الطريق الآخر لحياة أفضل الطريق الآخر لحياة أفضل
recent

آخر الأخبار

recent
الدورات التدريبية
جاري التحميل ...

الغرب والإسلام الغرب وإثارة النعرات الجاهلية (48) مصطفى إنشاصي

الغرب والإسلام
الغرب وإثارة النعرات الجاهلية (48)
مصطفى إنشاصي 
ذكرنا في حلقات سابقة: أن تفكيك وتمزيق وحدة الأمة على اختلاف قومياتها من خلال نسج تاريخ قديم لكل قطر ليشكل هوية وطنية جديدة تكون بديل له عن تاريخه الإسلامي هي ركن أساس في مخططات الغرب لاختراق وإضعاف الأمة وتدمير الإسلام وفرض هيمنته عليها، وقد كانت البداية مع حملة نابليون التي بعثت أول نعرة جاهلية في تاريخ الأمة الحديث وهي الدعوة إلى الفرعونية، وقد انتشرت بعد ذلك في كل أرجاء الوطن، الدعوة إلى البابلية في العراق، الآرامية في سوريا، الأنباط في الأردن، الكنعانية الفينيقية في فلسطين ولبنان، الأمازيغية في شمال إفريقيا، الطورانية في تركيا ...، والآن يخطط الغرب لمزيد من التفتيت بنعرات الطائفية والمذهبية والأثنية و...!
وقد كانت توصيات تقرير كامبل بنرمان العاجلة تتمثل في: "ضرورة فصل الجزء الإفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي وضرورة إقامة الدولة العازلة إذ أن إقامة حاجز بشري قوي على الجسر الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ويربطهما معا بالبحر المتوسط بحيث يشكل من هذه المنطقة، وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة، وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة". 
وقد كان من الوسائل والسبل أيضاً: "العمل على إيجاد التفكيك والتجزئة والانقسام وإنشاء دويلات مصطنعة تابعة لتلك الدول وخاضعة لسيطرتها وأوصى بشكل خاص على محاربة اتحاد هذه الجماهير العربية أو ارتباطها بأي نوع من أنواع الاتحاد الفكري أو الروحي أو التاريخي وبضرورة إيجاد الوسائل العلمية القوية لفصلها عن بعضها بعض ما استطاع الاستعمار إلى ذلك سبيلاً".

العرب قبل الإسلام
من شدة عشقي لتاريخ أُمتي قبل وبعد الإسلام وأنه مسيرة متصلة لا تنفصل، وأن حاضرنا مبني على ماضينا، وأننا كأمة أصبحنا خارج الفعل والتأثير عالمياً، ولتغيير واقعنا نحن بحاجة لثقافة التاريخ، الوعي بالتاريخ: دروس وعبر وتجارب لاستعادة ثقتنا بأنفسنا كأمة كانت عظيمة قبل الإسلام وبعده، وأنها منذ فجر تاريخها وفضلها الحضاري والإنساني على العالم لا ينكره إلا جاحد أو جاهل، بل هي أصل كل العلوم والحضارة الإنسانية! لذلك سأكتب عن تاريخنا قبل الإسلام الذي أثاره الغرب لتمزيق وحدتنا بحلة مختلفة عن حلة المستشرقين وتلامذتهم المتغربين في وطننا.
اسمحوا لي أن أفتاح هذه الدراسة بجزء من رسالة بتاريخ 2 صفر 1420ه الموافق 17/5/1999م، أرسلتها لأحد الأصدقاء الذين هاجروا إلى الغرب وكان يدعوني للهجرة لحاقاً به، خاصة أن ظروفي في اليمن صعبة ولا يبدو في الأفق ما يوحي بتحسنها، وقد كنت سأترجمها للغة الإنجليزية لكن لضعف لغتي الإنجليزية وطول الرسالة أرسلتها باللغة العربية. وأسأل الله أت تصل الفكرة التي قد لا أحسن التعبير عنها بكلمات أو مقالة:

