الطريق الآخر لحياة أفضل الطريق الآخر لحياة أفضل
recent

آخر الأخبار

recent
الدورات التدريبية
جاري التحميل ...

النفقة ومعاناة المرأة منها

النفقة ومعاناة المرأة منها

الدكتور عادل عامر

مقدمة

تهدف هذه الدراسة إلي مناقشة واحدة من المعضلات التي تواجه المرأة المصرية وتشكل إحدى مصادر المعاناة لها وهي قضية النفقة التي تواجه فيها المرأة أزمة مفاجئة حال امتناع الزوج أو المطلق عن الوفاء بالتزاماته المالية حيال الزوجة أو المطلقة وأبناءهما.

وتثور قضايا النفقة في حالتين:

الأولى : هي هجر الزوج لمسكن الزوجية أو نشوب خلافات بينهما يمتنع الزوج على أثرها عن الأنفاق. الثانية : هي تطليق الزوج لزوجته، سواء بإرادته المنفردة أو لاستحالة العشرة بينهما، عبر المحكمة وامتناعه عن إعطاء الزوجة حقوقها المالية والأنفاق على أبناءه منها.

في هاتين الحالتين تستحق الزوجة وأبناءها، في حالة وجود أبناء، النفقة من الزوج أو المطلق. وتتعقد المشكلة حينما تكون الزوجة أو المطلقة لا تعمل أو ليس لها مورد دخل أخر وتكون بيئتها الاجتماعية من المستويات الفقيرة مما يعنى أن المرأة تجد نفسها فجأة تواجه صعوبات الحياة دون موارد مالية أو مساعدة تعينها على الاستمرار في الحياة.

هذه الظروف تجعلها هي والأبناء في حالة خوف شديد لاسيما الأبناء الملتحقين بالمدارس، نتيجة لعدم قدرتها علي الاستمرار في تغطية تكاليف الاحتياجات الأساسية ومن ثم يصبح من السهولة أن يقع الجميع فريسة لأي توجهات قد لا يرضى عنها المجتمع ولكنهم مجبرون علي المضي فيها ربما يحالفهم النجاح في تغطية بعض الاحتياجات. وقد أدرك المشرع أن هذه الحالة تتطلب التدخل العاجل من كافة الجهات المعنية بالمجتمع لمساندة هذه المرأة وأطفالها.

وقد نص القانون رقم 25 لسنة 1920 الخاص بأحكام الأحوال الشخصية والمعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 على الحكم بنفقة مؤقتة للزوجة على سبيل الاستعجال لحين الفصل في الدعوى في شكلها النهائي. وذلك للإسراع في تغطية تكاليف الحياة اليومية والأساسية للبقاء على قيد الحياة مثل المأكل، الملبس، السكن، العلاج، الكسوة وغيرها من الاحتياجات التي في حال تغطية الحد الأدنى منها تكفل الحياة الآدمية للمرأة وأطفالها. ولكن يبقي النص معطل في معظم الأحيان نتيجة لعدم التنفيذ.

وأضاف المشرع في القانون رقم 1 لسنة 2000 بالنص على إلزام بنك ناصر بصرف المبالغ المحكوم بها كنفقة لثلاث حالات هم الزوجة، الأبناء، الوالدين مما يعنى أن هناك إدراك من المشرع بالمعضلة والمعاناة التي تواجه الأسرة حال امتناع عائلها عن الأنفاق.

وفى الواقع، فإن الأمور لا تسير وفقاً لما رسمه المشرع وإنما تأتى العقبات أمام الزوجة والأولاد لتجعل أمر صرف النفقة من الأمور شبة المستحيلة سواء لطول إجراءات التقاضي أو الامتناع عن تنفيذ بعضها بادعاء عدم توفير مخصصات مالية لدى البنك أو عدم وجود مصدر دخل ثابت للزوج الصادر في حقه الحكم بالنفقة أو غيرها من التعقيدات الإدارية التي تحول دون حصول طالبة النفقة علي حقوقها الشرعية بموجب القانون.

لذلك تأتى أهمية هذه الدراسة آلتي تتناول بالفحص والبحث النصوص القانونية المعنية بموضوع النفقة وذلك بهدف التعرف على العقبات القانونية، سواء على مستوى النص أو التطبيق، آلتي تواجه المرأة في قضايا النفقة للوصول إلى صياغة لمستخلصات بشأن تعديل بعض نصوص القانون ودراسة إمكانية تقويم سبل الدعم للنساء ولأطفالهن لتوفير الحد الأدنى من الحياة الإنسانية. وتضمنت الدراسة أيضاً تحليل لعدد مائة وأثنين وثلاثون دعوى قضائية قامت برفعها سيدات للحصول على نفقة لهن أو لأبنائهن للوقوف على الأسباب الإجرائية لتعطيل الحصول على الأحكام فضلا عن معوقات التنفيذ لأحكام النفقة. كما قام عدد من الباحثين الميدانين

 بعقد مقابلات ميدانية مع عدد ستة وسبعون سيدة لدراسة الواقع الاجتماعي والاقتصادي لهن ولأبنائهن وتأثير عدم الحصول على النفقات اللازمة علي حياتهن وحجم المعاناة التي تعانينها بشكل يومي ومتكرر وكذلك مدى توافر أي دعم أو مساندة تذكر من أي جهة.

ونأمل من تقديم الدراسة إلي المجلس القومي للمرأة والمتخصصين ومؤسسات المجتمع المدني أن تكون بمثابة المرشد لوضع حلول عملية لانتشال السيدات من واقع يعصف بهن وبأبنائهن ويعبث بمستقبلهم جميعاً حيث أن الخاسر في نهاية الأمر هو المجتمع بصفة عامة.

تعريف النفقة

النفقة من حيث اللغة هي ما ينفقه الإنسان علي عياله.

والنفقة شرعاً هي الطعام والكسوة والسكني وفي الطارئ في لسان أهل الشرع هي الطعام فقط، لذا يعطفون عليه الكسوة والسكني، ولذلك نجد كثيراً من الفقهاء يقولون مثلاً تجب للزوجة علي زوجها النفقة والكسوة والسكني.

وهذا التعريف لم يشمل كافة أنواع النفقة، بدليل أن الفقهاء أعطوا الزوجة أنواعاً أخري لم ترد بهذا التعريف، سنعرض لها فيما بعد.

دليل وجوب نفقة الزوجية

ثبت وجوب نفقة الزوجية بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.

أما الكتاب فقوله تعالي: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وعلي المولد له رزقهن وكسوتهن بالمعروف).

وقوله تعالي: ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله لا يكفي الله نفساً الا ما أتاه سيجعل الله بعد عسر يسرا).

وقوله تعالي في شأن المطلقات: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم، ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن)، قد أوجب الله تعالي علي الأزواج إسكان المطلقات من حيث سكنوا حسب قدرتهم وطاقتهم وإذا وجب إسكان المطلقة فإسكان الزوجة أولي بالوجوب، حيث أن زوجتها قائمة حقيقة وحكما، والمطلقة لم يبق لها إلا أحكامها أو بعضها فقط .. علي أن الآية أوجبت الإنفاق عموما للمطلقة الحامل.

وأما السنة فقد وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام أحاديث كثيرة تفيد وجوب النفقة منها:

1. ما روى من أن النبي عليه السلام قال في خطبته بعرفة في حجة الوداع:(ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، وفي رواية (نفقتهن) بدلاً من (رزقهن).

2. ما روى من أن رجلاً جاء إلي النبي عليه السلام فقال : ما حق المرأة علي زوجها؟ قال (يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا كسي، ولا يهجرها في المبيت، ولا يضربها ولا يقبح)

3. ما روى من أن هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان قالت يا رسول الله " أن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطني ما يكفيني وولدي إلا ما آخذ منه وهو لا يعلم، فقال عليه السلام: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف). فلو لم تكن النفقة واجبة علي الزوج لما أمرها النبي عليه السلام بأن تأخذ من مال زوجها بغير أذنه وبغير علمه ما يكفيها بالمعروف إذ لا يجوز أخذ شيء من أموال الناس بدون حق.

أما الإجماع، فقد أجمعت الأمة في كل العصور من عصر الرسول عليه السلام حتي الآن، علي أن نفقة الزوجة علي زوجها ولم يخالف ذلك أحد.

سبب وجوب نفقة الزوجية

سبب وجوب النفقة للزوجة هو عقد الزواج الصحيح، غير أن الوجوب لا يثبت بمجرد العقد، كما في وجوب المهر، بل لما يترتب عليه من احتباس الزوجية وقصرها نفسها علية حقيقة أو حكماً بدخولها في طاعته، والتسليم الحكمي يكون باستعدادها للدخول في طاعته عند طلبه.

