقرها بغداد منقسمة إلى عدة دويلات كل منها يسعى إلى توسيع رقعته الجغرافية على حساب دويلات الجوار، والخليفة ضعيف لا نفوذ له، والخلافة الفاطمية ومقرها القاهرة قد وصلت إلى درجة كبيرة من الضعف وسوء الأحوال الداخلية، والأندلس كان يتنازعها أمراء الطوائف. هذا على الصعيد السياسي أما الاجتماعي والحضاري وغيره فلم يكن أحسن حالاً.
تلك الحالة من الفرقة والتشرذم والتربص من قبل المسلمين بعضهم ببعض سهل على الصليبيين تحقيق مهمتهم في بداية الأمر خاصة أنهم استطاعوا أن يخدعوا المسلمين بحقيقة أهدافهم وغاياتهم ومشروعهم من وراء حملتهم الأولى، والمُراجع لكتب التاريخ يرى كيف سارع الفاطميون في مصر للاتصال بالصليبيين في أنطاكية وعرض مشروع للتحالف معهم ضد الأتراك السلاجقة السنيين واقتسام الأراضي بينهما، بحيث تكون أنطاكية للصليبيين والقدس للفاطميين، ولم يكشف الصليبيون عن حقيقة أطماعهم ومشروعهم في فلسطين وبلاد الشام للفاطميين وطمأنوا الوفد الفاطمي وأرجعوه دون أن يشك في شيء!
كما أنهم اتصلوا بوالي دمشق وحلب وغيرهما وحاولوا أن يطمئنوهم أنه لا أطماع لهم في ممالكهم وإنما يريدون فقط استرداد ما كان للدولة البيزنطية من أراضٍ! والأمر نفسه تكرر مع الغرب والحركة الصهيونية فكثير من العرب والمسلمين في البداية وحتى الآن خُدعوا ومازالوا مخدوعين بحقيقة مشاريعهم وأهدافهم ضد الأمة والوطن، ولا زالوا يتحالفون معهم ويتعاونون ضد بعضهم البعض ولم يفيقوا من غفلتهم ويدركوا أبعاد الهجمة الغربية - اليهودية ضدهم.
تحالف وجمود ومهادنة وانقلابات: لم يكف الأمراء المسلمين في مصر وبلاد الشام والعراق بعد أن اتضحت حقيقة المشروع الصليبي في وطننا عن الاقتتال والصراع فيما بينهم لكنهم تحالفوا واستعانوا بالصليبيين ضد بعضهم البعض، ودفعوا لهم الإتاوات والأموال وتنازلوا لهم عن كثير من الأراضي وتلك التحالفات أكثر من أن تُحصى. ولا يختلف سيناريو تلك التحالفات كثيراً عنه اليوم فغالباً ما كانت فلسطين وبيت المقدس هي كبش الفداء!
فكل من كان يريد تثبيت حكمه وتقوية سلطانه ما عليه إلا أن يرسل إلى الصليبيين يعدهم بالتنازل عن بيت المقدس إن هم ساعدوه ضد إخوانه ومنافسيه على الحكم. لقد كانت فلسطين وبيت المقدس ولا زالتا هما السلعة التي تتداول بين أيدي تجار السياسة والحكم، أو قل سماسرة السياسة إنها الفريسة التي تقدم لأعداء هذه الأمة مقابل الحفاظ على الكرسي والمنصب.
كما سادت جبهات القتال حالة من الجمود حيث لم يتحرك فيها المسلمون لقتال الصليبيين، وخير مثال لذلك الواقع كان السلاجقة في بلاد فارس والخليفة العباسي الذين انشغلوا في صراعات داخلية على السلطة والحكم ولم يتحركوا لمقاتلة الصليبيين الذين انتشروا في البلاد من حولهم، ولم يدركوا الخطر الذي يحيق بالإسلام والمسلمين. ولم يقف الأمر عند ذلك بل وجدنا كثير من الأمراء العرب في بلاد الشام وغيرها يسارعون في مهادنة الصليبيين ويقدمون لهم الأموال والمؤن وما يحتاجون إليه من أدلاء للطرق ومرشدين لهم في بلاد المسلمين وغير ذلك مقابل عدم مهاجمتهم وتركهم دون دخول إماراتهم. فقد آثر كثير من الأمراء الميل إلى السلم وتجميد الموقف على ما هو عليه "حالة السلم واللا حرب" وعدم التعرض للصليبيين من قريب أو بعيد وتهدئة الأجواء معهم!
أما في ما بينهم لم تنفك عمليات الانفصال والاستقلال ومحاولات السيطرة على الحكم داخلياً في كثير من الإمارات الإسلامية، وكان السند والحماية لأولئك الانفصاليين والطامعين في الحكم دائماً الارتماء في أحضان الصليبيين ودفع الجزية لتأمين إماراتهم وحمايتهم أو مساعدتهم في الوصول إلى السلطة، كل ذلك كان يحدث في ظل ذلك الخطر الذي يحدق بالإسلام والمسلمين ويحدق حتى بأولئك الأمراء الطامعين في السلطة أنفسهم، وما أشبه اليوم بالبارحة فهذا الواقع أصبح هو سيد الموقف اليوم وقد تعايشنا معه من سنوات مع كيان العدو الصهيوني.
... يُتبع
تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في مجموعة "Nasher Sahafi" في مجموعات Google.
لإلغاء الاشتراك في هذه المجموعة وإيقاف تلقي رسائل الإلكترونية منها، أرسل رسالة إلكترونية إلى NasherSahafi+unsubscribe@googlegroups.com.
لعرض هذه المناقشة على الويب، انتقل إلى https://groups.google.com/d/msgid/NasherSahafi/CAJ1YmRGgnj5CSGhmcup9u4tLQ%2B8uzz5g%2Bnew2uN3_D5tnCaLkg%40mail.gmail.com.