عزيزي/ ...
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا تستغرب لأنني أكتب إليك باللغة الإنجليزية رغم عدم إجادتي لها! لكنه الزمن زمن التغير في كل شيء، في الشكل والمضمون، زمن الانكسار والانتكاس، زمن الهزيمة المعنوية والنفسية، زمن التبعية الفكرية والحضارية، زمن فقدان الذات والهوية، وتغير معالم الشخصية، إنه زمن التراجع والانحطاط، زمن التغريب والغُربة، إنه زمن سيادة قيم الحضارة الغربية ونماذجها الحضارية. لذلك أكتب لك بلغتك الجديدة، خوفاً أن تكون قد نسيت لغتك الأم! كما نسيت كثير من الأمور إن لم يكن جميعها، ومنها موقف العداء الغربي المطلق في وعيه ولا وعيه للشرق والإسلام بالتحديد، على الرغم من علمهم أن الإسلام خلاف ما يصورونه لأنفسهم ومواطنيهم. اسمح لي يا صديقي العزيز اصطحابك في جولة سريعة لعلاقة الشرق بالغرب، سواء قبل الإسلام أو بعده، لنرى ماذا نجد فيها؟!
بداية أقول: إن هذا الغرب الذي يرى نفسه اليوم أفضل وأرقى من المسلمين وكل شعوب الأرض، وأنه وحده من له الحق في السيادة على العالم، ويرى أن حضارته فقط التي تستحق أن تسود وتنتصر، وأن السيادة على الأرض هي للرجل الأبيض كما قال الفيلسوف الإنجليزي براند راسل منتصف هذا القرن (العشرين)، ومن قبله المؤرخ توماس أرنولد توينبي بدايات القرن، وفرانسيس فوكوياما الياباني الأصل والأمريكي الجنسية في كتابه "نهاية التاريخ"، واليهودي الأمريكي صموئيل هننغتون في كتابه "صدام أو صراع الحضارات والثقافات" نهاية القرن وغيرهم كثيرين.
إن هذا الغرب على كل ما هو عليه من قوة اليوم لا زال يشعر في أعماقه بالخوف وعقدة النقص والدونية تجاه الشرق، لذلك هو يبالغ في سياسته العدوانية وممارساته الإجرامية ضده وخاصة الوطن الإسلامي منه، عله يستطيع سحقه والقضاء عليه حتى يتخلص من شعور الخوف والدونية لديه الذي يطارده. إن الغرب الذي أصله القارة الأوروبية، هذه القارة بداية من اسمها، انتهاءاً بحضارتها مدينة بوجودها للشرق ...
فاسمها كما تروي الأسطورة الأوروبية نفسها في الأصل هو اسم أميرة سورية، فرت من سوريا على إثر صراع حدث بينها وبين أخاها على العرش، وقد فرضت تلك الأميرة سيطرتها على القارة الأوروبية كلها، ولشدة ما كانت تتمتع به من جمال وقوة أطلق اسمها على القارة الأوروبية. أو كما يقول الباحثون الأوربيون أن أصل التسمية يرجع الى الأسطورة اليونانية المأخوذة عن الفينيقيين: أن (أوربا، عوربا، غوربا، اوربا)، أميرة فينيقية، ابنة ملك صور(لبنان)، عندما كانت تتمشى على شاطئ البحر، شاهدها (زيوس، إله اليونان) وانبهر بجمالها، فتنكر على هيئة ثور واختطفها نحو الشواطئ الغربية من البحر المتوسط. وتخليداً لذكرى هذه الأميرة، أطلق الفينيقيون واليونان اسمها على (قارة أوروبا). 
 وإذا ما تركنا الأسطورة وعدنا إلى حقائق التاريخ، فإن بعض المؤرخين يقول: أن أوروبا مأخوذة من كلمة "الغاربة"، والغاربة في الأصل كلمة عربية تعني الأراضي الواقعة إلى جهة الغرب من بلاد الشام والعراق. أي أن أوروبا في كلتا الحالتين هي كلمة عربية. 
كما أن المؤرخين يؤكدون أن أوروبا قبل الإسلام تدين للشرق بالكثير الكثير إن لم يكن بكل شيء، بدء من جزء كبير من سكان جنوب أوروبا والإغريق تحديداً وأصولهم العربية، مروراً معتقداتها الدينية وآلهتها التي عبدتها، وكثير من آرائها الفكرية والفلسفية، إلى كثير من أدوات التقدم الحضاري والمدنية، انتهاءً بـ(النصرانية)، تلك الرسالة السماوية التي اعتنقتها ولم تسلم من وثنيتها وهمجيتها، فكثير من الآلهة اليونانية والرومانية القديمة في الأصل آلهة كنعانية وفينيقية وبابلية ومصرية ... إلخ، أخذتها أوروبا عن الشرق، ونزعت عنها الطابع الشرقي المسالم والموادع وطبعوها بالطابع الغربي الهمجي.
وتذكر أساطيرهم القديمة أن تلك الآلهة الأوروبية قد تعلمت الحكمة من الشرق، وأخذت عنه الكثير عن أسرار الحياة والكون. كما أنه في الوقت الذي كانت فيه أوروبا ودولها منغلقة على نفسها داخل حدودها ضاربة في غياهب العزلة والجهل - كما كان حالها في عصورها الوسطى، عصور الازدهار والتقدم الحضاري الإسلامي - كانت أساطيل الشرق التجارية وخاصة الفينيقية (الكنعانية) تجوب بحار العالم المعروفة آنذاك، ناقلة معها إلى جانب حمولتها التجارية فنون حضارتها الزاهرة والمتقدمة على حضارات العالم القديم، من فن الكتابة والحساب والزراعة والصناعة والفلك ... وغيرها من العلوم والفنون.
