العادات وتغييرها
بقلم أ/ سيد صابر
أستاذ الفلسفة وخبير التنمية البشرية
العادات هي التي تُشكّل شخصية الإنسان، بل وتُشكّل الإنسان نفسه مثلما تتشكّل قطع الصلصال. ويقول الفيلسوف اليونياني أرسطو: "ما نفعله بشكل متكرر هو ما نحن عليه. ومن ثم فإن التميز عادة وليس فعلاً." بمعني أن عاداتنا تعبر عنّا وأننا نكون عاداتنا.
الأمر الذي يعني أن تغيير عاداتنا يعني تغيير من نكون وبالتالي تغيير حياتنا ومصيرنا، وتقول الحكمة القديمة "أزرع فكرة تحصد عملاً، أزرع عملاً تحصد عادة، أزرع عادة تحصد شخصية، أزرع شخصية تحصد مصيراً."، لأن السلوك ينتج عن الفكر والعادة تتكون نتيجة لتكرار السلوك.
ولكن تغيير عاداتنا ليس بالأمر السهل المنال، حيث أن للعادات قوتها وسطوتها، ويقول المثل العربي عن سطوة العادات "من شب علي شئ شاب عليه"، بمعني أن العادات المكتسبة في الصغر من الصعب جداً أن تتغير وتظل ملازمةً للمرء طوال حياته، وكذلك يقولون أن"الطبع غلب التطبع"، ويقصد بالطبع العادات القديمة التي نشأ عليها الإنسان، وأما التطبع فهو العادات الجديدة التي يكتسبها حديثاً. وفي هذا الإطار يقول الشاعر العربي أبو العلاء المعري: "الطبع شئ قديم لا يُحس به، وعادة المرء تُدعى طبعه الثاني"، ويقول الحكيم الهندي عن صعوبة تغيير العادات: " العادات تشبه الحبل الغليظ ننسج أحد خيوطه كل يوم وسريعا ما يصبح مستحيل القطع " ونحن نتفق مع كل هذه الأقوال القديمة في أن تغيير العادات أمراً صعباً ولكننا لا نتفق معها في أنه أمراً مستحيلاً.
ويقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم " العادات قاهرات فمن إعتاد شيئاً في السر فضحه في العلانية." فوصف العادات بأنها قهرية ولم يقل أنها مستحيلة. ونحن نعرف اليوم الكثير من الطرق الحديثة لعلاج العادات القهرية كالوسواس القهري والخوف القهري والسلوكيات القهرية.
فما هي العادات وكيف نستطيع تغييرها ؟
يُجيب علينا الكاتب والفيلسوف الأمريكي "ستيفن كوفي" الذي وصفته مجلة تايم بأنه واحد من أكثر الأشخاص تأثيراً في حياة الآخرين، فيعرّف العادات في كتابه الشهير"العادات السبع للناس الأكثر فعالية" بأنها نقطة إلتقاء كل من المعرفة والمهارة والرغبة. والمعرفة هي التصور الذهني النظري عن الأمر الذي نفعله ولماذا نفعله، والمهارة هي كيفية القيام بهذا الأمر، والرغبة هي الدافع أو الحاجة إلي القيام بهذا الأمر. فأي أمر نعتاد علي فعله لابد أن يكون لنا فيه دافع داخلي أو رغبةً، ومعرفةً به أو عنه، ومهارة علي كيفية فعله. ولكي يتحول أمر ما جديداً إلي عادة لابد أن نتحلى بالصفات الثلاثة السابقة.
ووصفة كوفي تلك مبنية علي أساس مبدأ المبادرة أوالفعالية، أي التصرف علي أساس الرؤية المستقلبية للغايات المنشودة وليس هذا بغريب لأن "ستيفن كوفي" من أشهر المروجين في العالم لمبدأ المبادرة.
أما " أنتوني روبنز" الكاتب الأمريكي الشهير في مجال التنمية البشرية وتطوير الذات فيقول في كتابة الشهير " أيقظ قواك الخفية ": "إذا كنت أنا وأنت نريد تغيير سلوكنا، فإن هنالك طريقة فعالة واحدة لتحقيق ذلك، وهي أن نُقرن بالسلوك القديم مشاعر فورية لا تُحتمل من الألم. ومشاعر فورية لا تصدق من المتعة والسرور للسلوك الجديد.".
وطريقة روبنز مبنية علي أساس فلسفي هو أن اللذة والألم هما مبعث حركة الإنسان، فالإنسان ينجذب نحو اللذه أو المتعة ويسميها السعادة ويهرب من الألم ويسميه الجحيم، وما يحرك الإنسان من نقطة إلي أخرى إلا رغبته في الحصول علي المتعة والهروب من الألم. ويقول "غوستاف لوبون" الفيلسوف وعالم الإجتماع الشهير: " ما اهتدت الشرائع الدينية، ولا القوانين الإجتماعية، إلى أُسًّ تدعم به تعاليمها، إلا رجاء اللذة وخوف الألم: فعقاب أو ثواب، وجنة أو جحيم." ويقول أيضاً "ما عرف المرء إلا حقيقتين مطلقتين: اللذة والألم، فعليهما تقوم حياته منفرداً ومجتمعاً."
وللعادات قوةً جاذبة، بمعني أننا ما ان نبدأ في الإقلاع عن العادة القديمة الغير مرغوبة نجد أنها تجذبنا إليها مرة ثانية، ولكن الأمر يشبة إقلاع الصاروخ ففي بداية الإقلاع تكون قوة الجاذبية الأرضية كبيرة مما يؤدي إلي استهلاك كمية كبيرة من الوقود تقدر ب 99% من الوقود الكلي للصاروخ في عملية الإقلاع ولكن ما أن يتجاوز الصاروخ الحد الذي تنعدم فيه الجاذبية يصبح الصاروخ حراً ويستكمل رحلته بالكامل بالكمية الباقية من الوقود ال 1% . الأمر الذي يعني أننا بحاجة إلي قوة الإرادة للتغلب علي القوة الجاذبة للعادة. يقول الأديب اللبناني "أمين نخلة": "إنتصار الإرادة علي العادة حياة مستعادة".