أنواع النفقة في القانون

نصت الفقرة الثالثة من المادة الأولي من القانون رقم 25 لسنة 1920 (المعدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1985) علي أن: " وتشمل النفقة الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك مما يقضي به الشرع ".وهذا النص لم يضع تعريفاً جامعاً لكافة أنواع النفقة مانعاً من دخول أنواع أخري في نطاقه، وإنما اقتصر علي ذكر بعض أنواعها، وهي الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج، وذلك علي سبيل التمثيل لا الحصر باعتبارها أهم أنواع النفقة، والدليل علي ذلك أنه بعد تعداده للأنواع المذكورة أردف عبارة: " وغير ذلك مما يقضي به الشرع " .

والمقصود مما يقضي به الشرع ، كل ما يعتبره المشرع نفقة للزوجة علي زوجها أو ملحقا من ملحقاتها، ويرجع في تحديد ذلك إلي الراجح من المذهب الحنفي. والمذهب يدخل في ذلك، بدل الفرش والغطاء وأجر الخادم، واستئجار مؤنسة للزوجة اذا كانت تستوحش من المسكن.

وفي هذا قضت محكمة أول بندر طنطا للأحوال الشخصية (ولاية علي النفس) بتاريخ 12 يناير سنة 1988 في الدعوى رقم 94 لسنة 1986 بأن :

"المقرر شرعاً أنه نفقة الزوجة تجب علي زوجها من حين العقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه ولو حكما، موسرة كانت أم فقيرة، وهي تجب من تاريخ امتناعه عن الإنفاق عليها وتقدر بقدر يساره، ولا تسقط ألا بالأداء أو الإبراء وتشمل الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك مما يقضي به الشرع، ولم تعرف النفقة تعريفاً جامعاً مانعاً وإنما أطلق النص فأدخل في النفقة كل ما يقضي به الشرع والراجح في المذهب الحنفي أنه تجب للزوجة نفقة خادم إذا كانت ممن يخدمون أي إذا كان لها خادم قبل أن تتزوج".

يلى أنواع النفقة بالتفصيل:

الغذاء :

وهو ما جري الفقهاء علي تسميته بالطعام، واللفظان مترادفان.

فالزوج يلتزم بأن يوفر لزوجته طعاماً تستطيع أن تأخذ منه كفايتها، فتأكل منه مع زوجها أو تأكل منه وحدها، وهذه الطريقة هي الأصل في الإنفاق علي الزوجة وهي التي تقتضيها عشرة الزوجية لما توجبه الخلطة بين الزوجين من الألفة والمودة، وتسمي طريقة التمكين.

أما إذا لم يقدم لها الزوج طعاماً تأخذ منه كفايتها أو قتر عليها، فلها أن ترفع أمرها إلي القاضي وتطلب فرض نفقة طعام بقدر كفايتها حسب حال الزوج المالية والاجتماعية. وللقاضي أن يفرض لها بقدر كفايتها حسب حال الزوج المالية والاجتماعية، كما له أن يفرض لها أصنافاً من الطعام يكلف الزوج بإحضارها أو يقدر لها مقداراً من النقود لتشتري هي به ما تحتاج إليه. وهذه الطريقة الأخيرة هي الأيسر والتي يجري عليها العمل في المحاكم. وفرض القاضي نفقة الطعام هو ما يسمي بطريقة التمليك.

الكسوة :

يجب علي الزوج كسوة زوجته بما يتفق وحالته المالية والاجتماعية. والكسوة عبارة عن كسوة في الصيف وكسوة في الشتاء أي كسوة كل ستة أشهر.

وقد وضع الفقهاء تحديداً لهذه الكسوة، وهذا كان يتماشى مع زمانها، لأن تحديد الكسوة يختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة، ولذلك نص الفقهاء علي أن يراعي في تحديد الكسوة وتقديرها الكفاية بالمعروف في كل وقت ومكان.

ويلزم الزوج بإحضار كسوة أخري لزوجته إذا بليت كسوتها بالاستعمال العادي قبل مضي ستة أشهر. أما إذا بليت نتيجة استعمال غير عادي فأنه لا يكون ملزماً بكسوة أخرى، فإن أحضرها كان متبرعاً.

وإذا لم يحضر الزوج كسوة الزوجية عيناً، كان لها أن تطلب من القاضي فرض بدل كسوة لها. وللقاضي فرض الكسوة لها كل ستة أشهر، أو فرض مبلغ شهري نظير الكسوة وهذا ما يجري عليه العمل بالمحاكم ويعجل بدل الكسوة، فإذا فرض لمدة ستة أشهر يكون الفرض منذ بداية المدة لا في نهايتها.

المسكن :

يجب علي الزوج إعداد مسكن للزوجة لائقاً بما يتناسب وحالتها المالية والاجتماعية. فإذا امتنع عن إعداد المسكن أو أعد مسكناً غير لائق، كان للزوجة أن تطلب من القاضي إلزامه بإعداد المسكن اللائق أو فرض مبلغ من المال شهراً بدل المسكن.

ويجب أن يتوفر في المسكن الذي يعده الزوج الشروط الشرعية التي نص عليها المذهب الحنفي. وهي شروط متعددة، وإذا طلبت الزوجة أجر مسكن فلا يجوز القضاء لها بتهيئة مسكن ولا يمنع من القضاء بأجر مسكن للزوجة كونها مالكة لمسكن.

مصاريف العلاج :

نصت الفقرة الثالثة من المادة الأولي من القانون رقم 25 لسنة 1920 (المعدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1985) علي أن : " وتشمل النفقة الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك بما يقضي به الشرع ".

وعلي ذلك تدخل مصاريف العلاج ضمن النفقة الواجبة للزوجة علي زوجها. وقد وردت عبارة " مصاريف العلاج" بالنص عامة، فلا يجوز تخصيصها بغير تخصص.

فمن ناحية : تشمل نفقات علاج كافة الأمراض التي تعتري الزوجة، سواء كانت بدنية أو نفسية أو عقلية، سواء كان المرض طارئاً أو مزمناً. وتعتبر الإصابة مرضا يلتزم الزوج بنفقات علاجها، ولو كانت وليدة خطأ الزوجة.

ومن ناحية أخري : تشمل نفقات العلاج كافة أنواع العلاج وثمن الأدوية ونفقات العمليات الجراحية والإقامة بالمستشفيات وكشوف الأطباء والفحوص والأشعات والتحاليل وما شابه ذلك لأنها من وسائل العلاج متي رأي الطبيب ضرورتها.

ويدخل في الأمراض التي يلتزم الزوج مصاريف علاجها النفاس، لأن النفاس لا يعدو أن يكون مرضاً. وتشمل مصاريف علاجه ما يقره الطبيب للزوجة من غذاء يجاوز الغذاء العادي الذي يلزم به الزوج.

ويري عدد من الفقهاء أن الأشياء التي لا يدخل في مصاريف العلاج التي يلزم بها الزوج ثمن الأجهزة التعويضية كالأطراف الصناعية أو النظارات الطبية أو أطقم الأسنان. وكذلك لا يندرج فيها مصاريف عمليات التجميل لأنه لا يقصد منها علاج عله بالزوجة.

ومصاريف العلاج تكون حسب حال الزوج المالية والاجتماعية، كالشأن في أنواع النفقة الأخرى – كما سنري – لكنه ملزم بها لو كانت الزوجة موسرة.

وإلزام الزوج مصاريف العلاج – علي ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون – هو ما ذهب إليه مذهب الزيدية وتقتضيه نصوص فقه الإمام مالك من أن ثمن الأدوية وأجرة الطبيب من نفقة الزوجية وعدل المشرع بذلك عن مذهب الحنفية في هذا الموضوع.

فمذهب الحنفية – الذي كان معمولا به من قبل – لا يلزم الزوج بمداواة زوجته، فلا تجب عليه أجرة الطبيب أو ثمن الدواء، وإنما يكون ذلك من مالها إن كان لها مال، فإن لم يكن لها مال، فعلي من تجب عليه نفقتها لو كانت غير متزوجة

من يلزم بنفقات الولادة ؟

نصت المادة 1/3 من قانون رقم 25 لسنة 1920 ( المعدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1985) – كما رأينا – علي أن نفقة الزوجية تشمل مصاريف العلاج. ومصاريف العلاج – كما أوضحنا – هي المصاريف اللازمة لعلاج مرض بالزوجة، والولادة لا تعتبر مرضاً، وقد فرق الفقهاء بينهما وبين النفاس

وعلي ذلك لا تندرج مصاريف الولادة ضمن مصاريف العلاج التي نصت عليها الفقرة المذكورة ويلزم بها الزوج.

