العصيان المدني
بقلم: زهير كمال
على مدى أكثر من عام ونصف بحت أصوات الجماهير العربية خاصة في المنطقة الأشد سخونة في الصراع العربي الإسرائيلي، وتحديداً في الأردن، وبالطبع لم ينتج عن هذه المظاهرات أي فعل إيجابي، أي باستماع النظام إلى هذه الأصوات والعمل على تنفيذ مطالبها، حتى كمطلب بسيط بإغلاق سفارة العدو في عمان وقطع العلاقات معه لإظهار عدم الرضا عما يجري في غزة من مذابح يندى لها جبين الإنسانية. على عكس ذلك نجد أن النظام يتواطأ مع النظامين السعودي والإماراتي بفتح خط إمداد بدل خط البحر الأحمر الذي أغلقه اليمن بشجاعة منقطعة النظير، وها نحن نشاهد نتائج ذلك بالعدوان الأمريكي المباشر على هذا البلد الفقير.
تدرك الجماهير الأردنية بحسها العفوي السليم أن الصراع العربي الإسرائيلي هو صراع وجودي وأن الدور بعد تصفية القضية الفلسطينية قادم عليها لا محالة، وتدرك أيضاً أنها لا تقبل أن تضع رأسها في الرمل مثل النعامة، وهذه الجماهير تعرف في قرارة نفسها وبحسها العفوي أنها ستؤكل كما أكل الثور الأبيض.
الثور الابيض أيها السادة: شعب فلسطين الذي تشرد في المنافي منذ نكبته عام 1948، قسم منه يرزح تحت الحكم الإسرائيلي المباشر في الجليل والنقب ومتروك للجريمة والمخدرات والطرد والخنوع، اما القسم الموجود في الضفة الغربية فهو مهدد بالاقتلاع بعد أن بلغ عدد المستوطنين فيه قرابة المليون وينتظرون إشارة من رب البيت في البيت الأبيض بضمها إلى (أرض إسرائيل)، أما القسم الموجود على مساحة بسيطة في غزة فإنه يتعرض لإبادة منهجية تراها شعوب العالم وتستنكرها ولكنها لا تستطيع فعل شيء لوقفها. ولعل تصريح ترامب بطلب تهجير السكان من القطاع يفضح بدون مواربة النوايا المبيتة منذ فترة طويلة لهذا المصير المنتظر، فلا يعتقد أحد أن إسرائيل والذين يخططون لها غافلين عن القنبلة الديموغرافية التي تنتظرهم لو لم يبادروا بحلها بالقتل والتهجير.
ويطلع علينا بعض المثقفين يلومون الضحية أنها تقاوم الذبح! ما حدث يوم 7 أكتوبر هو صرخة مدوية قام بها شعب فلسطين ضد عملية التطهير المنظمة التي تقوم بها الصهيونية مدعومة بالإمبريالية ضد هذا الشعب الذي ابتلي بهذا السرطان الذي لن يتوقف حتى يلتهم الجسد العربي كله.
مظاهرات الجماهير الأردنية المستمرة إنما هي تعبير عن وحدة حال ومصير وليست مؤازرة ونصرة لشعب مظلوم كما هي الحال مع الجماهير في مختلف دول العالم.
وهذه المظاهرات يسمح بها النظام لتنفيس غضب الشارع الأردني ولكنها لا تؤثر على الخط الذي انتهجه غير مدرك للمصير المحتوم الذي ينتظره في مستقبل الأيام، وهو لن يكون أحسن حالاً من مصير شاه إيران. ولهذا هناك حلول أخرى يمكن للجماهير القيام بها، ومن بين ذلك العصيان المدني.
أقتبس هنا مقطعاً خيالياً من رواية صيد الثلج التي نشرتها الدار العربية للعلوم عام 2006 (بتصرف لتوضيح الفكرة):
في إحدى الدول العربية وبعد ثلاثة أيام من البرنامج التلفزيوني الذي ذكر فيه "غاندي" ( بطل العصيان المدني) بدأت حركة عصيان تنتشر انتشاراً بطيئاً في بداية النهار، فقد بدأها أصحاب التاكسيات ووسائل النقل الصغيرة وبدأها السعاة والفراشون وأصحاب المقاصف الصغيرة وعاد التلاميذ والطلاب إلى بيوتهم وبدأت المحلات بإقفال أبوابها.