وكانت أساطيلهم البحرية تفتح وتكتشف الأراضي والجزر المجهولة، وتقيم فيها المدن وتعمرها وتبعث فيها الحياة وتشيد الحضارات، وذلك بدءاً من ساحل البحر الأبيض المتوسط الشرقي مروراً بجزره كلها وصولاً إلى أسبانيا والجزر البريطانية في أقصى الغرب والشمال الغربي، إلى درجة أن بريطانيا هذه تدين باسمها هذا للفينيقيين الذين هم أول من اكتشفها وأطلقوا عليها هذا الاسم الذي يعني في لغتهم "أرض أو بلاد القصدير" لكثرة ما كان فيها من قصدير. كما أن مضيق جبل طارق اليوم قبل أن يعبره القائد المسلم طارق بن زياد ويحمل اسمه بعدها، كان اسمه "مضيق هرقول" نسبة إلى أحد آلهة الكنعانيين "الإله هرقول"، وقد كان على كلا جانبيه نصب تمثالين للإله هرقول. كما أن الفينيقيين اكتشفوا طريق رأس الرجاء الصالح قبل أن يكتشفه البرتغاليون بما يزيد على ألف سنة، وفي وقت لم تكن فيه أوروبا تجرؤ على الإبحار أمتاراً فيما كانوا يسمونه "بحر الظلمات" المحيط الأطلسي حالياً. 
كما أن كثير من المؤرخين يقولون: أن الكنعانيين ومن بعدهم المسلمون هم أول من اكتشف الأمريكتين، وأن الأوروبيين عندما نزلوا على سواحل أمريكا الجنوبية قد وجدوا صخرة على الشاطئ عليها كتابة كنعانية. وأن علماء الجغرافية والملاحين المسلمون هم الذين ساعدوا الغرب على الوصول وليس اكتشاف رأس الرجاء الصالح أو رأس العواصف كما كان الغرب يسميه، والوصول إلى جزر الهند الشرقية "إندونيسيا والفلبين"، وعلى الوصول إلى الأمريكتين، وذلك بعد سقوط الأندلس.
كما أن الغرب والعالم يدين للشرق والكنعانيين والفينيقيين خاصة في معرفة الحروف الهجائية قبل الإسلام، وبالأرقام الحسابية بعده، وبكثير من معتقداته وأفكاره وآرائه الفلسفية والاجتماعية والإنسانية والعلمية قبل وبعد الإسلام. وكثير لا مجال لحصره هنا مكتوب ومدون في كتب الغرب نفسه القديمة والحديثة بدءً من كتاب المؤرخ الشهير هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، إلى كتب المؤرخ ول ديورانت وويلز ورالف لينتون حديثاً وغيرهم.
وبعد، إذا ما سألت عن صورة العربي في كتب الغرب التاريخية القديمة قبل الإسلام، وخاصة الفينيقي (الكنعاني) الذي لا ينكر تقدمه العلمي والحضاري وفضله الكبير على الغرب؟ ستجد الإجابة هي الصورة نفسها التي تجدها للإسلام والمسلمين الذين يدمغ فضلهم الغرب في جميع ميادين الحياة والعلم، فقد شوهوا صورة العربي قبل الإسلام ووصفوه بالتخلف والهمجية والقسوة وسوء الطباع والخلق ... إلخ. إنها عقدة الشعور بالنقص وجحود أهل الفضل فضلهم، إنها عقدة الخوف من أن يستعيد الشرق المسلم قيادة العالم من جديد.
ذكرنا في حلقات سابقة: أن تفكيك وتمزيق وحدة الأمة على اختلاف قومياتها من خلال نسج تاريخ قديم لكل قطر ليشكل هوية وطنية جديدة تكون بديل له عن تاريخه الإسلامي هي ركن أساس في مخططات الغرب لاختراق وإضعاف الأمة وتدمير الإسلام وفرض هيمنته عليها، وقد كانت البداية مع حملة نابليون التي بعثت أول نعرة جاهلية في تاريخ الأمة الحديث وهي الدعوة إلى الفرعونية، وقد انتشرت بعد ذلك في كل أرجاء الوطن، الدعوة إلى البابلية في العراق، الآرامية في سوريا، الأنباط في الأردن، الكنعانية الفينيقية في فلسطين ولبنان، الأمازيغية في شمال إفريقيا، الطورانية في تركيا ...، والآن يخطط الغرب لمزيد من التفتيت بنعرات الطائفية والمذهبية والأثنية و...!
وقد كانت توصيات تقرير كامبل بنرمان العاجلة تتمثل في: "ضرورة فصل الجزء الإفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي وضرورة إقامة الدولة العازلة إذ أن إقامة حاجز بشري قوي على الجسر الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ويربطهما معا بالبحر المتوسط بحيث يشكل من هذه المنطقة، وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة، وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة". 
وقد كان من الوسائل والسبل أيضاً: "العمل على إيجاد التفكيك والتجزئة والانقسام وإنشاء دويلات مصطنعة تابعة لتلك الدول وخاضعة لسيطرتها وأوصى بشكل خاص على محاربة اتحاد هذه الجماهير العربية أو ارتباطها بأي نوع من أنواع الاتحاد الفكري أو الروحي أو التاريخي وبضرورة إيجاد الوسائل العلمية القوية لفصلها عن بعضها بعض ما استطاع الاستعمار إلى ذلك سبيلاً".