وإذا خلا القانون من نص علي الملزم بمصاريف ولادة الزوجة، فانه يتعين الرجوع في ذلك إلي الرأي الراجح في المذهب الحنفي عملا بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية.

وفقها هذا المذهب قد نصا علي أن أجر القابلة علي من استأجرها، فإن استأجرها الزوج فعليه وأن استأجرتها الزوجة فعليها.

أما إذا جاءت القابلة دون استئجار، فقال البعض أن أجرتها علي الزوج لأنها مؤنة الجماع، وقال البعض أن أجرتها علي الزوجة كأجرة الطبيب.

وقد رجح العلامة ابن عابدين الرأي الأول لأن نفع القابلة معظمه يعود إلي الولد فيكون علي أبيه.

والشأن في الطبيب المستحضر عند الولادة أن يستقبل الولد ويقوم بجميع ما تقوم به القابلة بل أكثر منه فيكون حكمه حكمها، ويلحق بأجر القابلة الطبيب وثمن الأدوية والمستحضرات الطبية اللازمة للزوجة في الولادة لأنها أثر من آثارها.

وقد أفتت دار الإفتاء المصرية بالرأي السابق في فتوى صادرة لها – قبل العمل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 – بتاريخ 8/6/1922، جاء بها:

" قال في رد المختار نقلاً عن الجوهرة بصحيفة 1003 من الجزء الثاني ما نصه" ويجب عليه ما تنظف به وتزيل الوسخ كالمشط والدهن والسدر والخطمي والأسنان والصابون علي عادة أهل البلد أما الخضاب والكحل فلا يلزمه بل هو علي اختياره، وأما الطبيب فيجب عليه ما يقطع به السهوكة لا غير وعليه ما تقطع به الصنان لا الدواء للمرض ولأجرة الطبيب"ـ

وأن أجر القابلة أو الطبيب للولادة ونفقات الولادة الأخرى، وإن كانت لا تدخل في مصاريف العلاج التي يلزم بها الزوج- كما أوضحنا سلفاً – إلا أنها لازمة للزوجة تماماً كمصاريف العلاج، وكحسن العشرة والمودة والرحمة التي جعلها الله تعالي رباطاً للزوجين، توجب أن يكون الزوج هو الملزم بهذه النفقات في كافة الأحوال، خاصة وأن معظمها يعود علي الولد وهو جزء منه وملزم بنفقته، ولذلك نهيب بالمشرع أن يتدخل بالنص علي إلزام الزوج بنفقات الولادة من أجر قابلة أو طبيب أو ثمن أدوية أو أجر مستشفيات وغير ذلك، لاسيما وأن هناك رأياً في المذهب المالكي يقول بذلك.

بدل الفرش والغطاء :

رأينا فيما سلف أن الأصل التزام الزوج بإعداد مسكن الزوجية من أثاث وأدوات ومفروشات وأغطية، وسواء كان الزوج- هو الذي أعد مسكن الزوجية بهذه المنقولات أو كانت الزوجة هي التي أحضرتها معها، فإن هذه المفروشات والأغطية مما تبلي بالاستعمال ويلزم تجديدها بدون الاستعمال.

فيجب علي الزوج إحضار مفروشات وأغطية جديدة عندما تبلي المفروشات والأغطية التي يجري بها الاستعمال.

وينبغي أن يكون للمرأة فراش علي حدة، فلا يكتفي بفرش واحد لهما، لأنها قد تنفرد في الحيض والمرض .

فإذا امتنع الزوج عن إحضار الفرش والغطاء للزوجة بعد أن بلي ما استعمل منه، كان لها أن تطلب من القاضي فرض بدل فرش وغطاء لها لما كان من شأن ذلك إرهاق الزوجات بالالتحاق إلي القضاء كل فترة من الزمن للمطالبة ببدل الفرش والغطاء، فقد جري القضاء علي مبلغ يسير شهرياً بدل فرش وغطاء يضاف إلي نفقة الزوجية.

أجرة الخادم :

إذا كان الزوج معسراً فأنه لا يلزم بإحضار خادم لزوجته، لأن المعسر تجب عليه نفقة الضرورة والخادم ليس ضروريا ً، وإلزامه بالخادم فوق طاقته، وعلي المرأة أن تخدم نفسها، غير أنها إذا مرضت كان علي الزوج خدمتها

أما إذا كان الزوج موسرا، وكانت زوجته ممن يخدمن في بيت أهلها، أي درج أهلها علي استئجار الخدم، فانه يجب علي الزوج إحضار خادم لها لأن كفايتها واجبه عليه والخادم من تمام كفايتها .

غير أن العرف الجاري بين الناس أن الخادم لا يعد له طعام خصيصاً وإنما هو يأكل بقايا طعام من هو في خدمته ويلبس قديم ثيابه، ويسكن تبعاً له، ومن ثم لا يفرض للخادم نفقة علي الزوج، لأن العرف له اعتباره فيما لم يرد فيه نص صريح في الكتاب أو السنة ولو عارض نصا مذهبياً منقولاً عن صاحب المذهب

استئجار مؤنسة للزوجة :

إذا كانت الزوجة تستوحش من المسكن الذي أسكنها فيه زوجها بأن كان كبيرا كالدار الخالية من السكان المرتفعة الجدران ، أو كان الزوج يخرج ليلاً من البيت في عمل له في الخارج، ولم يكن لها ولد أو خادمة تستأنس بها أو لم يكن عندها من يدفع عنها اذا خشيت من اللصوص أو ذوى الفساد، كان ذلك من المضارة المنهي عنها ولاسيما اذا كانت صغيرة السن، وعلي الزوج أن يأتيها بمؤنسة أو ينقلها إلي حيث لا تستوحش.

وجوب نفقة الزوجية في القانون

تنص المادة الأولي من القانون رقم 25 لسنة 1920 الخاص ببعض أحكام الأحوال الشخصية (المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985) تجب النفقة للزوجة علي زوجها من تاريخ العقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه ولو حكما حتى لو كانت موسرة أو مختلفة معه في الدين ولا يمنع مرض الزوجة من استحقاقها للنفقة.

وتشمل النفقة الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك مما ذكر سلفاً. ولا تجب النفقة للزوجة إذا ارتدت أو امتنعت مختارة عن تسليم نفسها دون حق أو أضرت إلي ذلك بسبب ليس من قبل الزوج أو خرجت دون إذن زوجها.

ولا يعتبر سبباً لسقوط نفقة الزوجة:

- خروجها من مسكن الزوجية- دون إذن زوجها – في الأحوال التي يباح فيها ذلك بحكم الشرع مما ورد به نص أو جري به العرف أو قضت به ضرورة.

- خروجها للعمل المشروع ما لم يظهر أن استعمالها لهذه الحق المشروط مشوب بإساءة استعمال الحق، أو مناف لمصلحة الأسرة.

- وتعتبر نفقة الزوجية ديناً علي الزوج من تاريخ امتناعه عن الإنفاق مع وجوبه، ولا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء.

- ولا تسمع دعوى النفقة عن مدة ماضية لأكثر من سنة نهايتها تاريخ رفع الدعوى.

- ولا يقبل من الزوج التمسك بالمقاصة بين نفقة الزوجية وبين دين له عليها إلا فيما يزيد علي ما يفي بحاجتها الضرورية.

- ويكون لدين نفقة الزوجة امتياز علي جميع أموال الزوج، ويتقدم في مرتبته علي ديون النفقة الأخرى"

النفقة المؤقتة

كما نصت المادة 16 من المرسوم بقانون 25 لسنة 1929 ( المعدلة بالقانون رقم 100 لسنة 1985):

" تقدر نفقة الزوجية بحسب حال الزوج وقت استحقاقها يسراً أو عسراً علي ألا تقل النفقة في حالة العسر عن القدر الذي يفي بحاجتها الضرورية."

وعلي القاضي في حالة قيام سبب استحقاق النفقة وتوفير شروطه أن يفرض للزوجة ولصغارها منه في خلال أسبوعين علي الأكثر من تاريخ رفع الدعوى نفقة مؤقتة (بحاجتها الضرورية) بحكم غير مسبب واجب النفاذ فوراً إلي حين الحكم بالنفقة بحكم واجب النفاذ. وللزوج أن يجري المقاصة بين ما أداه من النفقة المؤقتة وبين النفقة المحكوم بها عليه نهائياً بحيث لا يقل ما تقبضه الزوجة وصغارها عن القدر الذي يفي بحاجتها الضرورية "

التزام بنك ناصر الاجتماعي بأداء النفقات والأجور وما في حكمها المقضي بها

إدراكاً من المشرع لأهمية التعجيل بصرف النفقة للزوجة وأبنائها، جاءت نص المادة 72 من القانون رقم (1) لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية علي أن :

" علي بنك ناصر الاجتماعي أداء النفقات والأجور وما في حكمها مما يحكم به للزوجة أو المطلقة أو الأولاد أو الوالدين، وذلك وفقاً للقواعد والإجراءات التي يصدر بها قرار من وزير العدل بعد موافقة وزير التأمينات".