وفي ساعة المساء كانت العاصمة هادئة تماماً كأن بها حظر تجول بدون أوامر عسكرية، ويبدو أن فترة الأيام الثلاثة هذه من وقت إذاعة البرنامج كانت كافية لكي تختمر الفكرة ولكي يتزود الناس بها بما تيسّر لعصيان قد يطول، كانت الفكرة الملحة لهذه الجماهير أن يجب اللحاق بركب الوحدة العربية وكانوا مصممين على عمل شيء حتى يسجل التاريخ أنهم أيضاً ساهموا في هذا المشروع ولكن سنوات القهر والتعذيب والتخويف واليد الغليظة كانت كافية لجعلهم يحجمون عن المواجهة وقد كانوا محقين في ذلك فهذا النظام لن يرفّ له رمش حتى ولو قتل نصف أبناء شعبه.
في نشرة أخبار المساء في محطة تلفزيون هذه الدولة صدر قرار من وزارة الداخلية يهدد بفصل أي موظف يتغيب عن عمله وبعدم تجديد الترخيص لأية سيارة أجرة لا تعمل غداً وهدد أصحاب المحلات بأن ترخيصهم سيسحب منهم كذلك إذا لم يقوموا بفتح محلاتهم في أوقات الدوام الاعتيادية، وبفصل أي طالب لا يحضر إلى مدرسته أو جامعته غداً وهكذا سلسلة من الإجراءات والأوامر لأن النظام لن يسمح لفئة ضالة ذات أفكار هدامة دخيلة على هذا الشعب بأن تهدد أمن الدولة والحكومة وأنها ستسامح من غُرِّرَ به من أبناء هذا الوطن العزيز الذي يسير نحو التقدم والازدهار.
تساءلت الجماهير عن أي تقدم وازدهار يتحدثون؟؟
كانت أنظار العالم تتجه إلى هذه الدولة التي تعتبر مثالاً في الأمن والنظام في هذه المنطقة المضطربة.
في صبيحة اليوم التالي لم تظهر أية بوادر على أنه سيكون صباحاً عادياً كبقية الأيام كيف لا وليس هناك أحد في الشوارع وليس هناك حتى حركة سير أو سيارات.
في الساعة العاشرة بدأت المدن الأخرى بالانضمام إلى العاصمة.
قامت قيامة الحكومة وأجهزتها وطلب أحد الوزراء إنزال الجيش للشوارع، واستسخف رئيس الوزراء الفكرة، لماذا ينزل الجيش ليحفظ النظام وهل هناك أبدع من هذا النظام فالناس في بيوتهم والشوارع فارغة.
في المساء كان تلفزيون الدولة يبث أحاديثَ لبعض النواب وبعض أئمة المساجد وبعض الوجهاء يحثون الناس على فك العصيان المدني وبأن الحكومة ستسامح الجميع والى آخره من الكلام المعسول مثل تخفيض أسعار المواد الاستهلاكية والمحروقات ورفع رواتب الموظفين والمتقاعدين.
صبيحة اليوم الثالث أثبتت الجزرة أنها لا تنفع كما أثبتت العصا أنها لم تنفع في اليوم السابق، فقد توقفت مظاهر الحياة في الدولة تماماً.
في السابعة مساء ذلك اليوم أعلن التلفزيون أن الحكومة قد اجتمعت وأنها قد تقدمت باستقالتها وذهب الوزراء كلٌ إلى منزله، في الساعة العاشرة مساءً صدر تصريح من الحاكم بأنه سيتخلى عن المنصب وسيذهب الى المنفى وطلب من مجلس الوزراء الاستمرار في عملهم.
في الحادية عشرة مساءً كانت الجماهير ترقص في الشوارع وتحتفل بهذا النصر العظيم غير المتوقع وغير مصدقين أنه وبدون قطرة دم واحدة استطاعوا فرض إرادتهم.
انتهى الاقتباس
المشاهد الخيالية السابقة قابلة للتحقيق ولكن في الظروف الحالية قد يستمر العصيان مدة أطول بكثير، ولكن يستحيل أن يقف أي عائق أمام تصميم وإرادة الشعوب الحية.
قال أمل دنقل:
آه.. ما أقسى الجدار
عندما ينهض في وجه الشروق
ربما ننفق كل العمر .. كيف نثقب ثغره
ليمر النور للأجيال مرّه
الرسائل الواردة تخص كاتبها وتعبر عنه
---
تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في مجموعة "الناشر الصحفي" في مجموعات Google.
لإلغاء الاشتراك في هذه المجموعة وإيقاف تلقي رسائل الإلكترونية منها، أرسل رسالة إلكترونية إلى NasherSahafi+unsubscribe@googlegroups.com.
لعرض هذه المناقشة، يُرجى الانتقال إلى https://groups.google.com/d/msgid/NasherSahafi/CAMP906TH4-KAizCp9wvm7_AvAG23Jg3Od4tEenPC5CuzJq%3Dumw%40mail.gmail.com.