العرب قبل الإسلام
من شدة عشقي لتاريخ أُمتي قبل وبعد الإسلام وأنه مسيرة متصلة لا تنفصل، وأن حاضرنا مبني على ماضينا، وأننا كأمة أصبحنا خارج الفعل والتأثير عالمياً، ولتغيير واقعنا نحن بحاجة لثقافة التاريخ، الوعي بالتاريخ: دروس وعبر وتجارب لاستعادة ثقتنا بأنفسنا كأمة كانت عظيمة قبل الإسلام وبعده، وأنها منذ فجر تاريخها وفضلها الحضاري والإنساني على العالم لا ينكره إلا جاحد أو جاهل، بل هي أصل كل العلوم والحضارة الإنسانية! لذلك سأكتب عن تاريخنا قبل الإسلام الذي أثاره الغرب لتمزيق وحدتنا بحلة مختلفة عن حلة المستشرقين وتلامذتهم المتغربين في وطننا.
اسمحوا لي أن أفتاح هذه الدراسة بجزء من رسالة بتاريخ 2 صفر 1420ه الموافق 17/5/1999م، أرسلتها لأحد الأصدقاء الذين هاجروا إلى الغرب وكان يدعوني للهجرة لحاقاً به، خاصة أن ظروفي في اليمن صعبة ولا يبدو في الأفق ما يوحي بتحسنها، وقد كنت سأترجمها للغة الإنجليزية لكن لضعف لغتي الإنجليزية وطول الرسالة أرسلتها باللغة العربية. وأسأل الله أت تصل الفكرة التي قد لا أحسن التعبير عنها بكلمات أو مقالة:

عزيزي/ ...
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا تستغرب لأنني أكتب إليك باللغة الإنجليزية رغم عدم إجادتي لها! لكنه الزمن زمن التغير في كل شيء، في الشكل والمضمون، زمن الانكسار والانتكاس، زمن الهزيمة المعنوية والنفسية، زمن التبعية الفكرية والحضارية، زمن فقدان الذات والهوية، وتغير معالم الشخصية، إنه زمن التراجع والانحطاط، زمن التغريب والغُربة، إنه زمن سيادة قيم الحضارة الغربية ونماذجها الحضارية. لذلك أكتب لك بلغتك الجديدة، خوفاً أن تكون قد نسيت لغتك الأم! كما نسيت كثير من الأمور إن لم يكن جميعها، ومنها موقف العداء الغربي المطلق في وعيه ولا وعيه للشرق والإسلام بالتحديد، على الرغم من علمهم أن الإسلام خلاف ما يصورونه لأنفسهم ومواطنيهم. اسمح لي يا صديقي العزيز اصطحابك في جولة سريعة لعلاقة الشرق بالغرب، سواء قبل الإسلام أو بعده، لنرى ماذا نجد فيها؟!
بداية أقول: إن هذا الغرب الذي يرى نفسه اليوم أفضل وأرقى من المسلمين وكل شعوب الأرض، وأنه وحده من له الحق في السيادة على العالم، ويرى أن حضارته فقط التي تستحق أن تسود وتنتصر، وأن السيادة على الأرض هي للرجل الأبيض كما قال الفيلسوف الإنجليزي براند راسل منتصف هذا القرن (العشرين)، ومن قبله المؤرخ توماس أرنولد توينبي بدايات القرن، وفرانسيس فوكوياما الياباني الأصل والأمريكي الجنسية في كتابه "نهاية التاريخ"، واليهودي الأمريكي صموئيل هننغتون في كتابه "صدام أو صراع الحضارات والثقافات" نهاية القرن وغيرهم كثيرين.
إن هذا الغرب على كل ما هو عليه من قوة اليوم لا زال يشعر في أعماقه بالخوف وعقدة النقص والدونية تجاه الشرق، لذلك هو يبالغ في سياسته العدوانية وممارساته الإجرامية ضده وخاصة الوطن الإسلامي منه، عله يستطيع سحقه والقضاء عليه حتى يتخلص من شعور الخوف والدونية لديه الذي يطارده. إن الغرب الذي أصله القارة الأوروبية، هذه القارة بداية من اسمها، انتهاءاً بحضارتها مدينة بوجودها للشرق ...
فاسمها كما تروي الأسطورة الأوروبية نفسها في الأصل هو اسم أميرة سورية، فرت من سوريا على إثر صراع حدث بينها وبين أخاها على العرش، وقد فرضت تلك الأميرة سيطرتها على القارة الأوروبية كلها، ولشدة ما كانت تتمتع به من جمال وقوة أطلق اسمها على القارة الأوروبية. أو كما يقول الباحثون الأوربيون أن أصل التسمية يرجع الى الأسطورة اليونانية المأخوذة عن الفينيقيين: أن (أوربا، عوربا، غوربا، اوربا)، أميرة فينيقية، ابنة ملك صور(لبنان)، عندما كانت تتمشى على شاطئ البحر، شاهدها (زيوس، إله اليونان) وانبهر بجمالها، فتنكر على هيئة ثور واختطفها نحو الشواطئ الغربية من البحر المتوسط. وتخليداً لذكرى هذه الأميرة، أطلق الفينيقيون واليونان اسمها على (قارة أوروبا). 
 وإذا ما تركنا الأسطورة وعدنا إلى حقائق التاريخ، فإن بعض المؤرخين يقول: أن أوروبا مأخوذة من كلمة "الغاربة"، والغاربة في الأصل كلمة عربية تعني الأراضي الواقعة إلى جهة الغرب من بلاد الشام والعراق. أي أن أوروبا في كلتا الحالتين هي كلمة عربية. 
كما أن المؤرخين يؤكدون أن أوروبا قبل الإسلام تدين للشرق بالكثير الكثير إن لم يكن بكل شيء، بدء من جزء كبير من سكان جنوب أوروبا والإغريق تحديداً وأصولهم العربية، مروراً معتقداتها الدينية وآلهتها التي عبدتها، وكثير من آرائها الفكرية والفلسفية، إلى كثير من أدوات التقدم الحضاري والمدنية، انتهاءً بـ(النصرانية)، تلك الرسالة السماوية التي اعتنقتها ولم تسلم من وثنيتها وهمجيتها، فكثير من الآلهة اليونانية والرومانية القديمة في الأصل آلهة كنعانية وفينيقية وبابلية ومصرية ... إلخ، أخذتها أوروبا عن الشرق، ونزعت عنها الطابع الشرقي المسالم والموادع وطبعوها بالطابع الغربي الهمجي.