فقد ألزم النص بنك ناصر الاجتماعي- وهو هيئة عامة- بأداء النفقات والأجور وما في حكمها المحكوم بها للزوجة أو المطلقة أو الأولاد أو الوالدين، ويدخل في ذلك النفقة وفقاً للقواعد والإجراءات التي يصدر بها قرار من وزير العدل بعد موافقة وزير التأمينات.

ولا يشمل هذا الإلزام نفقة الأقارب من الحواشي. ويسري الالتزام بالنسبة لكافة المحكوم لهم من الطوائف السابقة، وكامل المبلغ المقضي به.

وفي هذا يختلف النص عن نص المادة الثالثة من القانون رقم 62 لسنة 1976 (الملغي) التي نصت علي أن يكون وفاء بنك ناصر في هذا الشأن في حدود المبالغ التي تخصص لهذا الغرض.

وفي هذا جاء بالمذكرات الإيضاحية للقانون أن من ضمن أحكامه (إعادة تنظيم أداء بنك ناصر الاجتماعي للنفقات والأجور وما في حكمها فقد ناط المشروع بهذا البنك أداء ما يحكم به من ذلك للزوجة أو المطلقة أو الأولاد أو الوالدين- وفقاً للقواعد والحدود والضوابط التي يصدر بها قرار من وزير العدل، بعد موافقة وزير التأمينات والشئون الاجتماعية).

ولم يشترط النص الصادر بالنفقة والأجور ان يكون حكماً نهائياً، وإنما الأحكام حتى ولو كانت مؤقتة، وعلي ذلك فإن الأحكام المذكورة واجبة النفاذ بقوة القانون بلا كفالة.

استيفاء بنك ناصر الاجتماعي لمبالغ النفقة المحكوم بها

حتى يتمكن بنك ناصر الاجتماعي من استيفاء مبالغ النفقة المحكوم بها والتي يلتزم بالوفاء بها إلي مستحقيها، سواء كان المحكوم عليه من أصحاب الأجور أو المرتبات أو المعاشات أو ما في حكمها أو كان من غيرهم، فقد وضع القانون نظاماًً لاستيفاء البنك لهذه الديون، نعرض فيها ما يلي :

أولاً : بالنسبة للمحكوم عليهم من أصحاب المرتبات والأجور والمعاشات وما في حكمها

تنص المادة 73 من القانون رقم (1) لسنة 2000 علي أن : " علي الوزارات والمصالح الحكومية ووحدات الإدارة المحلية والهيئات العامة ووحدات القطاع العام وقطاع الأعمال العام وجهات القطاع الخاص والهيئة القومية للتأمين الاجتماعي وإدارة التأمين والمعاشات للقوات المسلحة والنقابات المهنية وغيرها من جهات أخرى، بناء علي طلب من بنك ناصر الاجتماعي مرفق به صورة طبق الأصل من الصورة التنفيذية للحكم وما يفيد تمام الإعلان، أن تقوم بخصم المبالغ في الحدود التي يجوز الحجز عليها وفقاً للمادة (76) من هذا القانون من المرتبات وما في حكمها والمعاشات وإيداعها خزانة البنك فور وصول الطلب إليها ودون حاجة إلي إجراء آخر"

ويشترط لتطبيق هذا النص ما يلي:

1. أن يكون دين المحكوم له مما نص عليه في المادة 72 من القانون، وهو دين النفقة والأجور وما في حكمها المقضي به للزوجة أو المطلقة أو الأولاد أو الوالدين.

2. أن تكون مستحقات المحكوم ضده مما تختص بصرفه الجهات المذكورة بالمادة.

3. أن يطلب بنك ناصر الاجتماعي من الجهات المذكورة خصم المبالغ جائزة الحجز وإيداعها خزانة البنك فور وصول الطلب إليها. وأن يرفق بالطلب صورة طبق الأصل من الصورة التنفيذية للحكم الصادر بالنفقة النهائية أو النفقة المؤقتة وما يفيد تمام إعلانها.

من البديهي أنه إذا كان المبلغ المحكوم به يقل علي الحد الأقصى لما يجوز خصمه أو الحجز عليه فأن طلب البنك يكون محدداً بالمبلغ المقضي به. وعندئذ تلتزم هذه الجهات بخصم المبالغ المذكورة وإيداعها خزانة البنك دون حاجة إلي إجراء آخر.

ثانياً: بالنسبة للمحكوم عليهم من غير ذوى المرتبات أو الأجور أو المعاشات وما في حكمها

تنص المادة 74 من القانون رقم (1) لسنة 2000 علي أنه : " إذا كان المحكوم عليه من غير ذوى المرتبات أو الأجور أو المعاشات وما في حكمها، وجب عليه أن يودع المبلغ المحكوم به خزانة بنك ناصر الاجتماعي أو أحد فروعه أو وحدة الشئون الاجتماعية الذي يقع محل إقامته في دائرة أي منها في الأسبوع الأول من كل شهر متي قام البنك بالتنبيه عليه بالوفاء "

وهذا النص يسري علي غير ذوي المرتبات أو الأجور أو المعاشات وما في حكمها، فيشمل التجار والمزارعين وأصحاب المهن الحرة والحرف ... الخ.ولا يلزم أن ينبه بنك ناصر شهرياً علي المحكوم عليهم من هؤلاء بإيداع دين النفقة المحكوم به وإنما يكفي أن ينبه البنك مرة واحدة علي المحكوم عليه بأداء النفقة في المدة المبينة بالحكم أو لحين إخطاره بانتهاء تنفيذ الحكم الصادر بالنفقة إذا لم يكن تاريخ انتهاء النفقة محدداً بالحكم. وليس للتنبيه شكل خاص فيجوز أن يتم بكتاب مسجل أو بكتاب يسلم علي سركي إلي المحكوم عليه يوقع عليه بما يفيد الاستلام.

استيفاء بنك ناصر ما قام بأدائه:

نصت المادة 75 من القانون رقم (1) لسنة 2000 علي أن " لبنك ناصر الاجتماعي استيفاء ما قام بأدائه من نفقات وأجور وما في حكمها وجميع ما تكبده من مصاريف فعلية أنفقها بسبب امتناع المحكوم عليه تسليم ما قام بأدائه من نفقات وأجور وما في حكمها وجميع ما تكبده من مصاريف فعلية أنفقها بسبب امتناع المحكوم عليه عن أدائها".

جزاء التوصل إلي الحصول علي أية مبالغ من بنك ناصر الاجتماعي بناء علي إجراءات أو أدلة صورية أو مصطنعة أو التحايل علي مبالغ غير مستحقة.

تنص المادة 79 من القانون رقم (1) لسنة 2000 علي أن :"مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون أخر، يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن ستة أشهر، كل من توصل إلي الحصول علي أية مبالغ من بنك ناصر الاجتماعي نفاذاً لحكم أو لأمر صدر استناداً إلي أحكام هذا القانون بناء علي إجراءات أو أدلة صورية أو مصطنعة مع علمه بذلك. وتكون العقوبة الحبس الذي لا تزيد مدته علي سنتين لكل من تحصل من بنك ناصر الاجتماعي علي مبالغ غير مستحقة له مع علمه بذلك مع إلزامه بردها".

فهذه المادة تجرم فعلين:

الأول : التوصل إلي الحصول علي أية مبالغ من بنك ناصر الاجتماعي نفاذاً لحكم أو أمر صادر بالنفقة للزوجة أو المطلقة أو الوالدين. وذلك إذا صدر الحكم أو الأمر بناء علي إجراءات أو أدلة صورية كأن يتواطأ الزوج مع زوجته على أن ترفع دعوى نفقة ضده رغم أنه ينفق عليها ويصدر لها حكم بالنفقة، أو أن يتواطأ مع والديه أو أحدهما علي استصدار حكم ضده بالنفقة رغم يسرهما أو أن يكون المحكوم له قد قدم مستندات غير صحيحة من صنعه عن حالته أو حالة المحكوم عليه المالية وصدر الحكم بناء عليها. والدليل المصطنع غالبا ما تتوافر فيه جريمة التزوير أو استعمال محرر مزور والعقوبة التي رصدتها المادة لهذا الفعل هي الحبس الذي لا يقل مدته عن ستة أشهر والحد الأقصى للحبس طبقاً للمادة 18 عقوبات ثلاث سنوات.

الثاني : التحصيل من بنك ناصر الاجتماعي على مبالغ غير مستحقة مع علمه بذلك. ومثال ذلك أن يحصل المحكوم له من بنك ناصر الاجتماعي على مبلغ النفقة رغم علمه بسابقة حصوله عليه من المحكوم ضده وعقوبة هذا الفعل الحبس الذي لا يزيد مدته على سنتين مع إلزامه برد المبالغ غير مستحقة. ويكون الحد الأدنى للعقوبة الحبس 24 ساعة (م 18عقوبات).

وواضح أن العقوبة المنصوص عليها لكل من الجريمتين لا تخل بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات أو أي قانون أخر. والشروع في الجريمتين غير معاقب عليه لأن كل منهما يشكل جنحة ولا عقاب على شروع الجنح إلا بنص (م47 عقوبات).

ولنا على المادة سالفة الذكر ملحوظتان:

أولاً : نصت المادة علي العقوبة الواردة بالفقرة الأولي كجزاء للتوصل إلي الحصول علي أية مبالغ من بنك ناصر الاجتماعي نفاذاً لحكم أو أمر صدر استناداَ إلي أحكام هذا القانون بناء علي إجراءات أو أدلة صورية ... الخ رغم أن المادة 72 من القانون ألزمت بنك ناصر الاجتماعي بأداء النفقات والأجور وما في حكمها مما يحكم به ولم تشر إلي نفقات يصدر بها أمر. ومن ناحية أخري فإنه لم يعد من الجائز استصدار أمر علي عريضة بالنفقة المؤقتة للزوجة أو المطلقة أو الصغار منذ العمل بالقانون رقم 62 لسنة 1976 (الملغي)، وبالنسبة للأبناء الكبار والوالدين منذ العمل بالقانون رقم (1) لسنة 2000 الذي ألغي بالقانون الأخير.

ويبدو أن المشرع نقل لفظ (لأمر) من المادة التاسعة من القانون رقم 62 لسنة 1976 (الملغى) التي نصت على أن:

"مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد نص عليها قانون العقوبات أو أي قانون أخر. يعاقب بالحبس كل من توصل إلي الحصول علي أية مبالغ من بنك ناصر الاجتماعي نفاذاً لحكم أو لأمر مما نص عليه في هذا القانون صدر بناء علي إجراءات أو أدلة صورية أو مصطنعة".

ثانياً : أن النص فرق في عقوبة الرد، بين الجريمة الواردة بالفقرة الأولي من المادة والجريمة الواردة بالفقرة الثانية منها، فألزم الجاني بالرد في الجريمة الأخيرة دون الأولي بدون مبرر لهذه التفرقة لأن الجاني في الجريمتين يحصل علي مبالغ مستحقة من بنك ناصر الاجتماعي.

من عرض السابق يجب أن نوضح أن دور بنك ناصر الاجتماعي لا يتعدى كونه دور شكلي فقط لا غير ولم يحقق الغرض الذي تم النص علية في القانون في التنفيذ العاجل لأحكام النفقة حتى ولو كانت مؤقتة، لاسيما إذا كان المدعي عليه لا يعمل بعمل ثابت الدخل معلوم الجهة وذلك نظراً لما يطلبه القانون من ضرورة إيداع المدعي علية مبلغ بقيمة النفقة وهو ما لا يتم عادةً في الواقع فالواقع الملموس أن بنك ناصر الاجتماعي يدعي دائما بأنه ليس لديه السيولة اللازمة لسداد أي نفقات للزوجة أو الأولاد.

إذا كان الزوج من ذوي الأجور أو المرتبات أو المعاشات الثابتة ما الذي يدعى الزوجة للذهاب إلى بنك ناصر لاستيفاء نفقتها وبإمكانها الذهاب مباشرة لمحل عمله و تخصم من مرتبه أو معاشه النفقة لاسيما وان البنك دائما ما يؤجل الصرف حتى يتلقى موافقة جهة عمل الزوج بالخصم من راتبه.

إحجام بنك ناصر عن تنفيذ الأحكام الصادرة على ذوي المهن الحرة خوفا بادعاء عدم استطاعة البنك استيفاء مقابل هذه النفقة ، علما بأن الهدف الأساسي للنص على أن يقوم بنك ناصر بالوفاء بأحكام النفقة هو معالجة مماطلة الأزواج في التنفيذ لاسيما العاملون بالمهن الحرة. هذا فضلاً عن تجاهل البنك ما أعطاه له القانون من صلاحيات لضمان أموال البنك حيث أجازت المادة السادسة لبنك ناصر الاجتماعي استيفاء ما قام بوفائه من ديون النفقة بطريق الحجز الإداري علي أموال المحكوم عليه في حدود المبالغ الملزم بها، طبقاً لأحكام القانون رقم 308 لسنة 1955 بشأن الجزء الإداري.

وطريق الحجز الإداري يتميز بأنه أقصر وأيسر من الحجز القضائي ويضمن للبنك كافة أمواله أياً كان عمل المنفذ عليه.

إنشاء نظام لتأمين الأسرة

ومن هنا تثور الإشكالية بين وزارة العدل وبين وزارة الشئون الاجتماعية للآتي:

تنص المادة 71 من القانون رقم (1) لسنة 2000 بإصدار تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية علي أن:

"ينشأ نظام لتأمين الأسرة، ومن بين أهدافه ضمان تنفيذ الأحكام الصادرة بتقرير نفقة للزوجة أو المطلقة أو الأولاد أو الأقارب، يتولى الإشراف علي تنفيذه بنك ناصر الاجتماعي.

ويصدر بقواعد هذا النظام وإجراءاته وطرق تمويله قرار من وزير العدل بعد موافقة وزير التأمينات.

والحكم الوارد بالمادة مستحدث وهو يقضي بإنشاء نظام لتأمين الأسرة، ولم تنص المادة علي كافة أهداف هذا النظام، وإنما ذكرت أن من بين أهدافه تنفيذ الأحكام الصادرة بتقرير نفقة للزوجة أو المطلقة أو الأولاد أو الأقارب. ويتولى الإشراف علي تنفيذ هذا النظام بنك ناصر الاجتماعي.

وقد فوض النص وزير العدل بعد موافقة وزير التأمينات في إصدار قرار بقواعد هذا النظام وإجراءاته وطرق تمويله. فقد قامت وزارة العدل بإعداد مشروع قرار لتحديد قواعد نظام النفقة وإجراءاتها وطرق التمويل وتم إرسال القرار إلي وزارة الشئون الاجتماعية منذ اكثر من عام للموافقة عليه إلا انه حتى هذه اللحظة لم يتم الموافقة عليه بدعوى عدم وجود أموال كافية لتغطية النفقة. ومن هنا تثور الإشكالية بين وزارة العدل وبين وزارة الشئون الاجتماعية.

في حين أننا نجد أن دولة تونس الشقيقة قد حلت هذه المشكلة عام 1993 بإنشائها "صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق" وهو كبنك ناصر الاجتماعي في مصر لكنه مخصص فقط للحفاظ علي كيان الأسرة وصيانة كرامتها عن طريق تنفيذ أحكام النفقة وحقوق الزوجة ما بعد الطلاق وقد تغلب علي مشكلة نقص التمويل المدعى به عندنا عن طريق عدة وسائل.

طرق تمويل الصندوق:

أولاً: طرق التمويل الخارجية وهي مقسمة إلي:

1- مساهمة الدولة حيث خصصت الدولة مبلغ مليون دينار كمساهمة منها للصندوق ولضمان حسن انطلاقه.

2- الهبات والعطايا.

ثانياً: طرق التمويل الذاتي وهى مقسمة إلي:

1- مبالغ النفقة وجراية الطلاق وغرامات التأخير المستخلصة من المدينين وكذلك مصاريف استخلاص الدين.

2- مداخيل استثمار أموال الصندوق.

ثالثاً: مداخيل أخرى مختلفة:

فإذا قمنا بالاستفادة من التجربة التونسية من حيث توفير مصادر التمويل للعمل علي تطبيق نص المادة 71 من القانون رقم (1) لسنة 2000 بإصدار تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية سيكون لذلك بالغ الاثر في حل معظم مشاكل التنفيذ في مصر.