وتذكر أساطيرهم القديمة أن تلك الآلهة الأوروبية قد تعلمت الحكمة من الشرق، وأخذت عنه الكثير عن أسرار الحياة والكون. كما أنه في الوقت الذي كانت فيه أوروبا ودولها منغلقة على نفسها داخل حدودها ضاربة في غياهب العزلة والجهل - كما كان حالها في عصورها الوسطى، عصور الازدهار والتقدم الحضاري الإسلامي - كانت أساطيل الشرق التجارية وخاصة الفينيقية (الكنعانية) تجوب بحار العالم المعروفة آنذاك، ناقلة معها إلى جانب حمولتها التجارية فنون حضارتها الزاهرة والمتقدمة على حضارات العالم القديم، من فن الكتابة والحساب والزراعة والصناعة والفلك ... وغيرها من العلوم والفنون.
وكانت أساطيلهم البحرية تفتح وتكتشف الأراضي والجزر المجهولة، وتقيم فيها المدن وتعمرها وتبعث فيها الحياة وتشيد الحضارات، وذلك بدءاً من ساحل البحر الأبيض المتوسط الشرقي مروراً بجزره كلها وصولاً إلى أسبانيا والجزر البريطانية في أقصى الغرب والشمال الغربي، إلى درجة أن بريطانيا هذه تدين باسمها هذا للفينيقيين الذين هم أول من اكتشفها وأطلقوا عليها هذا الاسم الذي يعني في لغتهم "أرض أو بلاد القصدير" لكثرة ما كان فيها من قصدير. كما أن مضيق جبل طارق اليوم قبل أن يعبره القائد المسلم طارق بن زياد ويحمل اسمه بعدها، كان اسمه "مضيق هرقول" نسبة إلى أحد آلهة الكنعانيين "الإله هرقول"، وقد كان على كلا جانبيه نصب تمثالين للإله هرقول. كما أن الفينيقيين اكتشفوا طريق رأس الرجاء الصالح قبل أن يكتشفه البرتغاليون بما يزيد على ألف سنة، وفي وقت لم تكن فيه أوروبا تجرؤ على الإبحار أمتاراً فيما كانوا يسمونه "بحر الظلمات" المحيط الأطلسي حالياً. 
كما أن كثير من المؤرخين يقولون: أن الكنعانيين ومن بعدهم المسلمون هم أول من اكتشف الأمريكتين، وأن الأوروبيين عندما نزلوا على سواحل أمريكا الجنوبية قد وجدوا صخرة على الشاطئ عليها كتابة كنعانية. وأن علماء الجغرافية والملاحين المسلمون هم الذين ساعدوا الغرب على الوصول وليس اكتشاف رأس الرجاء الصالح أو رأس العواصف كما كان الغرب يسميه، والوصول إلى جزر الهند الشرقية "إندونيسيا والفلبين"، وعلى الوصول إلى الأمريكتين، وذلك بعد سقوط الأندلس.
كما أن الغرب والعالم يدين للشرق والكنعانيين والفينيقيين خاصة في معرفة الحروف الهجائية قبل الإسلام، وبالأرقام الحسابية بعده، وبكثير من معتقداته وأفكاره وآرائه الفلسفية والاجتماعية والإنسانية والعلمية قبل وبعد الإسلام. وكثير لا مجال لحصره هنا مكتوب ومدون في كتب الغرب نفسه القديمة والحديثة بدءً من كتاب المؤرخ الشهير هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، إلى كتب المؤرخ ول ديورانت وويلز ورالف لينتون حديثاً وغيرهم.
وبعد، إذا ما سألت عن صورة العربي في كتب الغرب التاريخية القديمة قبل الإسلام، وخاصة الفينيقي (الكنعاني) الذي لا ينكر تقدمه العلمي والحضاري وفضله الكبير على الغرب؟ ستجد الإجابة هي الصورة نفسها التي تجدها للإسلام والمسلمين الذين يدمغ فضلهم الغرب في جميع ميادين الحياة والعلم، فقد شوهوا صورة العربي قبل الإسلام ووصفوه بالتخلف والهمجية والقسوة وسوء الطباع والخلق ... إلخ. إنها عقدة الشعور بالنقص وجحود أهل الفضل فضلهم، إنها عقدة الخوف من أن يستعيد الشرق المسلم قيادة العالم من جديد.

--
الرسائل الواردة تخص كاتبها وتعبر عنه
---
‏تلقيت هذه الرسالة لأنك مشترك في مجموعة "الناشر الصحفي" في مجموعات Google.
لإلغاء الاشتراك في هذه المجموعة وإيقاف تلقي رسائل الإلكترونية منها، أرسل رسالة إلكترونية إلى NasherSahafi+unsubscribe@googlegroups.com.
لعرض هذه المناقشة على الويب، انتقل إلى https://groups.google.com/d/msgid/NasherSahafi/CAJ1YmRGL9Q7wq2M7njXkeObT39vrHOUfyMsdM1CqiB4wutTgNg%40mail.gmail.com.

عن الكاتب

Sayed saber

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مجلتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المجلة السريع ليصلك جديد المجلة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على زر الميكروفون المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

الطريق الآخر لحياة أفضل