المبالغ التي يجوز الحجز عليها وفاء لدين النفقة

نصت المادة 76 من القانون رقم (1) لسنة 2000 بإصدار قانون تنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية علي أن:

"استثناء ما تقرره القوانين في شأن قواعد الحجز علي المرتبات أو الأجور أو المعاشات وما في حكمها، يكون الحد الأقصى لما يجوز الحجز عليه منها وفاء لدين نفقة أو أجر أو ما في حكمها للزوجة أو المطلقة أو الأولاد أو الوالدين في حدود النسب الآتية:

(أ) 25% للوالدين أو أيهما.

(ب) 25% للوالدين أو أقل.

(ج) 35% للولدين أو أقل.

(د) 40% للزوجة أو المطلقة ولولد أو أثنين والوالدين أو أيهما.

(هـ) 50% للزوجة أو المطلقة وأكثر من ولدين والوالدين أو أيهما.

وفي جميع الأحوال لا يجوز أن تزيد النسبة التي يجوز الحجز عليها علي (50%) تقسم بين المستحقين بنسبة ما حكم به لكل منهم.

كما نصت المادة 77 من القانون علي أن : " في حالة التزاحم بين الديون تكون الأولوية لدين نفقة الزوجة أو المطلقة، فنفقة الأولاد، فنفقة الوالدين، فنفقة الأقارب، ثم الديون الأخرى".

والمادة 76 بصريح نصها جاءت استثناء مما تقرره القوانين في شأن قواعد الحجز علي المرتبات أو الأجور أو المعاشات وما في حكمها، ومن ثم فإنها تكون قد جاءت استثناء من أحكام القانون رقم 111 لسنة 1951 (المعدل)، إذ تضمنت أحكاماً معدلة له.

1- رفعت المادة 76 النسبة التي يجوز الحجز عليها من المرتبات أو الأجور أو المعاشات وما في حكمها وفاء لدين مما نص عليه في المادة، وهو دين نفقة أو أجر الزوجة أو المطلقة والأولاد والوالدين. والمقصود بالأولاد والوالدين هم الفروع مهما نزلوا والأصول مهما علوا لأن ولد الابن ابن، والأجداد والجدات آباء وأمهات وإن بعدوا.

2- أن المادة 76 نصت في فقرتها الأخيرة علي أنه في جميع الأحوال لا يجوز أن تزيد النسبة التي يجوز الحجز عليها (50%) تقسم بين المستحقين بنسبة ما حكم به لكل منهم. فإذا كان محكوما بالنفقة لزوجتين وأكثر من ولدين أو أيهما تكون النسبة التي يجوز الحجز عليها 50% فقط وتوزع عليهم بنسبة ما حكم به لكل منهم. بالرغم من أن الزوجتين يجوز لهما الحجز علي نسبة تصل إلي 40% طبقاً للبند (أ) من المادة 76.

3- أن المادة 77 أوضحت الحكم في حالة التزاحم بين الديون المشار إليها في المادة 76 وكذلك بالنسبة للديون الأخرى فجعلت الأولوية لدين نفقة الزوجية أو المطلقة، فنفقة الأولاد، فنفقة الوالدين، فنفقة الأقارب، ثم الديون الأخرى.

وقد راعي المشرع في ذلك مراتب ديون النفقات المقررة شرعاً من حيث القوة وأولويتها علي سائر الديون الأخرى.

وأحكام الحجز المذكورة من المفترض أن تسري علي ما يتقاضاه العامل من مرتب أو أجر أو راتب إضافي ولو كان عن أشهر متعددة سابقة علي تاريخ الحجز. كما إذا سافر العامل إلي الخارج واحتفظت له الخزانة بمرتبه أو أجره لحين حضوره.

إلا أن الواقع العملي يعكس غير ذلك حيث عادة ما يختلف مقدار ما يتم التنفيذ عليه باختلاف عمل الزوج فإن كان يعمل بعمل تابع للحكومة أو القطاعات شبة الحكومية فإنه يتم التنفيذ علي المرتب الأساسي والإضافي.

أما إذا كان الزوج يعمل بعمل تابع لجهة خاصة، فإنه يتم التنفيذ علي الراتب الأساسي فقط.

وفي كلتا الحالتين لا يتعدى التنفيذ 50% من الأجر كما سبق الذكر. وهو ما لا يصل في كثير من الأحيان إلي ما تم الحكم به للمستحقين للنفقة مما يعيق النساء عن التنفيذ للحصول علي كامل مستحقاتهن (ويصبح المبلغ محل التنفيذ ضئيل لا يغني عن الجوع).

هذا فضلاً عن أن تحديد هذه النسب يعطي فرصة كبيرة للأزواج للتلاعب وعدم السداد الذي يتخذ أشكالاً عدة أكثرها شيوعاً إدخال الزوج لأي من أقرباءه في دعوى النفقة المرفوعة من الزوجة أو المطلقة أو الأبناء وذلك للتزاحم علي مقدار ما يتم التنفيذ عليه ومن ثم تتضاءل نسبة ما تحصل عليه الزوجة لها ولأبنائها أكثر مما هو ضئيل بالأساس.

هذا فيما يتعلق بذوي الأجور والمعاشات وما في حكمهما أما ذوي الأعمال الحرة فيصبح التنفيذ لاستيفاء ديون النفقة شبه مستحيل حيث لا تجد النساء سواء طريق دعوى الحبس وهي دعوى يتم رفعها أمام المحكمة للحصول علي حكم بالحبس لعدم دفع النفقة لكنها تستلزم :

أولاً :- الحصول علي حكم بالنفقة وما يستغرق من وقت عادة ما يمتد إلي سنة.

ثانياً:- أن يصبح هذا الحكم نهائيا.

ثالثاً :- الحصول علي حكم بالحبس وهو الأمر الذي يستغرق وقت طويل أيضاً نظراً لتكدس الدعاوى وقلة عدد القضاة.

و لا يعد تنفيذ حكم الحبس من الأمر الهين. فهو يستلزم وقت وجهد وتكلفة لا تستطيع النساء المحتاجات للنفقة تحمله إلا بنسبة قليلة جداً أو اللاتي يحكم لهن بمبالغ كبيرة .

إذا كان الزوج يعمل بالخارج فإن إجراء التنفيذ عليه يتطلب عدة إجراءات

أن تقوم السيدة شخصيا بتقديم الحكم القضائي مشمولا بالصيغة التنفيذية إلى المكتب الفني للنائب العام بمحكمة النقض بدار القضاء العالي للحصول علي تأشيرة علي الطلب المعد لذلك ولكن يشترط أن تكون علي علم بمكان إقامة وعمل الزوج بالخارج.

بعد ذلك يتم تحويلها إلى الإدارة القنصلية بجاردن سيتي (عمارة إيزيس) حيث أنها الجهة المختصة بمتابعة المصريين العاملين بالخارج والتنفيذ عليهم حيث تقوم بإرسال الحكم إلى السفارة المصرية للبلد التي يعمل بها الزوج حتى يتم التنفيذ بالتعاون مع الجهات القضائية المختصة بالدولة الأجنبية مع مراعاة الاتفاقيات الخاصة بشرط المعاملة بالمثل. وتتم تلك الإجراءات كلها دون سداد أي رسوم أو مصروفات.

لذ يتحول الحصول علي مبالغ النفقة إلي إجراءات وتعقيدات إدارية تساهم في التنكيل بالزوجة أو المطلقة والأولاد أكثر منه التزام شرعي وقانوني يسد بعض الاحتياجات الأساسية لطالبات النفقة اللاتي يتخذون كل هذه الخطوات في ظل عدم وجود مورد رزق بالأساس لتغطية نفقاتهن الضرورية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن وتعليم.

دعاوى النفقة أمام القضاء

يتناول هذا القسم دراسة وتحليل لعدد مائة واثنين وثلاثون دعوى قضائية لعدد اثنين وتسعون سيده تم تداولها أمام القضاء وذلك للوقوف علي الجوانب العملية التي تشكل عقبات في سير الدعاوى.

وقد تم اختيار هذه العينات بعد دراسة كاملة لهم من كافة الجوانب بحيث تشتمل العينة علي أنماط مختلفة من السيدات من ناحية السن والمستوى التعليمي والعمل ومحل الإقامة، ما بين المدن والمناطق العشوائية، والحالة الاجتماعية، ما بين متزوجة ومطلقة وأرملة، كذلك اختلاف دعاوى النفقة ذاتها وطرق تنفيذ أحكامها المختلفة حتى تكون هذه العينة مثال جيد لباقي الحالات الموجودة بالدولة ولم تشملهم الدراسة.

نوع دعاوى النفقة التي قامت النساء برفعها

أظهرت الملفات عن نوع دعوى النفقة التي قامت برفعها السيدات أن نسبة25،9% قمن برفع دعوى نفقة للصغار الذين في حضانتهن للأنفاق عليهم وتلبية احتياجاتهم الأساسية بينما نسبة 21.5% طلبن نفقة لهن ولصغارهن.

أما من طلبن نفقة خاصة بهن، فقد وصلت نسبتهن إلي 9.5% ووصلت نسبة من طلبن نفقة عدة، وهي نفقة خاصة بالزوجة بعد الطلاق إلي 7.8% ومن طلبن نفقة من أقارب غير الزوج لأنفسهن إلي 3.5%. وهو ما تؤكده أيضاً باقي الدعاوى حيث وصلت نسبة من قمن برفع دعوى لزيادة نفقة للأبناء إلي7,7% ومن رفعن دعاوى حبس علي الزوج لاستيفاء مبالغ متجمد النفقات إلي 12.9% ومن واجهن كمدعي عليهن دعاوى الأزواج لتخفيض النفقات للزوجة والأبناء إلي 1.7% ومن طلبن أجر مسكن وحضانة للأطفال وصلت نسبتهن إلي 9.5%.

وبجمع من طلبن نفقات خاصة بهن، فقد وصل المجموع إلي نسبة 20% أي أقل مما تطلب النساء لأطفالهن، ووصل مجموع من طلبن نفقات للأبناء إلي نسبة 80%، الأمر الذي يعكس الدوافع التي تدفع النساء لطلب النفقة عن طريق القضاء والتي تكون بالدرجة الأولي للأبناء وليس لهن.

مدة مباشرة الدعوى

أشارت الدراسة إلى المدد التي استغرقتها دعاوى النفقة للحصول علي حكم قضائي أولي، فبلغت دعاوى النساء التي استغرقت أكثر من 9 شهور وأقل من سنة 25،6% ومن امتدت دعاواهن أكثر من سنة وأقل من سنتين

13,80% أما اللاتي استمرت دعاواهن لأكثر من سنتين فبلغت17،90% أما باقي النسبة وهي 33،40% فمازالت متداولة بالمحاكم دون أن تنتهي بحكم قضائي وقد لجأت نسبة 9،30% إلي إنهاء الدعوى صلحاً.

ويوضح هذا المؤشر الصعوبة في الحصول علي نفقة في وقت قصير علي الرغم من كون النفقة من متطلبات الحياة الأساسية التي تكفل للمرأة الحد الأدنى من الحياة الكريمة والتي لا تضطر معها إلي القيام بسلوك قد تخجل من مواجهة المجتمع به. كما يدل علي قدر المعاناة التي تعانيها النساء، لاسيما وأن النسبة الكبيرة من طالبات النفقة هن بالأساس لا يعملن. وبالرجوع إلي مؤشر الدعم الاجتماعي نجد أن نسبة كبيرة منهن أيضاً لا تتلقى دعم ومن ثم لا تتحمل ظروفهن البقاء دون منفق ولو حتي تسعة أشهر، وهي أقل مدة ذكرتها النساء للحصول علي حكم أولي بالنفقة.

مقدار النفقة التي تم الحكم بها

أظهرت ملفات السيدات الراغبات في الحصول علي نفقة واللاتي قمن بالمطالبة القضائية أن نسبة 25% من السيدات تم الحكم لهن بمبلغ أقل من مائة جنية شهرياً ونسبة 22.4% من السيدات تم الحكم لهن بمبلغ من مائة إلي مائتي جنية شهرياً بينما وصلت نسبة الحاصلات علي أكثر من مائتي جنية شهرياً إلي9.9% فقط.

وفضلت نسبة 9.3% من السيدات السير في طريق عقد اتفاق مدني بينها وبين المدعي عليه بالنفقة، أي اتخاذ إجراءات صلح مع التوثيق القضائي. وعلي الرغم من أن هذه الطريقة لا تكفل للنساء الحد الأدنى من حقوقهن، إلا أن الدراسة أكدت أن هذه النسبة الكبيرة نسبياً تفضل هذا الطريق رغم الخسائر تيسيراً للوقت والإجراءات. كما وصلت نسبة من لم يستطعن الحصول علي أحكام قضائية، لا مؤقتة ولا حكم درجة أولي، إلي33.4%.

أسباب تعطيل صدور حكم في الدعوى ( إطالة أمد النزاع)ظهر من خلال دراسة ملفات السيدات أن أسباب إطالة أمد النزاع وعدم الحصول علي حكم سريع في دعاوى النفقة متعددة.

يتصدرها إجراء التحري عن دخل المدعي عليه (الزوج) حيث وصل إلي نسبة 35.7% من الدعاوى، وهو إجراء تطلبه المحكمة ويتم من خلال قسم الشرطة القاطن في دائرة المدعي عليه للسؤال عن دخله في حالة عمل الزوج في الأعمال الحرة أو التوجه بطلب رسمي من المحكمة إلي الهيئة العامل فيها الزوج في حالة إذا كان الزوج موظف. ورغم سهولة التحري في هذه الحالة إلا أن الواقع يؤكد أنها غير جدية حيث يتم احتساب الدخل دون مكافآت أو حوافز إضافية ويقتصر الأمر علي المفردات الأساسية للراتب الذي غالباً ما يكون بعيداً عن الواقع.

وعلي ضوء العينة، موضوع البحث، فإن التحري عن دخل الزوج الذي يعمل بالأعمال الحرة هو من أهم أسباب التعطيل الرئيسية لهذا الأجراء وكذلك الاستغراق في المخاطبة والمكاتبات ما بين المحكمة والجهات المعنية بالطرق الرسمية.

فضلاً عن أن التحري في حالة عمل المدعي عليه بالأعمال الحرة عن طريق قسم الشرطة هو الأكثر تعطيلاً حيث أن الخطاب يوجه إلي مأمور القسم الذي يحيله بدوره، تبعاً للتسلسل الوظيفي، حتى يستقر في يد شخص يسمى "شيخ الحارة" والذي يأتي تحريه عن دخل الزوج هو الفيصل في الدعوى. وعادة يتسم خطاب التحري بعدم الجدية وبالتلاعب في أحيان كثيرة. وعلي الرغم من كثرة الشكوك بخصوص نزاهة نظام التحري، إلا أنه وللأسف لم يتخذ آي خطوات نحو إيجاد نظام بديل وما زال هو المعمول به في المحاكم. وعادة ما لا يتم إنجازه ألا بعد فتره طويلة من الوقت قد تطول إلى شهور كثيرة وأحيانا إلى اكثر من سنه إذا لم يكن هناك متابعة دؤوبة له ولشيخ الحارة. ويزداد الأمر تعقيداُ إذا كان الزوج يعمل بأكثر من مهنة ومن ثم لا بد أن يغطي إجراء التحري دخله عن هذه المهن والبحث في أماكن متعددة عن مصادر دخله.

أما في حالة إذا كان الزوج موظف، نواجه مشكلة في التلاعب من جهة عمله في تحديد مقدار دخله الفعلي فكثيرا ما يحجبون الدخل الحقيقي للموظف العامل لديهم ويدلون ببيانات توضح مدى ضعف دخله حتى يصدر حكم بنفقه ضئيلة للزوجة.

كما ظهر أن نسبة 22% من الدعاوى تتعطل نتيجة إجراءات إعلان الدعوى، وهو إجراء تقوم به المدعية مباشرة بعد رفع الدعوى وتقيدها في المحكمة، حيث تقوم بعمل إعلان للمدعي عليه لتعلمه بموعد ومكان انعقاد الجلسة وموضوع الدعوى القضائية ثم عبر القيد في قلم محضرين المحكمة وهو أيضاً يستغرق وقت نتيجة للتعقيدات الإدارية.

وعادة في حالة إجراء الإعلان يرفض المدعي عليه استلام الإعلان بدعوى عدم وجوده وذلك لإلزام المحكمة بتأجيل الدعوى مرة أخري لإعادة الإعلان.

ظهر أيضاً أن نسبة 12% من الدعاوى قد تم تعطيلها لأسباب أخري متعددة منها زيادة عدد الدعاوى المنظورة أمام نفس الدائرة القضائية مما يضطر معه القضاء إلي تأجيلها لأسباب بسيطة قد تصل إلي ثلاث أشهر في المرة الواحدة.

وقد يبدأ في نظر الدعوى مع بدء الإجازة الصيفية للهيئات القضائية والتي كانت ثلاث أشهر ثم تم تخفيضها إلي شهر واحد. ولكن يؤكد الواقع العملي أن الهيئات القضائية ما زالت تتعامل مع العطلة الصيفية علي أنها ثلاثة شهور.

وعلي الرغم من هذا، ظهر أن نسبة 30.3% من الحالات تم إنجازها في أوقات قصيرة نسبياً وهي الحالات التي فضلت السير قدماً في طريق التصالح نظراً لظروف التأخير في الفصل في الدعوى والمصاريف الباهظة، مما أضطرهم إلي التنازل عن بعض حقوقهم وعقد اتفاق مدني ودي بين الطرفين.

ولكن هذه الطريقة والتي فضلت بعض السيدات اللجوء إليها تمثل اشد الضرر لها. فهي قد اضطرت إلى تقديم تنازلات كثيرة من حقوقها مقابل بعض الفتات يعطيها لها الزوج آو مطلقها وديا دون اللجوء إلى المحاكم. ومن تلك الحقوق التي تتنازل عنها أحيانا منقولات الزوجية آو مسكن الحضانة آو حقها في أجر مسكن للحضانة، كذلك قد تتنازل عن عدتها ومؤخر صداقها ومتعتها مضطرة أيضاً.

تنفيذ الدعاوى التي تم الحصول فيها علي أحكام

ويشير معدل تنفيذ الدعاوى لعينة الدراسة أن نسبة اللاتي استطعن التنفيذ قد بلغت 40% من إجمالي الحالات التي تم الحصول فيها علي أحكام.

أسباب تعطيل التنفيذ

ظهر من خلال البحث أن أهم أسباب تعطيل أو عدم تنفيذ الأحكام القضائية بالنفقة هي طبيعة عمل الزوج. وتصدر العاملين بالأعمال الحرة القائمة حيث وصلت نسبة 31.3%

لم يستطعن الحصول علي مبالغ النفقة رغم صدور حكم قضائي بهذا الأمر نتيجة عمل المدعي عليه (عادة الزوج) بأعمال حرة. وهي نسبة ليست قليلة وتؤكد أهمية وضرورة أن تلعب الهيئات الحكومية لاسيما بنك ناصر، دور مهم في تنفيذ أحكام النفقة أو صرف المبالغ للسيدات واحلال البنك محل السيدة في استحقاق دين النفقة.

أما فيما يتعلق بالأسباب الأخرى لتعطيل أو عدم تنفيذ أحكام النفقة، فهي أقل نسبياً من حيث التأثير حيث وصلت نسبة من لم يستطعن التنفيذ نتيجة تلاعب الزوج وهروبه بتغيير محل أقامته وعمله عمداً إلي 10.5%. هذا بخلاف موظفي الحكومة أو الهيئات الخاصة التي عادة ما يتم التنفيذ عليهم عبر الحجز علي مرتباتهم في محل عملهم مباشرة والمستقر نسبيا بخلاف أصحاب المهن الحرة أو الوظائف المؤقتة.

كما أن نسبة 10.5% من السيدات لا يستطعن التنفيذ نتيجة إهمال وتعطيل المحضرين في تنفيذ الأحكام وكثرة الإجراءات الإدارية وتواطؤ المحضرين مع المدعي عليه. هذا فضلاً عن أن نسبة 15.7% لم يستطعن التنفيذ لأسباب أخرى من أهمها، ارتفاع التكاليف المادية للتنفيذ.

وذلك لأن إجراء التنفيذ علي الزوج في حالة التنفيذ المباشر يتطلب نفقات ومصاريف كثيرة، منها مصاريف التوكيل بالتنفيذ ثم إجراءات النشر والبيع وأخري لا تأخذ الشكل الرسمي ثم يأتي لاحقاًُ لذلك قيام الزوج بالتعطيل بقيامه برفع دعوى استرداد عن طريق زوجة أخرى أو أحد والديه.

كذلك إذا لجأت السيدة إلى إقامة دعوى حبس لمتجمد النفقة بعد صيرورة حكم النفقة نهائي، فهذا يتطلب منها أن تسدد رسوم الدعوى في المحكمة وهى رسوم باهظة تشكل عبء كبير عليها وكثيرا لا تملكها .

وهناك نسبة 25% فضلن إنهاء قضاياهن وتنفيذها بطريقة ودية. كذلك هناك نسبة 7% من السيدات لم يستطعن التنفيذ بسبب سفر الزوج وعمله بالخارج. فالسيدات كثيراً لا تعلمن عنوان عمل الزوج وإذا كانت تعلمه، فهي لا تعرف كيفية التنفيذ عليه بالخارج وما هي الجهات آلتي تلجاء إليها لتنفيذ الحكم كما سبق وأن أوضحنا.

طريقة التنفيذ لمن استطعن القيام بالتنفيذ من إجمالي الحاصلات علي أحكام نهائية بالنفقة

أتضح من دراسة العينة، موضوع البحث، أن نسبة اللاتي استطعن التنفيذ عبر الحجز علي مرتب الزوج نتيجة لاستقرار المدعي عليه تمثل 36% وهي أكثر الطرق سهولة نتيجة لاستقرار المدعي عليه بالعمل والتنفيذ من خلال إخطار جهة العمل بالحكم والخصم من المنبع (حجز ما للمدين لدي الغير). بينما لجأت نسبة 36% من السيدات إلي رفع دعوى حبس علي المدعى عليه، وهي طريقة تستغرق وقتاً طويلاً لاسيما مع احتساب المدة من بدء مطالبة السيدات بالنفقة، حيث تستغرق في المتوسط سنة للحصول علي حكم نفقة، ثم ضرورة أن يصبح الحكم نهائي بفوات مواعيد الاستئناف أو استئناف أحد الطرفين. وما تستغرقه أيضاً دعوى الحبس من وقت قد يطول كثيراً لأنها تتطلب إعلان وإعادة إعلان والتحري وإعلان بأمر الدفع ثم بعدها يأتي الزوج ويطلب اجل للسداد ثم يبدأ في تقسيط هذا المتجمد علي مدار عدة جلسات قد تطول كثيرا. ولكن رغم الصعوبات والكلفة لا تجد السيدات طريقة للحصول علي النفقة وخاصة ممن يعملوا بأعمال حرة غير هذه الطريقة.

واتجهت نسبة 28% من السيدات إلي طريق الحجز المباشر علي ممتلكات المدعي عليه وهي عادة ما تكون منقولات وذلك لاستيفاء دين النفقة وهي طريقة ليست أيسر ولا أقصر من طريقة دعوى الحبس. وهذه الطريقة من الحجز عادة ما تصطدم بشخص ثالث يقوم برفع دعوى استرداد لما تم الحجز عليه كما سبق الذكر.*هذه النسب من النسبة المحددة للسبب الموضح بعالية وليس من النسبة الإجمالية.

وعلي الرغم من الصعوبات الجمة في التنفيذ إلا أن أحد من السيدات لم يلجأ إلي بنك ناصر وهي نسبة 100% رغم عجزهن عن التنفيذ.

كم زوج سلم الزوجة مبالغ نقدية ممن سعين للتنفيذ

بعد رحلة عناء طويلة في استصدار أحكام النفقة ومحاولات التنفيذ كان هناك ضرورة للبحث عن عدد اللاتي استطعن الحصول علي نفقة حيث وصلت النسبة إلي 21% بينما وصلت نسبة اللاتي لم يستطعن الحصول علي نفقة إلي 79%.

عدد اللاتي توجهن لبنك ناصر

رغم هذا العناء الكبير والطويل والمضنى في أروقة المحاكم، لم تتوجه أي من المبحوثات إلي بنك ناصر الاجتماعي ومن ثم لم نستطع استكمال أي من البيانات التي كانت محددة في استمارة البحث حول إجراءات التنفيذ من بنك ناصر ودوره في دعم النساء وأطفالهن.

واللافت للنظر عن السؤال عن بنك ناصر أن جميع المبحوثات أجبن أنهن علي علم أن البنك لا يقدم أي دعم ودائما ما يرفع شعار "لا يوجد مخصصات مالية"كما أنهن يعلمن أنهن في حالة ذهابهن إلي البنك فلن يتلقين أي رد وإذا كان للبنك دور في التنفيذ فيكون للمحكوم عليهم في العمل الحكومي أو أصحاب المعاشات فقط دون أصحاب المهن الحرة ولكن عليهم الانتظار لفترة طويلة.



الدكتور عادل عامر

دكتور القانون العام

عضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان

مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية

مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي  للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا

مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية

مستشار تحكيم دولي         محكم دولي معتمد      خبير في جرائم امن المعلومات

نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي  لحقوق الانسان والتنمية

نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا

عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة

عضو منظمة التجارة الأوروبية

عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان

محاضر دولي في حقوق الانسان

01118984318

01555926548

01024975371

01277691834






عن الكاتب

Sayed saber

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مجلتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المجلة السريع ليصلك جديد المجلة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على زر الميكروفون المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الطريق الآخر لحياة أفضل